صنايعية مصر – عبد الباسط عبد الصمد
لكل واحد في الحياه نفحة ربانية. هو المقريء الوحيد الذي وضع المصريون علي تسجيلاته لمستهم الخاصة، وبقدر ما في هذه اللمسة من سذاجة الا انها لم تزد صوت الشيخ عبد الباسط الا بريقا وجاذبية. كانت اللمسة عباره عن (صدي الصوت + الاهتمام بتهليل جمهور المستمعين وتضخيمه + زياده حده صوت الشيخ عبد الباسط بحيث يبدو ارفع من حقيقته)، لمسة تكفلت بها الاف شركات كاسيت بير السلم التي انتشرت في مصر اوائل الثمانينيات وعبأت مئات الشرائط التي تناسب ذوق المستمعين البسطاء في كل ربوع مصر.
كنت امتعض من هذه اللمسة الي ان وقعت في غرامها، بل اصبحت لا استسيغ الترتيل الرصين لشيخنا عبد الباسط عبد الصمد بالقدر نفسه الذي استسيغ به تجويده المعدل شعبيا القادم من محلات الاكل والمقاهي والورش ونوافذ البيوت في الصعيد والفلاحين. اعرف ان هذا التهليل المميز للتسجيلات لا يتناسب مع وقار القران الكريم، لكن تسجيلات شيخنا بهذه الطريقه اصبحت تفصيله في حياتنا كمصريين، ومن اهم الخلفيات الصوتية التي تميز هذا البلد، كنت مثلك انزعج منها في ما قبل، لكنني اصبحت لا اقوي علي ان الوم البسطاء الذين يفتنهم الشيخ عبد الباسط بطريقته واصبحت اري ان عدم التعليق بصرخه «الله» من اقصي اعماق القلب علي فتنه هذا الصوت هو نوع من التعالي المقيت والوقار المفتعل.
المتتبع لقصة حياة الشيخ عبد الباسط يري انها تدور كلها في مهمه جعلته يستحق لقب (مقرئ عموم المسلمين) الذي اطلقه عليه الكاتب الكبير محمود السعدني. كان طفلا في احدي قري قنا، احب قراه القران وحفظه بسرعه، فقرر ابوه ان يرسله الي طنطا ليتعلم اصول القراءة، في اللحظه نفسها وصل الي القرية مدرس علوم قران، رافقه الشيخ عبد الباسط يتعلم منه اربع سنوات، في نهايتها اصبح شريكا له في القراءة في المناسبات المختلفة، في احدي المرات اصر احد الكبار ان يصطحبه معه ليقرا في مولد السيده زينب. كانوا كبار الشيوخ متراصين في المسجد، وعلي مضض سمحوا لهذا الصبي ان يتلو علي الاف الحاضرين ما تيسر حتي يلتقط الشيوخ الكبار انفاسهم، تلا عليهم فاثار جنونهم بمن فيهم الشيخ «علي صبيح» امام المسجد الذي قال له «غدا سيزورنا مصطفي باشا النحاس وستقرا امامه».
اوصي مصطفي النحاس بعد ان استمع اليه بضرورة ان يتقدم هذا الشيخ الصغير لاختبارات الاذاعه ليتم اعتماده، تقدم ونجح في الاختبارات واحتل المركز الاول وكانت المكافاة عمره الي مكه والمدينه، تصادف ان زار الكعبة في وقت غسلها، وكان ان اخطأ الامام، حيث كان يقرا بقراءه «ورش» ثم نطق بعض الكلمات بقراءة «حفص»، فتوجه اليه شيخنا بكل ادب ولفت نظره الي الخطا، وتعارفا جيدا الي ان طلب امام الحرم ان يبقي معهم وان يؤمهم في صلاه قادمه.
سحر صوته رواد الحرم فطلبوا منه ان يقوم بعدة تسجيلات للاذاعه هناك، نجحت التسجيلات وانتشرت انتشارا ساحقا، وبدات جماهيرية الشيخ تكبر بعد هذه الواقعة، لدرجه ان الرئيس عبد الناصر عندما كان يرتب لافتتاح السد العالي طلب الشيخ عبد الباسط بالاسم. في افتتاح السد العالي كان صوت الشيخ عبد الباسط يجلجل، وكان حاضرا ملك المغرب محمد الخامس الذي اعاد ترتيب برنامج زيارته لمصر بحيث يصلي الفجر يوميا خلف الشيخ عبد الباسط اينما كان (كان قد تولي امامه مسجد الامام الشافعي ثم مسجد سيدنا الحسين)، ثم طلب منه ان يحيي رمضان في المغرب. في المغرب (حيث فتن الناس كعادته) كان حاضرا الرئيس الباكستاني فطلب منه ان يزور مسلمي باكستان، وهناك كان الرئيس يقف في شرف استقباله بنفسه في المطار، وصلت اخبار الزيارة لاهل اندونيسيا فطلبوه، وهناك وحسب روايه الشيخ كان هناك اكثر من ربع مليون شخص يستمعون اليه وقوفا طول الليل.
وصلت تسجيلاته الي جنوب افريقيا فاستنجد به مسلموها، وهناك وحسب روايته اسلم علي يديه اكثر من تسعين شخصا، وعاد الي القاهرة ومعه خمسة من مسلمي جنوب افريقا لم يكونوا يتحدثون العربية، لكنهم مؤهلون لحفظ القران وتجويده وتعلموا علي يديه، ثم سافروا واصبحوا من اهم المقرئين والدعاة هناك. قرر بعدها امام المسجد النبوي ان يحتفل بهذا الرجل، وهناك وفي حضرة الرسول، وكان وزير الاعلام الاردني موجودا، الهمه الله ان يطلب من هذا الرجل ان يحيي ليله 27 رمضان في القدس (قبل احتلالها) في المسجد الاقصي، ليلتها انضمت كل اذاعات العالم العربي والاسلامي في بث موحد رج الكره الارضيه رجا.
كتبها : عمر طاهر
بقلم طه محمود إسماعيل