الفهرس
هو أشرف أبو الوفا مروان، المولود فى العام 1944م، لأب كان لواءً بالجيش و عمل بعدها مديراً لإدارة سلاح الحرب الكيماوية، قبل أن يخرج للتقاعد ويتولى ادارة شركة مصر للأسواق الحرة.
حصل على بكالوريوس العلوم “قسم الكيمياء” في العام 1965م ثم الدكتوراة من جامعة لندن فى عام 1974م، التحق المصري أشرف مروان بالقوات المسلحة فى العام 1965م بسهوله “نظراً لمكانة والده” و عمل فى المعامل المركزية للقوات المسلحة ثم مساعداً لسامى شرف سكرتير الرئيس الأسبق
جمال عبد الناصر
للمعلومات، في العام 1970م أصبح اشرف مروان المستشار السياسي ومستشار الأمن للرئيس الراحل أنور السادات، ترأس الهيئة العربية للتصنيع فى الفترة بين عامي 1974م و1979م قبل ان يتوجه إلى بريطانيا وبعد تقاعده للعمل كرجل أعمال، و ظل بها الى ان توفي يوم27 يونيو 2007م.
لم يكن ذلك السلم الوظيفى الممتاز بالنسبة للفئة العظمى من شباب جيله كاف لارضاء طموحه اللامنتهى، لذا أقدم اشرف مروان على خطوة كبيرة اختصرت مسافات و سنين من العمل الشاق، فتحت امامه كل الابواب المغلقة و دفعته دفعاً الى نجوم الصف الأول، حيث اصبح أشرف مروان صهر الرئيس المصري الراحل جمال وزوج السيدة مني ابنة الرئيس المدللة والمفضلة ، بعد ان تعرف عليها فى مباراة للتنس الارضى فى نادى هليوبوليس بمصر الجديدة ، لتنشأ بينهما قصة حب سريعة و يتزوجها اشرف مروان فى العام التالى قبل ان ينتقل الى لندن من أجل الماجستير و الدكتوراة.
صعود أشرف مروان
بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر ، قرأ اشرف مروان المشهد جيدا، ادرك ان ايام المميزات السهلة و الوصول السريع ولت بغير عودة، و ان رجال الزعيم جمال عبد الناصر فى طريقهم الى السجن ان عاجلا او آجلا، فانضم سريعا الى الفريق المؤيد للقيادة الجديدة، تلون سريعا بألوان العصر الجديد رغم النسب القوى الذى يربطه بالعهد القديم، و برع فى ذلك لدرجة أن الرئيس السادات وثق فيه ثقة عمياء، فقام بتعيينه سكرتير خاص لشؤون المعلومات – و هى نفس الوظيفه التى كان يشغلها سامى شرف ايام جمال عبد الناصر، و التى عمل فيها أشرف مروان مساعدا له – و ذلك فى 13-مايو-1971، اى قبل يومين فقط من “ثورة التصحيح” كما أطلق عليها السادات ، ليس هذا فحسب، بل قام السادات ايضا بتعيينه عضواً فى عدة لجان للأشراف على التطوير و الصناعة و البرنامج النووى المصرى، ثم سكرتير الرئيس للأتصالات الخارجية فى العام 1974م، و يمنحه السادات نوط ووسام عسكري كتكريم له على ما قدمه من خدمات جليله للوطن فى فترة حرب اكتوبر اتسعت سلطات اشرف مروان فى عهد السادات لتشمل الآتى:
- ممثلاً لجهاز المخابرات المصرية أمام جميع أجهزة مخابرات العالم.
- ممثلاً لرئيس الجمهورية أمام جميع رؤساء وملوك العالم.
- لا يجوز تحرك أى من القوات المسلحة المصرية إلا بإذنه شخصياً.
- وأشرف على جهاز مباحث أمن الدولة والمخابرات العامة والمخابرات الحربية فيما يخص أمن وسلامة رئيس الجمهورية.
اختصاراً، كان لأشرف مروان صلاحيات رئيس الجمهورية فى كل شيء فى غياب رئيس الجمهورية و هو فى منتصف ثلاثيناته بعد. فى أواخر السبعينات توترت العلاقة بين الرئيس السادات وأشرف مروان و عندما بدأ اشرف مروان يستخدم صلاحياته الواسعه فى الاطاحة بمعارضيه من رجال الحكم و السياسة و الصحافة، كما نما الى علم السادات شائعات حول اتفاق مصرى – سعودى على مستوى المخابرات باعادة العلاقات بين الدولتين و الدعم المطلق لمصر ان رحل السادات عن الحكم.
لتبدأ بعدها مرحلة هدم اسطورة اشرف مروان ، حيث قام السادات باحالة اوراق صفقة سيارات المرسيدس الرئاسية التى كان مسئولاً عنها اشرف مروان الى المدعى العام الاشتراكى الذى لم يفهم الرسالة و قام باغلاق الملف كله مجاملة لرجل السادات المقرب، ثم ظهرت بعد ذلك شائعة القبض على اشرف مروان فى شقة للدعارة فى مصر الجديدة ، بالتوازى مع اطلاق الاقلام الصحفية المؤيدة للسادات – من امثال موسى صبرى – لشن حملة صحفية ضارية على شخص اشرف مروان ، استغل موسى صبرى الضوء الأخضر من مؤسسة الرئاسة و أطلق على اشرف مروان لقب “الطفل المعجزة”، فى اشارة ساخرة الى صغر سنه مقارنة بما حققه من انجازات و ما لديه من صلاحيات متسائلاً عن كل ما يملك اشرف مروان و حقيقة طائرته الخاصة و ارض الهرم فى حين لم يتجاوز راتبه من القوات المسلحة اربعه و ثلاثون جنيها لا غير.
و تستمر أحاديث الغرف المغلقة و الشائعات فى الانتشار، حديث عن صفقات مشبوهة مع شركة بوينج، صفقات سيارات الرئاسة مع شركة مرسيدس، عمولات تجارة السلاح، العلاقة الغير معلنة مع كمال أدهم رئيس جهاز الاستخبارات السعودية فى ذلك الوقت، حتى كان يوم صرح فيه عثمان أحمد عثمان وزير التعمير الأسبق و صاحب و مؤسس شركة المقاولون العرب قال فيه ان ثروة أشرف مروان تبلغ 400 مليون دولار، و انه – اى عثمان – لا يملك 1% مما يملكه أشرف مروان.
بمقتل السادات ، تنبه اشرف مروان الى مقتضيات العصر الجديد – كما فعل سابقا ابان وفاة جمال عبد الناصر – فرحل الى لندن ليتجه الى عالم المال و الاعمال.
العميل بابل
في السادس من أكتوبر عام 2004 كان أحد العاملين في الموساد يتابع إحدي القنوات المصرية في إطار عمله الروتيني لكتابة تقارير عما يبثه التليفزيون المصري من أخبار وبرامج، نظر رجل الموساد بامعان إلي مشهد مثير، الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك يصافح أحد المدعوين للحفل بحرارة غير معتادة ، فى العادة تتم دعوة الشخصيات الهامة أو التي ارتبط اسمها بافضل إنجازات الجيش المصري علي مر تاريخه، امعن الرجل النظر فى الملامح اكثر، ليكتشف أنه نفس الرجل الذي تسبب في معركة حامية بين اثنين من قادة أجهزة الموساد ” أيلي زعيرا وتسيفي زامير” دامت لما يزيد علي الثلاثين عاما ولم تحسم الجدل حولها حتي بعد وصولها إلي اروقة المحاكم الإسرائيلية. وظلت قضية أشرف مروان مثار جدل في اوساط الكيان الاسرئيلي.
في العام 1993م يحكي الجنرال «ايلي زعيرا» الذي شغل منصب رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية اثناء حرب أكتوبر عام 1973 في كتاب بعنوان “حرب يوم الغفران.. الاخفاقات والدروس” وذكر فيه أن أحد أسباب إخفاقات إسرائيل في هذه الحرب هي ثقتها في عميلاً مصريا تم تجنيده، وصفه بأنه كان يشغل منصب بارز في مصر وكان مقرب للغاية من الرئيس جمال عبد الناصر.
واطلق عليه داخل مجتمع الاستخبارات اسم ” العميل بابل ” احيانا و ” العريس ” احيانا أخري، ورأي زعيرا أن هذا الشخص قد ضلل عن عمد المخابرات الإسرائيلية ومرر لها معلومات خاطئة أدت إلي فشلها في التنبؤ بنوايا الرئيس السادات لشن الحرب ضد إسرائيل في السادس من أكتوبر عام 1973م، في المقابل أخذ رئيس الموساد تسيفي زامير والذي شغل هذا المنصب ابان حرب أكتوبر يدافع عن عميله ” بابل ” لأنه علي مدي خدمته كعميل للموساد منذ تجنيده في اواخر الستينات مرر لإسرائيل معلومات في غاية الأهمية ومنها موعد شن حرب يونيو 67.
ظلت الحرب بين زعيرا وزامير تشتعل بين الحين والآخر علي صفحات الجرائد الإسرائيلية وعلي شاشات التليفزيون الإسرائيلي خاصة في مناسبات مختلفة سواء في الحديث عن ذكريات حرب يوم الغفران الاليمة أو عن تقصير أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في فترات لاحقة لحرب أكتوبر 1973 ولم ينشغل الكثيرون سواء في مصر وإسرائيل بالمنازعات التي كانت تدور بين الجنرالين الإسرائيليين حتي كان العام 2002، العام الذى حمل مفاجأة اخرى غير متوقعة.
يهل عام 2002 ويصدر الكاتب و المؤرخ الإسرائيلي المقيم في لندن اهارون بيرجمان كتاباً بعنوان (تاريخ إسرائيل) تحدث فيه بتوسع عن العميل ” بابل ” دون أن يذكر اسمه صراحة وقال اهارون بيرجمان في الكتاب إن العميل بابل لم تقم المخابرات الإسرائيلية باصيطاده وتجنيده لأنه هو الذي ذهب بنفسه إلي السفارة الإسرائيلية في العاصمة البريطانية لندن وعرض علي الإسرائيليين خدماته.
المثير في الأمر أن اسم اشرف مروان قد تسرب صراحة عام 2003م عن طريق بيرجمان نفسه بعد اصداره كتابه ” تاريخ اسرائيل ” عام 2002م والذي لم يذكر فيه اسم اشرف مروان وظل يذكره باسم العميل بابل.
ها ملاخ أو الملاك
عملاء بارزين من الموساد قدموا رواية غنية بالتفاصيل عن اشرف مروان للمحلل الاستخباراتي السابق للجيش الإسرائيلي يوري بار جوزيف، الذى اوردها في كتابه ” ها ملاخ ” أو ” الملاك ” الذي نشر عام 2010م، أدعى هؤلاء أن اشرف مروان اتصل بالسفارة الإسرائيلية وطلب أن يتحدث إلى عضو في فريقها الأمني، لكن تم تجاهله مرتين على الأقل، و عندها قرر اشرف مروان أن يترك رسالة، عرف اشرف مروان نفسه بالاسم وأبدى استعداده العمل جاسوس لصالح المخابرات الإسرائيلية، واختار ألا يترك رقم هاتفه لأنه كان سيعود إلى مصر في اليوم التالي وقال إنه سيعاود الاتصال مجددا بعد الظهر و عندما اتصل اشرف مروان لم يتلق أي رد، هذه المرة ترك مروان رقم هاتفه في الفندق.
كان شيموئيل جورين، رئيس الموساد في أوروبا حينها في لندن عندما ألتقط رسالة اشرف مروان وادرك اسمه على الفور، اقتراب اشرف مروان من زعماء مصر دفع الموساد لفتح ملف له باعتباره عميلا محتملا، ضم الملف صورة ألتقطت لـاشرف مروان خلال زفافه قبل أربع سنوات، اتصل جورين برقم الهاتف الى تركه اشرف مروان و طلب منه ان يبقى في غرفته بالفندق، رن الهاتف مجددا، و كان على اشرف مروان أن يذهب إلى مقهى قريب من الفندق.
في المقهى، جلس رجل أمام إحدى المناضد يقرأ صحيفة و يحتسي القهوه بينما ينظر إلى أسفل على صورة ويقارنها بالرجل الأنيق الذى دخل للتو إلى المقهى، بعدها نظر الرجل عبر النافذة إلى رجل اخر ينتظر في الخارج و أومأ برأسه إليه باشارة ما، هنا دخل الرجل إلى المقهى واقترب من اشرف مروان وقال له “سيد مروان؟.. يسعدني أن أقابلك.. اسمي ميشا”، صافحه اشرف مروان بعدها غادر شموئيل جورين المكان دون أن يلاحظه أحد، تحدث اشرف مروانمع ميشا – الذى كان اسمه الحقيقي دوبي – عن علاقاته وما يمكن أن يقدمه للإسرائيليين.
دفع مروان مظروفا عبر الطاولة إلى ميشا وقال “هذه عينة مما استطيع أن أقدمه، لن أطلب أي شىء الآن لكنني أتوقع أن تدفعوا لي في اللقاء المقبل”، كم كان المقابل؟ 100 ألف دولار. تشكك الموساد في نية اشرف مروان ، هل يخطط أن يكون عميلا مزدوجا يقدم معلومات غير صحيحة للإسرائيليين أم أنه سيمرر للأسرائيليين أسرار والد زوجته؟
كان لدى اشرف مروان إجابة على ذلك، فهو يائس بعد هزيمة مصر في حرب الأيام الستة في 1967م و يريد ان يكون مع الجانب الرابح المنتصر، بعد اللقاء اجتمع ميشا مع جورين في تاكسي و استعرض الاثنان مستندات اشرف مروان في طريقهما للسفارة، بدت المستندات أصلية، وقال جورين “مواد كتلك من مصدر كهذا هو أمر لا يحدث إلا مرة كل ألف عام” وفقا لما نقلته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية ووفقا لكتاب بلوم، وصف عميل اخر للموساد موقف اشرف مروان قائلا “و كأن لدينا شخصا ينام في سرير عبد الناصر”، اختار الموساد اسما حركيا لمروان كان يبدو روحانيا للغاية، لقد اسموه الملاك.
استمر اشرف مروان في اكتساب الثقة في مصر، ويفترض انه سلم وثائق إسرائيلية سرية عقب وفاة حماه جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970م إلى خليفته أنور السادات.
ونتيجة لذلك حصل على المزيد من النفوذ، تعقدت شكوك الموساد تجاه مروان بعد ثلاثة سنوات لاحقة في أبريل 1973م عندما أرسل رسالة للإسرائيليين يحذرهم من هجوم مصري وشيك، فأرسلت إسرائيل الآلاف من جنود الاحتياط والعديد من الكتائب لسيناء ولم يحدث أي هجوم، وفقاً للتقارير، كلف الأمر إسرائيل 35 مليون دولار.
مجدداً حذر مروان الإسرائيليين من هجوم مصري وشيك في6 أكتوبر 1973م، اتصل اشرف مروان بضابط الاتصال المكلف بمتابعته من باريس وقال إنه أراد مناقشة ” الكثير من الكيماويات “، و هى العبارة المشفرة المتفق عليها للتحذير من حرب وشيكة، في الثامنة من الصباح التالي، عقد مجلس الوزراء الإسرائيلي جلسة طارئة وقرروا التصرف وفقاً لمعلومات مروان وبدأوا في حشد دباباتهم، هذه المرة كانت المعلومات صحيحة، وإن كانت متأخرة 4 ساعات، حذر اشرف مروان من أن المصريين سيوجهون ضربتهم عند غروب الشمس لكن الهجوم بدأ فعليا قبل هذا الموعد بأربع ساعات، أي في الـ 2 ظهرا.
لماذا دخل اشرف مروان إلى ذلك المقهى بلندن؟ بالتأكيد علم أن خدماته ستكون مطلوبة، في الوقت الذي كان فيه عدد الإسرائيليين أقل من 3 ملايين نسمة، اعتمد جيش الدولة على جنود الاحتياط واحتاجت الحكومة لمخبرين لمساعدتها على معرفة متى يمكنها حشد جنود الاحتياط، تفسير دوافع اشرف مروان هو المفتاح لحل فك شفرة انتماءاته الحقيقية، ربما أيضاً هوية قاتليه في النهاية.
هل عاني من ضائقة مالية وغضب من حماه فقرر بيع خدماته للإسرائيليين ليصبح ثرياً؟، يدعي أحد المصادر الاسرائيليه أن اشرف مروان خلال مسيرته المهنية تلقى أكثر من 3 ملايين دولار من الإسرائيليين. أو أنه وطنيا لا غبار عليه تعاون مع النظام المصرى لتزويد الموساد بمعلومات مدمرة في دور العميل المزدوج؟
ليس هناك خلاف على عمل مروان مع الإسرائيليين، حيث قالت زوجته منى عبد الناصر، أنها واجهت زوجها بمثل هذه المعلومات، وأنه أنكر في البداية نقل أى معلومات للإسرائيليين، ولاحقاً اعترف بنقله للمعلومات لكنه قال أنها كانت معلومات خاطئة مضلله.
ما هي الحقيقة؟ يعتقد أهارون بيرجمان بأنه يعرف الإجابة، إلا أنه مازال يعاني بسبب سؤال آخر، هل كان مسئولاً عن موت الجاسوس؟ ليبقى السؤال معلقاً.
هل كان اشرف مروان عميل وطنى مصرى، ام عميل مزدوج يسعى لمصلحته الشخصيه، ام رجل سياسي و اعمال فاسد يسعى لجمع الأموال بكافة الطرق؟؟
وفاة أم اغتيال؟
تفاصيل الدقائق الأخيرة في حياة أشرف مروان تبدو أكثر غموضا من حياته الصاخبة، في صبيحة يوم مقتله ألتقى أربعة رجال ” جوزيف ريباسي و عصام شوقي و مايكل بارخورست و جون روبرت” في غرفة بالطابق الثالث من بناية رقم 116 “بال مول” القريبة من منزل اشرف مروان الكائن فى منطقة سانت جيمس بارك والتي تقع في وسط لندن، كانوا في غرفة ترى شرفة اشرف مروان بكل وضوح، جميعهم يعملون في “أوبشيم بي إل سي” إحدى شركات اشرف مروان ، انتظر الأربعة أن ينضم إليهم رئيسهم، لكنه تأخر فى الحضور على غير عادته، و عندما اتصلوا به لمعرفة السبب، أكد لهم أنه سينضم إليهم في أقرب وقت.
كان ريباسي جالسا بجوار النافذة عندما فوجىء بزميله يصرخ قائلا “انظر ماذا يفعل الدكتور مروان”، وادعى اثنان من شهود العيان أنهما شاهدا اشرف مروان وهو يقفز من الشرفة، تحرك ريباسي إلى النافذة وشاهد الدكتور اشرف مروان وهو يسقط، جرى شوقي- مدير شركة أوبشيم- إلى الأسفل لتقديم المساعدة بينما بقى الثلاثة الأخرون في الغرفة مصدومين، بعد لحظات نظر ريباسي مجددا من النافذة في محاولة لتحديد البقعة التى سقط فيها اشرف مروان جثة هامدة .
و صرح فيما بعد انه رآى شخصين ذي ملامح شرق أوسطية ينظران من شرفة إحدى الشقق، بينما لا يستطيع التأكيد على وجة الدقه هل كانا الرجلان واقفين في شرفة الشقة رقم 10 – شقة مروان – أم لا؟هل قفز اشرف مروان من الشرفة أم دفع منها؟ المؤكد، أن اشرف مروان كان حيا عندما سقط من الطابق الخامس حيث شرفة شقته التى يبلغ ثمنها 4.4 ملايين جنية استرليني، في 27 يونيو 2007م و في تمام الساعة 1:30 ظهرا، هوى جسد رجل الأعمال المصري سريعا إلى حديقة خاصة رقم 24 في شارع “كارلتون هاوس تيراس” وهو شارع سكنه من قبل ثلاثة رؤساء وزراء بريطانيين و يقع على بعد عدة أمتار قليلة من ميدان بيكادلي فى قلب عاصمه الضباب.
في السماء كانت طائرات الهليوكوبتر تحلق فوق الموكب المصفح لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير المتوجه إلى قصر باكينجهام حيث سيتقدم باستقالته الى الملكة اليزابيث الثانيه، في تلك الأثناء صرخت امرأة بينما اتصل أحد الأشخاص بالشرطة، و وصل المسعفون – كالعادة فى تلك الحوادث – متأخرين للغاية.. يبدو انهم يفسحون المجال للوقت حتى يموت الدكتور اشرف مروان متأثرا بانفجار في الشريان الأورطي.
اختبارات الطب الشرعي افادت بالعثور على أثار لمضادات الاكتئاب في دماء مروان، و ذكر تقرير صادر عن طبيب اشرف مروان الخاص أنه كان تحت ضغط كبير بسبب شعوره بتأخر حالته الصحية و خسر 10 كيلوجرامات من وزنه خلال شهرين.
عندما سقط اشرف مروان من شرفته، كان آهرون برجمان جالسا في مكتبه في قسم دراسات الحرب بـ”كينجس كوليدج” في لندن.. ينتظر مكالمة لم تأت أبدا من اشرف مروان ، بعد ساعات قليلة، غادر برجمان إلى ويمبلدون حيث أخذ عائلته للغداء في مطعم “ناندوز”، و بينما يغادر المطعم اتصلت به أخته من إسرائيل لتقول له، ماتقُتل اشرف مروان ، الأنباء صدمت برجمان لكنه لم يكن أمرا غير متوقع في ظل موعدهما الفائت، ترك اشرف مروان لبرجمان خلال الأيام السابقة سلسلة من الرسائل الصوتية التى بدا فيها خائفا، يعرف برجمان أن صديقه كان يخشى على حياته ويشعر أنها في خطر، علاوة على ذلك، أدرك برجمان أنه مسؤول جزئيا عن تلك التفاصيل المهمة.
كانت علاقة برجمان بمروان معقدة و غامضة للغاية، ألتقيا مرة واحدة وجها لوجه قبل أربع سنوات في فندق انتركونتيننتال فى لندن، ويروي برجمان، تحركت بحرص عبر الأزقة الضيقة لأتأكد أن أحدا لا يتبعني، كنت متأخرا على الموعد لكنه – مروان – كان قد وصل بالفعل، كان طويلا يرتدي شالا أحمر، أصبحت حياته وحياتي مرتبطة ومتلاحمة، قبل أن يدخل برجمان إلى حياة اشرف مروان ، كان المعروف أن الأخير رجل أعمال ثري ومشجع مخلص لنادي تشيلسي حيث امتلك مروان الملياردير 3.2% من أسهم النادي، وإحدى شركاته سيطرت على ملاعب فريقي تشيلسي وفولهام قبل أن تبيعها محققة أرباحا كبيرة، تغير كل ذلك عندما ظهر برجمان في حياة اشرف مروان.
هناك أسباب عده تجعل قبول الرواية التي تؤكد الانتحار مستحيلة، أول شئ ان ثقافة او فكرة الانتحار فكره غير سائدة فى الثقافة العربية عموما و الاسلامية خصوصا، بالاضافه الى ان اشرف مروان كان يستعد للسفر إلى الولايات المتحدة فى ذلك المساء – 27 يونيو – لمقابلة محاميه، و كان أيضا قد قبل ضمن أعضاء النادي الإصلاحي، و هو تجمع مرموق للشخصيات السياسية والمسؤولين السابقين يضم في عضويته الامير تشارلز ولى عهد انجلترا، و دايم ستيلا ريمنجتون الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية البريطاني MI5، كما اشترى اشرف مروان قبل ذلك بأيام قليلة جهازا جديدا لألعاب الفيديو ” بلاي ستايشن 3 ” لحفيده في عيد ميلاده، كما خطط اشرف مروان أن يأخذ حفيدهما الخامس معه إلى إجازة نهاية الاسبوع ومعهم زوجته منى عبد الناصر .
ليس هذا من سلوك المنتحر فى شيء، خاصة اذا كان يملك اموالا و شركات يلزم تقسيمها و توريثها لمن سيقوم بالادارة لاحقاً. لقد كان لدى اشرف مروان العديد من الخطط و المواعيد و الأسباب لكي يحيا، قال قاضي التحقيق وليام دولمان إثر إنتهاء التحقيقات في 2010 دون الوصول إلى نتيجة، لا يوجد أي دليل على اضطراب نفسي أو ذهني لدى اشرف مروان.
و لم يتوافر أي دليل على وجود اى نية للانتحار و فى نفس الوقت لم يتوافر كذلك أي دليل يدعم الادعاءات التى تقول إن هناك جريمة قتل، او بقول آخر، نفى الانتحار و القتل و ترك الباب مفتوحا للقضاء و القدر و القيل و القال. ربما لم يكن اشرف مروان ينوي الانتحار لكنه بالتأكيد كان خائفا على حياته، صرحت زوجته انه اخبرها قبل ايام من وفاته دون اى اشارة لأى جهه، ربما يقتلونني فلدى الكثير من الأعداء، و تتذكر منى عبد الناصر أن زوجها قبل أشهر من وفاته كان يتفقد الأبواب والأقفال مساء قبل النوم و هى عادة جديدة لم تشاهده يفعلها طوال 38 عاما من زواجهما.
دليل مختفى
تعتقد أسرة اشرف مروان أن هناك دليلا اخر في موقع الحادث، و بشكل أكثر تحديدا يتحدثون عن غياب هذا الدليل من المكان، اختفت النسخة الوحيدة من مذكرات اشرف مروان التى قارب على الانتهاء من كتابتها من على أحد أرفف مكتبته في نفس يوم وفاته، ثلاثة أجزاء، يبلغ كل منها 200 صفحة وشرائط كاسيت مرتبطة بالمذكرات لم تظهر حتى اليوم. يقول أحد باحثى سكوتلانديارد فى الحادث.. إن اشرف مروان عمل خلال سنوات لصالح الاستخبارات المصرية و الإسرائيلية و الإيطالية و الامريكية و البريطانية، فهل كان يستعد لكشف أسرار قد تحرج ملوكا ودول من أجل اخفائها، قتلوه ؟ من أخذ المستندات إذا كانت حقا موجودة؟
هل كان موته جزء من أسلوب متبع لاسكات اصوات من الماضى تهدد الحاضر و المستقبل، اشرف مروان ثالث مصري يعيش في لندن يموت في ظروف مشابهة بعد الاعلان عن كتابة مذكرات قد تكون مشينه لبعض الجهات، فى يونيو 2001م، الممثلة سعاد حسني سقطت من شرفتها في ستيورت تاور بعد أن تواصلت مع ناشر وعرضت كتابة مذكراتها، و ما تناثرته الشائعات عن ما سوف تكشفه تلك المذكرات عن علاقته غير الرسمية بين جميلات الوسط الفنى و المخابرات المصرية برعاية صلاح نصر.
فى أغسطس 1973م، الفريق الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري الأسبق للرئيس السادات ، يسقط من شرفته في نفس البرج “ستيورت تاور” وكان أيضا يكتب مذكراته. فهل هى من قبيل الصدفة ان يكون الضحايا الثلاثة كانوا جميعا على علاقة بالمخابرات المصرية و ان يسقط الثلاثه من شرفات منازلهم ؟؟
فى النهاية، نحن امام حادثة يكتنفها الغموض و وفاة غير عادية ورجل غير عادى، الحقيقة المطلقة يعلمها الله عز وجل، لا يتبقى لمن هم من امثالنا الا طرح اسئلة من دون الحصول على اجابات شافية، هل كان عميلا مصريا خدم الوطن، ام عميلا مزدوجا لعب على كل الاحبال، ام رجل اعمال عرف من اين تؤكل كتف المليارات فسعى خلفها سعياً أدى فى النهايه الى قتله بهذا الشكل؟ الله اعلم.
فيديو عن أشرف مروان
المصادر
– كتاب أسرار اغتيال أشرف مروان، محمود فوزى
– تحقيق الصحفى عمرو الليثى
www.masress.com/soutelomma/365
– معركه داخل الموساد بسبب أشرف مروان
www.masress.com/soutelomma/611
– تحقيق الجارديان، (لغه انجليزيه)
– تحقيق الجارديان، (لغه عربيه)
zahma.cairolive.com/?p=33480
– الجاسوس المثالى، وثائقى
بقلم Ahmed Hosni