جرجس وماريكا – حكاية كل يوم
حارتنا كان لها لون وطعم ورائحة يفوح منها عبق الماضى من خلال مبانيها والطرز المعمارية التى كانت عليها فدورها واسعة وأسقفها عالية ومشربياتها باسقة وهى تستقبل رقة وحلاوة هوائها ..لا تشعر فيها بقيظ الحر ولا زمهرير الشتاء يسكن فيها الغنى والفقير والكل متحابين حتى لو تشاجروا مع بعض فلن يمر اليوم ألا وهم مصطلحين الكل متمسك بدينه يحييى شعائره ويعيش فى سلام مع جاره القبطى واليهودى.
فجرجس أبن أم جرجس يعيش فى آخر بيت فى الحاره كل سكانه من الأقباط الأرثوذكس وله محل على الشارع الرئيسى لتصليح الأحذيه يعمل فيه مع أبوه بهمه ونشاط والكل يحبونه لما يمتاز به من خلق كريم ومجامل للجميع حتى وقع فى حب ماريكا وهى فتاه يونانيه كاثولوكيه وأختلف مع أهله فى كونه أن يترك كنيسته الأرثوذكس ليعقد قرانه فى كنيسة حبيبته الكاثوليك وأعترض الأهل وقالوا : لماذا لا يكون العكس .. وتعقدت المسائل وأصبح جرجس على وشك الأنهيار مما جعله يترك بيت عائلته فى آخر الحارة ويسكن فى حى الظاهر حيث تسكن ماريكا ويكون قريبا من حبيبة القلب.
أخوة وأخوات جرجس لبسوا الأسود حداداً و حزنا لفراقه وتركه بيت العائلة وتغيير كنيسته من أجل ماريكا اليونانيه ولم تفلح جهود القساوسه والرهبان فى عدوله عن هذه الخطوة وقام أبوه بطرده من المحل الذى يديره فأضطر أن يعمل أجيرا فى محل الأسطى فتحى الصرماتى على الصف المقابل لنفس الشارع وبالرغم من هذا كان يأتى كل يوم إلى الحارة وينادى على أمه من الشارع ويسلم عليها ويذهب لحال سبيله
المعلم زكى كبير حتتنا نادى على أبو جرجس وهو راجع من المحل بعد العشاء.
– ده كلام يا أبو جرجس فيه حد يفرط فى ضناه ويطرده من البيت والمحل هو عمل أيه علشان ده كله يا راجل يا طيب
– يا معلم زكى الواد طلع من الكنيسه أهلى وأخواتى أكلوا وشى ..عارف يامعلم لو الواد ده أسلم ماكنش حصل أللى بيحصل دلوقتى أهو كده عرفنا نهايته
– للدرجة دى مش موافق أنه يتجوز واحده كاثوليكية .. ماهى برضه مسيحية يا أبو جرجس ..
– لا يا معلم أشمعنى هى ماغيرتش كنيستها وبقت أرثوذكس .. مش المفروض أن الست تتبع الراجل ولا الراجل يتبع الست .. ده بيأكد كلام أعمامه وأخواله أنه مش راجل ويقدر يسيطر على مراته من البداية
– بيحبها يا أبو جرجس .. سيبك من الكلام ده كله وماتسمعش كلام الستات وأنسى شغل الصعايده الأقباط ده .. ما تضيعش فرحته ده أبنك الوحدانى
مجد سيدك وأستهدى بالله والواد حييجى بكره عندى هو وعروسته وحجيلك معاهم وخد أبنك فى حضنك وأفرح به وفرحه وزفته عندى يا ابو جرجس
– أللى تشوفه يا معلم زكى
وعاد جرجس وماريكا وسهرت معهم الحارة حتى الصباح فرح لم نشاهده من قبل وتولت نساء الحته عملية التجميل والتزيين لمريكا وذهب جرجس مع شباب الحارة للحمام البلدى وكانت ليله تعانق فيها الصليب والهلال على حق بحب وتسامح وأخلاص.
وطفرت فى عينى دمعه عندما قرأت صحف الصباح بقيام احد مشايخ المسلمين بوصف الأفباط بالكفار ..والقساوسه يزيدون الطين بله بردود غبيه تبعث على الفرقة والكراهية أتحسرعلى زماننا الجميل الذى زرع فى قلوبنا حب المواطنه والتسامح والحب
بقلم عزالدين محمود