مجاعة الصين الكبرى: هي فترة في تاريخ جمهورية الصين الشعبية لعبت دورا في الاحداث في السنوات ما بين ١٩٥٨ و ١٩٦١ كانت تعرف بالمجاعة الشاملة وهي اكبرمجاعة في تاريخ البشرية، وفقًا لإحصائيات حكومة الصين العظمى وقتها، كان هناك ١٥ مليون حالة وفاة. أما التقديرات غير الرسمية فتختلف كثيرا عن هذا الرقم، ولكن قدر الباحثون عدد ضحايا المجاعة الكبرى بعدد يتراوح بين ٢٠ و ٤٣ مليونًا.
كما استطاع المؤرخ فرانك ديكوتير (Frank Dikötter) الاطلاع بشكل خاص على تلك الوثائق الحكومية و المواد الأرشيفية لحكومة الصين التي تخص هذه الفترة، وقد قدرت التقارير وجود ما لا يقل عن ٤٥ مليون حالة وفاة من عام ١٩٥٨ حتى ١٩٦٢. لذلك يطلق فلاحون الصين علي هذه الفترة عبارة “السنوات الثلاث المرة” .
اسباب مجاعة الصين الكبرى أكبر مجاعة في التاريخ
بين عامي 1958 و 1962 أمر زعيم الصين الراحل ماوتسي تونج شعبه بقتل أربعة كائنات وهي (البعوض والذباب وطير الدوري والجرذان) ولم ينجحوا إلا بالقضاء على الطيور المعروفة بطيور الدوري التي كانت تأكل حبوب المحاصيل. فقد أنتشر الجراد الذي كانت تأكله طيور الدوري بشكل مأساوي في الاراضي الزراعية بمختلف مناطق الصين قاضياً على المحاصيل، وانتشرت الآفات لتكون أحد الأسباب الرئيسية لمجاعة الصين الكبرى بين عامي 1958 و 1961 والتي ادت الي بوفاة 45 مليون إنسان جوعاً. ولتحظي بلقب أغرب وأبشع مجاعة في التاريخ الحديث.
سبب اخر لعب دورا كبيرا في حدوث مجاعة
الصين الكبري هو تنفيذ قرارات و سياسة الحزب الشيوعي الصيني الفاشلة الذي قرر تغيير الصين من دولة زراعية إلى دولة صناعية بشكل مفاجئ، حيث نادى الحزب بحملة اقتصادية واجتماعية تحول الصين من دولة زراعية إلى صناعية، وذلك عن طريق استثمار تعداد السكان الضخم لتطوير الدولة بشكل سريع من خلال ترك الزراعة بالكامل والاتجاة الى التصنيع، و أطلق عليها “القفزة الكبرى إلى الأمام”.
وبمجرد إعلان هذه الحملة إجتثوا الفلاحين من أراضيهم وقاموا بإرسالهم للعمل بالمصانع في احداث دموية للغاية ، وبالطبع تم الإستيلاء على هذه الاراضي حتى لا يعودوا للزراعة مجدداً ، ويوجهوا كل جهودهم إلى الصناعة وتحديداً إنتاج الحديد والصلب. لم يكتفي الحزب بهذا فقط بل قام بخلق و أحداث تغييرات جذرية على أسلوب الزراعة المتبع آنذاك، والذي فشل فشلاً ذريعاً ، وما زاد الأمر سوءاً ؛ الفيضانات التي حدثت عام ١٩٥٩ ، وتلاها الجفاف ! وبمرور الوقت انتهت محاولات تحقيق هذه القفزة الكبرى التي أودت بحياة ٤٥ مليون شخص تقريبًا!
حتى الوقت الحالي، لم يعلن الحزب الشيوعي الحاكم بصورة كاملة إلى أي مدى كانت هذه الكارثة التي انتهت بمجاعة نتيجة مباشرة لتجميع القرويين بصورة قسرية داخل مجتمعات، في إطار حملة «القفزة الكبرى إلى الأمام» التي دشنها ماو تسي تونج عام 1958.
وحتى يومنا هذا، يحاول الحزب الشيوعي الصيني الذي قرر تغيير الصين التستر على الكارثة الكبري والمجاعة التي اودت بملايين من سكان الصين، ويقوم بذلك من خلال إلقاء اللائمة على المناخ والتغيرات الجوية و الكوارث الطبيعية وتقلل من شأن الكارثة عموما. ولكن توجد سجلات مفصلة عن الوضع الكارثي في الأرشيف القومي والمحلي الملحق بالحزب نفسه.
ملفات الجريمة وفساد منتشر
لم يكن متصورا أنه سيمكن الوصول إلى هذه الملفات منذ عشرة أعوام مضت، ولكن حدث تطور ملحوظ على مدار الأعوام القليلة الماضية، حيث تم رفع غطاء السرية عن مجموعة ضخمة من الوثائق بشكل تدريجي. وعلى الرغم من أنه لا يزال الباب محكم الإغلاق على المعلومات الأكثر حساسية، فإنه يسمح الآن للباحثين بأن ينظروا في الليلة المظلمة من الحقبة الماوية للمرة الأولى.
تم دراسة مئات الوثائق في مختلف أنحاء الدوائر الحكومية الصينية من 2005 حتى 2009، وسافر الباحثون من قوانجدونج شبه الاستوائية إلى إقليم قانسو القاحل، بالقرب من صحراء منغوليا الداخلية، في محاولة لمعرفة أسباب المجاعة التي دمرت البلاد واطاحت بمنظومة الأمن الغذائي لمدة ثلاث سنوات باسم الاصلاحات العظيمة.
وعادة ما كانت سجلات الحزب داخل مقرات لجان الحزب الداخلية، يحرسها عن قرب بعض الجنود. وداخلها كانت كمية كبيرة من الأوراق القديمة المصفرة اللون، تعلوها الأتربة داخل ملفات يمكن أن تحتوي على أي شيء، من قصاصة صغيرة كتبها سكرتير حزبي على عجل وبلا اهتمام قبل عقود، وصولا إلى محاضر اجتماعات قيادية سرية مطبوعة.
وقد اكد المؤرخون منذ وقت أن قرار «القفزة الكبرى إلى الأمام» كان السبب الذي ادي إلى حدوث واحدة من أسوأ و اكبر المجاعات التي شهدها العالم. وقدم علماء ديموجرافيا أرقاما إحصائية حقيقية ليصلوا إلى تقدير يقول إن ما بين 20 مليونا و30 مليون شخص، ماتوا بسبب مجاعة الصين الكبرى.
ولكن داخل الأرشيف توجد كمية كبيرة من الأدلة، بدءا من محاضر لجان طوارئ، وصولا إلى تقارير للشرطة السرية وتحقيقات للأمن العام، تظهر أن هذه التقييمات لا تتماشي مع الواقع بصورة واضحة.
حكايات شنيعة تنم عن التاريخ المظلم
وبصورة مجملة، تشير السجلات التي درستها إلى أن حملة «القفزة الكبرى للأمام » أدت الي 45 مليون حالة وفاة. وتم تعذيب مليونين إلى 3 ملايين من هؤلاء الضحايا حتى الموت أو إعدامهم علي الفور فيما يشبه حملات تطهير وقمع، وكان يحدث ذلك على أقل مخالفة. وتم شنق المتهمين بعدم العمل بجد بالشكل الكافي بدون حكم او قضاء، وفي بعض الأحيان كانوا يربطون ويلقى بهم في برك المياه. اما العقوبات على الانتهاكات الاقل شأنا تشمل عمليات بتر أعضاء، وإجبار المواطنين على أكل الغائط.
تقرير اخر يعود إلى 30 نوفمبر سنة 1960، جرى توزيعه على القيادات العليا – من بينهم ماو – كيف قطعت أذن رجل يدعى وانج زي يو وربطت قدماه بسلك من الحديد، ووضعت صخرة تزن 10 كج على ظهره قبل أن يوسم بأداة. وكانت جريمته أنه قام بالبحث عن حبة بطاطا.
وعندما سرق طفل حفنة حبوب داخل قرية هونان، قام المسؤول المحلي شيونج دي تشانج بإجبار والده على دفن الابن حيا داخل المكان. ويقول تقرير فريق تحقيق أرسلته قيادة الإقليم عام 1969 من أجل إجراء مقابلات مع الناجين من المجاعة إن هذا الرجل مات من الحزن بعد ثلاثة أسابيع.
الجوع هو العقاب الأول، وكما تدعي التقارير، فإن الطعام كان يوزع بالملعقة، حسب ما يستحقه الناس، وكان يستخدم من أجل إجبار الناس على إطاعة الحزب. وكتب مفتش في سيتشوان أن «الأفراد الذين كانوا مرضى بصورة شديدة تمنعهم عن العمل، كانوا يحرمون من الطعام. وقد عجل ذلك من وفاتهم».
ومع الكشف عن جوانب متعلقة بالكارثة، نجد أن الناس كانوا يضطرون إلى اللجوء إلى أشياء لم تكن معقولة من قبل، من أجل المحافظة على حياتهم. ومع تفسخ النسيج الأخلاقي داخل المجتمع، راح الناس يعتدون على بعضهم ويسرقون من بعضهم ويسممون بعضهم. وفي بعض الأحيان كانوا يضطرون إلى أكل لحوم البشر.
ويتناول تحقيق للشرطة يعود إلى 25 فبراير (شباط) 1960 تفاصيل نحو 50 قضية في قرية ياو هيجيا داخل قانسو، من بينها قضية جاء فيها: «اسم الجاني: يانج زونج شينج. اسم الضحية: يانج إكوشن. علاقته بالجاني: شقيق أصغر. أسلوب الجريمة: القتل والأكل. الأسباب: قضايا معيشية».
يدعم مصطلح «مجاعة» النظرة السائدة التي تقول إن عددا كبيرا من الموتى قضوا نتيجة برامج اقتصادية غير معدة بصورة جيدة، وجرى تنفيذها بصورة سيئة. ولكن يظهر الأرشيف أن القسر والترويع وأعمال العنف كانت أساس حملة «القفزة الكبرى إلى الأمام».
وأرسل ماو الكثير من التقارير عما كان يحدث داخل الريف في هذه الأوقات الحرجة، البعض منها كتبه بطريقة الكتابة العادية من دون رموز أو اختزال. وكان يعرف بشأن الوضع المروع، ولكنه ضغط من أجل اقتطاع قدر أكبر من الغذاء.
وخلال اجتماع سري بشنغهاي في 25 مارس (آذار) 1959، أمر الحزب بالحصول على ثلث الحبوب المتاحة، وهي نسبة أكثر من أي وقت مضى. وتكشف محاضر الاجتماع عن رئيس غير مكترث بالخسائر البشرية: «عندما لا يكون هناك طعام كاف يجوع الناس حتى يموتوا. من الأفضل ترك نصف الشعب يموتون حتى يتمكن النصف الآخر من أن يأكلوا ما يحتاجون إليه».
لم تكن مجاعة الصين الكبرى إبان ماو مجرد حدث منفصل في ظهور الصين الحديثة. ولكنها كانت نقطة تحول فيها. وكانت الثورة الثقافية التالية محاولة من جانب الزعيم لينتقم من الزملاء الذين تجرأوا على أن يعارضوه خلال «القفزة الكبرى إلى الأمام».
وفي الوقت الحالي، لا توجد الكثير من المعلومات المتاحة علنا داخل الصين عن هذا الماضي المظلم. ويميل المؤرخون الذين يسمح لهم بالعمل داخل أرشيف الحزب والحصول علي البيانات، على نشر النتائج التي يخلصون إليها عبر الحدود داخل هونج كونج.
كما لا يوجد متحف ولا نصب تذكاري ولا يوم ذكرى من أجل تكريم موت عشرات الملايين من الضحايا. ونادرا ما يتمكن الناجون، ومعظمهم داخل الريف، من الحديث، وفي الأغلب يأخذ هؤلاء ذكرياتهم معهم إلى القبور و تختفي ذكراهم.