المالديف تلك الجزيرة السياحية الرائعة التي يشد اليها الرحال أثرياء العالم لزيارتها والتمتع بجمال شواظئها، هي ثالث أدلتنا في سلسلة رمضانيات بعد تترستان وباشكوريا على أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف. الإسلام هو الديانة الرسمية لجزر المالديف التي سماها اسلافنا العرب قديما ذيبة المَهَل أو محلديب و يقدر نسبة المسلمين فيها بنسبة 100%، وينص دستورها على أن جميع المواطنين يجب أن يكونوا مسلمين، ولا يمكن لأي غير مسلم ان يصبح مواطنًا بحسب المادة 9. وتنص المادة الثانية على أن الجمهورية مؤسسة على مبادئ الإسلام وتنص المادة 100 على أنه لن يطبق أي قانون ضد مبادئ الإسلام يمكن أن يطبق في البلاد.
كما تنص المادة 19 ان المواطنين لهم الحرية الكاملة في أن يشاركوا أو يمارسوا أي نشاط لم يتم تحريمه في الشريعة أوالقانون. دخلت البوذية إلى جزر المالديف وقت توسع الإمبراطور أشوكا أهم أباطرة الإمبراطورية الماورية بالهند حيث ظل الدين السائد لأهل جزر المالديف حتى القرن الثاني عشر، قضى ابن بطوطة في المالديف تسعة أشهر أصبح فيها قاضيًا بعد أن تزوج من إحدى بنات الملك عُمر الأول، وفي كتاب “الرحلة” يذكر خوفه وهلعهُ من النساء المحليات اللاتي يخرجن بدون ملابس فوق الخصر تقريباً، وكذلك من السكان المحليين الذين لا يُبدون اهتماماً عندما يتشكى.
وقد روى قصة مثيرة وغريبة على طريقة إسلام جزر المالديف وأهلها. يقول: حدثني الثقات من أهلها؛ كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله، وجماعة سواهم: أنّ أهل هذه الجزائر كانوا كفارا، وكان يظهر لهم كل شهرعفريت من الجن يأتي من ناحية البحر كأنه مركب مملوء بالقناديل، وكانت عادته مأنهم إذا رأوه أخذوا جارية بِكرا فزينوها وأدخلوها إلى بيت الأصنام، وكان مبنيا على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه منها، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة البكارة ميتة! ولا يزالون كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته.
ثم إنه قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري، وكان حافظا للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم، فدخل عليها يوما وقد جمعت أهلها وهن يبكين كأنهن في مأتم، فاستفهمهنّ عن شأنهن، فلم يفهمْنَ، فأُتـِيَ بترجمان فأخبره أن قرعة الشهر وقعت على العجوز، وليس لها إلا بنت واحدة يقتلها العفريت، فقال لها أبوالبركات: أنا أتوجه عوضا من بنتك بالليل، وكان أمرد الوجه، فاحتملوه تلك الليلة فأدخلوه إلى بيت الأصنام وهو متوضئ، وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من النافذة، فاستمر يتلو، فلما اقترب منه وسمع القراءة، غاص في البحر، وأصبح المغربي وهو يتلو على حاله.
فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها (ظنا منهم أن العجوز وضعت بنتها هناك)، فوجدوا المغربي يتلو القرآن، فمضوا به إلى مَلِكِهم، وكان يسمى (شنورازة)، وأعلموه بخبره، فعجب منه، وعرض عليه المغربي الإسلام ورغّبه فيه، فقال له الملك: أقم عندنا إلى الشهر الآخر فإن فعلت كذلك ونجوت من العفريت أسلمتُ ! ثم أقام عندهم وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلمَ أهله وأولاده وأهل دولته، ثم حُمِل المغربي لما دخل الشهر إلى بيت الأصنام، ولم يأتِ العفريت، وجعل يتلو حتى الصباح.
وجاء السلطان والناس فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا بيتها، وأسلم أهلُ الجزيرة، وبعثوا اإلى سائر الجزر، فأسلم أهلها، وأقام المغربي عندهم معظَّما وتمذهبوا بمذهبه؛ مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه،وبَنَى مسجدا معروفا باسمه، وقرأتُ على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب: أسلَم َ السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلثَ مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل إذْ كان إسلامه بسببهم. لا تزال هذه اللوحة محفوظة إلى الآن، وتعتبر أقدم خط عربي في منطقة المحيط الهندي حكمت بريطانيا جزر المالديف 78 سنة بوصفها محمية بريطانية، ثم استقلت عام 1965 قبل أن تنضم عضوا في دول الكومينولث سنة 1982.
بقلم رامي رأفت