شاعر تونسي ناضل ضد الاستبداد والقهر في تونس، فتعرض للمضايقة والفصل من العمل بسبب أفكاره، بشَّر في شعره بانتهاء استعباد الشعب وتنبأ بالثورة فكان شاعرها قبل أن تولد.
ولد محمد الصغير أولاد أحمد يوم 4 أبريل/نيسان 1955 في سيدي بوزيد، المدينة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة التونسية. عاش في بيئة فقيرة وقاسية في فترة خروج الاستعمار الفرنسي وبداية بناء الدولة التونسية.
بدأ تعليمه في كتّاب القرية، فتعلم القراءة، وحفظ القرآن ثمّ دخل المدرسة الابتدائية بمنطقة النوايل في سيدي بوزيد ومنها حصل على شهادة التعليم الابتدائي عام 1968.
ولم تكن هناك في تلك الفترة مدرسة ثانوية في مدينة سيدي بوزيد فانتقل إلى محافظة قفصة لمواصلة تعليمه الثانوي.
وانتقل إلى العاصمة حيث واصل دراسته بالمدرسة العليا لأطر الشباب بمنطقة بئر الباي بين 1975 و1977 وحصل على شهادة منشط شباب.
في عام 1978 عاد إلى سيدي بوزيد وحصل على شهادة البكالوريا، وسافر إلى فرنسا حيث درس علم النفس في جامعة رامس.
– عمل منشطاً في دور ثقافية قبل أن يعرف البطالة من 1987 إلى 1993، وعمل ملحقاً ثقافياً بوزارة الثقافة من 1993 إلى 1997، ثم أسس وترأس بيت الشعر التونسي من سنة 1993 إلى 1997، وعمل في عدة صحف محلية وأجنبية.
– بدأ محمد الصغير تجربة الكتابة الشعرية في سن الخامسة والعشرين في أواخر السبعينات بعدما أنهى جميع مراحل تعليمه في تونس. ودافع منذ زمن طويل عن الحرية والكرامة الانسانية ضد القمع والاستبداد.
كتب أول ديوان شعري عام 1984 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وقد كشف الديوان ملامح شاعر غاضب وثائر ضد السلطة مما جعل النظام التونسي آنذاك يمنع توزيع ديوانه الذي بقي محجوزاً حتى 1988.
بعد عام من نشر ديوانه الذي انتقد فيه بأسلوب شعري ساخر ومتمرّد وخارج على المألوف اندلع في تونس ما يسمى بأحداث الخبز عام 1985 والتي ثار فيها الشعب ضد نظام بورقيبة بسبب ارتفاع أسعار الخبز.
في تلك الأحداث كان الصغير واحداً من المتمردين على النظام بسبب احتجاجه على مظاهر الاستبداد وقد سجن لفترة قصيرة بعد توقيفه خلال اعتصام نظم آنذاك للدفاع عن نقابة الاتحاد العام التونسي للشغل ثم طرد من عمله بإحدى دور الشباب.
توقف إنتاجه الشعري لخمسة أعوام في فترة مرّت فيها البلاد التونسية بظروف خاصة بعد مرض الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وتقدمه في السن إلى أن جاء مولوده الشعري الثاني بعنوان “ولكنني أحمد” بعد عامين من انقلاب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على بورقيبة عام 1987.
في بداية فترة بن علي واصل النظام ملاحقته للشاعر وطرده من عمله مما دفعه للسفر إلى فرنسا، وقد عاد مطلع التسعينيات إلى تونس بفكرة تأسيس بيت للشعر، تحققت عام 1993 حيث أسس أول بيت للشعر في تونس من 1993 إلى 1997.
حاول نظام بن علي أن يكسب ودّ الشاعر بمنحه وسام الاستحقاق الثقافي عن فكرة تأسيس بيت للشعر لكنه رفض تسلم الجائزة، وبقي تحت المضايقات يكتب الشعر ويسخر من النظام رغم طرده من العمل بوزارة الثقافة التي كان يعمل بها ملحقاً ثقافياً.
قبل اندلاع الثورة التونسية كتب قصائد شعرية تنبأ فيها بالثورة القادمة وهو ما جعل العديد من المراقبين يعتبرونه شاعر الثورة التونسية.
نجح في أن يكون أول شاعر تونسي بعد أبي القاسم الشابي يحفظ البسطاء قصيدته «نحب البلاد/ كما لا يحب/ البلاد أحد/ نحجّ إليها/ مع المفردين/ عند الصباح/
وبعد المساء/ ويوم الأحد/ ولو قتلونا/ كما قتلونا/ ولو شردونا/ كما شرّدونا/ ولو أبعدونا/ لبرك الغماد/ لعدنا غزاة/ لهذا البلد».
مؤلفاته:
– نشر عدة كتب شعرية منها “نشيد الأيّام الستة” عام 1984، و”ليس لي مشكلة” 1998، و”حالات الطريق” 2013.
وله كتابان في النثر هما “تفاصيل” عام 1991 و”القيادة الشعرية للثورة التونسية” عام 2013.
-رفض أولاد أحمد جائزة الاستحقاق الثقافي من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عام 1993 تكريما له على تأسيس بيت الشعر التونسي.
في المقابل، حصل على جائزة قرطاج العالمية للشعر عام 2011 وذلك في إطار الملتقى التونسي الإسباني الأول للثقافة.
– أعلن أولاد أحمد نبأ إصابته بالسرطان في ربيع عام 2015، وبدأ سلسلة جلسات من العلاج الكيميائي في أول نسيان (أبريل) الذي يصادف عيد ميلاده (مواليد ٤ نيسان ١٩٥٥) فكتب يقول: «خُضْنا حروباً عديدة ضد استبداد الإدارة واستبداد الدولة واستبداد النقد الأدبي والتأويل الديني. لم ننتصر بالكامل، ولم ننهزم بشكل حاسم. وها نحن الآن نخوض حرباً مع مرض أمّي لا يحسن القراءة والكتابة. لا نُحمّل المسؤولية لأحد من هذه البلاد التي أحببناها صباحاً مساء ويوم الأحد، في انتظار أن تحبّنا هي بدورها إذا وجدت يوماً شاغراً في أيام الأسبوع. شكراً لكل من استخبر وسأل وواسى.
شكراً للطبيبات والأطباء. نلقاكم بخير»
مرض أولاد أحمد تحول إلى حدث يخيم على الشارع، فهو ظاهرة تونسية حول الشعر من مجرد نص يكتب في الصالونات الى إيقاع حياة. في كل أعماله الشعرية والنثرية التي دشنها بـ «نشيد الأيام الستة» (١٩٨٤ ــ لم يصدر إلا في ١٩٨٨)، لم تغب أصوات البسطاء والحمام والبحر والرعاة الذين عاش معهم طفولته، فشعره إيقاع الحياة ونبضها. لم يتخل عن أي معركة سياسية أو نقابية في البلاد: أحداث الخبز عام ١٩٨٤، الأزمة النقابية عام ١٩٨٥، وفي التسعينات بعد مغادرته «بيت الشعر» بسبب مواقفه وتصريحاته وانحيازه للحركة الديمقراطية في مواجهة بن علي وصولاً إلى الثورة التي أنهت نظام بن علي. كان دائماً ضد السلطة لإيمانه بأنّ دور المثقف هو التنديد بالسلطة والانتصار للناس.
فارق “محمد الصغير أولاد أحمد” الحياة عن عمر ناهز (61) عاماً مساء يوم الثلاثاء 5 أبريل نيسان 2016 وأثناء اشتداد المرض به، كتب الشاعر من داخل المستشفى العسكري الذي كان يتلقى العلاج فيه قصيدة “الوداع” يقول فيها:
أودع السابق واللاحق
أودع السافل والشاهق
أودع الأسباب والنتائج
أودع الطرق والمناهج
أودع الأيائل واليرقات
أودع الأجنة والأفراد والجامعات
أودع البلدان والأوطان
أودع الأديان
أودع أقلامي وساعاتي
أودع كتبي وكراساتي
أودع المنديل الذي يودع المناديل التي تودع
الدموع التي تودعني أودع الدموع..