نبي الله يوسف
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ !.
(٢)
بقصر بوتيفار ..
– بسم الله الرحمن الرحيم { وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } يوسف ٢١ ..
– كان هو عزيز مصر و كان ذلك المنصب يعني بأيامنا هذه، رئيس الوزراء أو الوزير الأول و قائد الجيش، و شغل “بوتيفار” هذا المنصب في فترة الملك إمنحوتب الثالث و كذلك في ولاية إبنه إمنحوتب الرابع ( إخناتون ) و زوجته كانت تُدعى بزليخة و كانت مشهورة بجمالها الشديد و كبريائها المديد و قد أضحى كل ذلك لغرورًا ساطع الأوجه، كذلك كان مَعروفًا عن “بوتيفار” تفانيه بالعمل و إخلاصه الشديد للملك، و لكنه كان لا يُنجب و يعاني من علةً، لذا كان بذلك اليوم حين إسترق يوسفًا من سوق العبيد يبغى ولدًا طيبًا و لما اشتراه أوصى زليخة به خيرًا و إكرامه لعله يكون لهما ولدًا صالحًا ..
– كذا شب الفتى يوسف بالقصر تحت رعاية العزيز “بوتيفار” و زوجته “زليخة”، فنشأ في بيئة هادئة صالحة، ليس بها لغوًا صاخبًا، فكان كما إنه إبن العزيز و هكذا عامله الجميع، و لما شب قليلاً بدأ في الإهتمام بالأمور بالقصر ..
– كان يوسفًا عليه السلام شديد الجمال حتى إذا سار بجوار حائط ينعكس نوره على الحائط، وفي رحلة الاسراء والمعراج قابل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سيدنا يوسف وقال عنه : ” لقد أوتى شطر الجمال” أي نصف جمال البشر.، و أوتي صحة الحُكم على الأمور، و أوتي علمًا بالحياة و أحوالها، و أوتي أسلوبًا ساحرًا في الحوار يُخضع كل من نصت إليه، فكان شديد الجاذبية !.
– بلغ يوسفًا أشد الرشد من عمره، و فطن “بوتيفار” لما مَلَك يوسف من مزايا و شخصية رائعة، فعلم “بوتيفار” الفضل الذي ناله حينما اشترى “يوسفًا” عليه السلام، من سوق العبيد ذلك اليوم، فٱمن له بيته و ولاه على نصاب الأمور و ترك له أمور إدارة القصر ..
زُليخة
– كان لا يمضي يومًا إلا و يزيد إعجاب زليخة بيوسف و بحسنه و شخصيته المميزة،. فقد مَلك من البهاء منتهى البهاء و الحُسن .
– و لم تَعُد زليخة تستطيع مقاومة جاذبيته و حسنه الشديد فقيل أن وجهه كان كالبرق فإن خاطب النساء كان يُغطي وجهه حتى لا يفتتنوا به، و بتقدير بسيط جدًا و قد يكون خاطئًا و لكنه ما ورد بكتاب إبن كثير، لما أورد “بوتيفار” يوسفًا للقصر كان الصبي الصغير بِعُمر الثانية عشر، و كانت زليخة بعمر الثالثة و العشرون زوجةً ل “بوتيفار” ؛قضى يوسفًا ثلاثة عشر عامًا قبيل هذه الحال فبالتقريب بتلك الفترة كان يوسف بعمر الخامسة و العشرين و زليخة بعمر الست و ثلاثين عامًا، فقد كانت مُكتملة الأنوثة تملك من الجرأة و التمكين ما تَمُلك، و حاولت مراودة يوسف عن نفسه بطرقُ ملتوية و إغوائه بطرقًا مضمورة مستترة و لكن سيدنا يوسف عليه السلام، امتنع تمامًا .. حتى كان ذلك اليوم ..
الإغواء الكبير
– أمرت زليخة خادميها بالمغادرة و آغلاق أبواب القصر، و قررت هذه المرة أن تتوقف عن التلميح و المراودة المُضٔمرَة، و إعتمدت أسلوب المُصارحة و العري الصريح، فقدمت إليه، فمزقت أقنعة الحياء تمامًا و تعرت أمامه و صرحت له بحبها و إعجابها الشديد، فإمتتع أيضًا هذه المرة، و قال لها ..إني أخاف الله و معاذ الله أن أفعل ما تطلبين مع زوجة من أكرمني و أحسن مثواي، و جعلني من ضمن المُكرمين، و لا يفلح الظالمين الذين يغضون عن أمر الله، و يتخطون حدود الله عز و جل؛ فلا أرتكب ما قد حرمه الله .. فإغتاظت جدًا و شعرت بالخجل الشديد !.
– لم تستلم زليخة فأصرت على ما تصبو إليه، فهرب منها و خرج يفر نحو الباب فتبعته تهرول خلفه فحاولت إمساكه فتمزق قميصه من الخلف بسبب الشد، و كان زوجها “بوتيفار” لدى الباب، ففزع من ما رأى، فبدرته زليخة بالكلام و حرضت على يوسف عليه السلام، و اتهمته و هي المتهمة، و برأت عرضها و نزهت ساحتها من قد بلغه من ما رأى، فقالت أن “يوسفًا” أراد بي سوءًا إلا أن يُسجَن أو عذاب أليم، فقال يوسف .. هي راودتني عن نفسي !.
و شَهد شاهدُ مِن أهلها
– بسم الله الرحمن الرحيم {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } يوسف ٢٦ ..
– كانت تلك الواقعة ذات أثرًا شديد، فأقدم “بوتيفار” و معه نفرًا من أهلها، يُقال أنه كان طفلاً في المَهد من أهل زليخة نطق بالمهد، و يُقال أيضًا أنه كان رجلاً حكيمًا من أهل “زليخة” دومًا ما كان يُرافق “بوتيفار” ؛ فأتى فعلته، و قدم الشهادة و ارتضى “بوتيفار” في حكمه بتلك المسألة، فوضح الشاهد أنه إن صَحت رواية “زُليخة” فإن قميص يوسفًا يكون متهتكًا من الأمام و إن صحت رواية يوسف عليه السلام، فقميصه يكون مَقطوعًا من الخلف ..
– كان قميص يوسف مَقطوعًا من الخلف فعلاً، و حينها قال الشاهد إن هذا من كيدكن و إن كيدكن لعظيم، وكما روى يوسفًا فقد صدق صادق القول و لم يكن ليكذب ليبرئ ساحته البريئة ( براءة الذئب من دم بن يعقوب ) !.
– أتبع الشاهد .. أن يوسفًا قد أعرض عن هذا فقد طلب منه العزيز أن يهمل هذا الموضوع و لا يتحدث به مع أحدًا و طلب منها أن تستغفر ربها، و كما يتراءى لنا فإن عبادة الله الواحد القهار، كانت قد وجدت طريقها لأهل مصر.
مأدبة سيدات الطَبقة العُليا
– بسم الله الرحمن الرحيم { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ*فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ*قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِين*قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ
*فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يوسف الٱيات ٣٠ – ٣٤
– على ما يبدو أن الأمر لم يستمر سرًا لأمرًا أو لٱخر وصل لمسامع “زُليخة” ما يتم تناقله وسط سيدات الطبقة الراقية عنها و عن إعجابها الشديد بذلك الشاب الذي شب بالقصر “يوسفًا”؛و أيضًا شائعات عن ما دار بينها و بينه من مراودة بينة، فقررت أن تُعد مأدبة كبيرة في القصر، وأعدت الوسائد حتى يتكئ إليها المُدعوات، و إختارت الطعام و الشراب بعناية و وضعت بجانب الأطباق السكاكين الحادة، و وجهت الدعوة لكافة سيدات الطبقة الراقية، و بدأت الحفلة ..
– دعتهم زليخة و دلفوا للقصر جماعات، و قدمت لهم الطعام و السمر، و أثناء ما هم منشغلين بأكل الفاكهة و تقطعيها بالسكاكين، فاجأتهن بيوسفًا فدخلت به عليهن، فلما رأوه نالت منهم الدهشة و البهتان لطلته البهية، فجرحن أياديهن بالسكاكين الحادة، و قالوا إن هذا ليس بشرًا مثلنا و إنما ملاكًا منزلًا من السماء، و لم يصدقن ما رأوه من نورًا و جمالاً ينبثق من وجهه عليه السلام ..
– هللت زليخة لإنتصارها على باقي النساء من طبقتها، فقد لقين من طلته الدهشة و الإعجاب الشديد، فقالت قولة المرأة التي انتصرت و قد نالت ما أرادت منهن، و إن هذا الشاب الجميل الطلة، تحت متناول يديها و إنها ستناله و إن كان قد استعصم بالمرة الأولى، فهي أيضًا ستحاول مرةًُ ثانية حتى يلين و تناله ٱخرًا، و إن فشلت معه فستأمر بسجنه لإذلاله و إخضاعه فكانت طريقتها الأخيرة أن تقوم بتهديده حتى تنال ما ترجو منه !
– بدأت نساء تلك الطبقة يكيدون ليوسف عليه السلام المكائد و المصائد لكي يستدرجنه و يقع غنيمة لشهواتهم المُحرمة و لكنه إمتنع عنهن جميعًا، و قام بإغاظتهم غيظًا عظيمًا، فدعا ربه أن يصرفهن عنه، فأستجاب الله له و صرف عنه كيدهن العظيم.
– ثم بدا لهم بعدما رأوا ٱيات ربه به، كادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف، فرأى القائمون على الأمر أن يسجن يوسف إلى حين، فَسُجن بالفعل و كان ذلك أحبًا له كما دعا ربه من ما يدعونه إليه !
– بسم الله الرحمن الرحيم { ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } يوسف ٣٥ ..
يُتبعَ ..
– خلصت قصة النهاردة بس مخلصش كلامنا ..
– ايه الجمال و العصمة و النزاهة دي !!
– مش هسألك لو كنت مكانه كنت هتعمل ايه، لأن معروفه، و لكن فعلاً سيدنا يوسف لما اتعرض لمكر زليخة و زميلاتها من نساء القصور قدم لنا أعظم الأمثلة في الصلاح، و لكنه نبي الله معصومًا عما يتراءى لأي بشر و إلا ليه بقى نبي أصلاً، خلي بالكم النبي ده بشر عادي جدًا ..
– ربنا بيصطفي الأنبياء وفقًا لما يعلمه من غيب، فالأنبياء لما بنقول إنهم بشر فده فعلاً، و لما بنقول انهم من أكثر الناس تعرضًا للبلاء ده حقيقي، بل و الله أعظم البلاء و بالأخير بيثبتوا لينا أنهم أكثر البشر صلاحًا. احنا بنتناول سيرتهم عظمتهم و رفعتهم عن كونهم “مثلنا” ؛ هما زينا بس مش زينا ♥ .. كرم الله أنبيائه و رسله ٱمين يا رب العالمين 🌹 !.