الصحابي الجليل : خُبيب بن عَدي – دفين الملائكة
سانن ركعتي القتل، خُبيب بن عدي بن مالك من أنصار المدينة من قبيلة الأوس ، هو صحابيٌ جليل من صحابة النبي عليه الصلاة و السلام، شهد معركتي بدر و أحد، اشتهر خُبيب رضي الله عنه بجمعه بين العلم و التدين، و القوة علي الجهاد و حبه له و بذل روحه في سبيل الله، حتي أنه شهد مع النبي معركتي بدر و أحد كما قلنا و أظهر فيهما بسالة و شجاعة توضحا حرصه علي دين الله و عشقه للذة موتٍ في رحابه، في السنة الرابعة من هجرة النبي أتت قبيلتان لنبي الله من القبائل المجاورة للمدينة، أتيا يعلنان اسلامهما و يطلبان من الرسول عليه الصلاة و السلام أن يرسل معهما رجالاً كي يفقهوهم و يعلموهم في الدين و يقرؤوهم القرآن و يثبتوا عندهم شرائع دين الله.
و لحرص النبي علي الدعوة و لافتراضه حسن نيتهم أرسل معهم عشر رجالٍ من الصحابة كان منهم خبيب بن عدي و هذا يدل كما قلنا علي حب النبي و ثقته فيه و كفاءته بهذا علاوة علي ذلك علماً و فقهاً، لكن القبيلتين لعنهم الله في الطريق غدروا بالصحابة و قتلوهم و سرقوا أموالهم و نهبوا متاعهم و قتلوا بضعاً منهم و أسروا بضعا، من بين من أُسر كان سيدنا خبيب بن عدي رضي الله عنه، فلما بلغوا تلقاء مكة باعوه في سوقها لبني الحارث بن عامر بن نوفل ، لأن خبيب رضي الله عنه في معركة بدر قتل الحارث، فأرادوا أن ينتقموا منه، فأجمعت الأحكام علي صلبه !!
في واحدة من أصعب و أأسي المواقف في تاريخ الاسلام، كنوع من التعذيب و انتقاماً منه لما لقيوه من قتل منه في بدرحيث أنه كان من أبطال بدر، فبعدما أجمعوا علي صلبه قيدوه بسلاسل حديدية و أسروه عند مارية مولاة حجير بن أبي اهاب حتي يأتي الموعد المحتوم. و بينما هو بالأغلال مقيدٌ .. رأته و هو يأكل عنقوداً من العنب و العنبة الواحدة تكاد تكون ضعفي حجم العنبة الطبيعية، و قد تعلم هي أنه لا عنب في مكة في هذا الوقت، و عندما علم بأن الأجل مقتربٌ طلب من بنات الحارث أن يأتوه بموس فلما سُئل قال كي يستحد و يحلق شعر الابط و الشارب و العانة حفاظاً علي سنة نبيه، فتقينوا حينها أنه لا مس لايمان هذا الصحابي الجليل .
و بينما في يده الموس زحف عليه طفل من أطفال الكفار و بيده الموس و جلس علي فخذه فأخذ يلاعبه خبيب، فدخلت أمه عليهما ففزعت ظانةً أنه سوف يقتله أو يساومهم به فنظر الي أمه مبتسماً قائلاً “أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل هذا ان شاء الله ” و هذا عملاً بقول نبيه : “أد الأمانة من ائتمنك .. ولا تخن من خانك ” فما كان هو بغادرٍ، بل أخذ يلاعبه و يضاحكه ورده اليها.
و حانت اللحظة القاضية، لحظة الصلب، فأخذه الكفار للخشبة نصبوها له ليصلبوه. فطلب منهم أن يصلي لله ركعتين قبل القتل فأذنوا له فصلي ركعتين أتممهما خفيفتين وقال لهم : أما والله لولا أن تظنوا أني أنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة . فكان أول من سن في الاسلام ركعتين قبل القتل ثم وضعوه علي الصليب و بينما هو موضوعٌ قالوا له أتحب أن محمداً مكانك؟ فرد رداً مفحماً .. والله ما أحب أني في أهلي وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم شيك بشوكة. و طلب من الله أن يقرء رسوله منه السلام ، فسمع الصحابة في المدينة رسول الله يقول و عليك السلام يا خبيب. و دعا المشركون أهل مكة ليروه و هو علي الصليب معلقٌ، فلما علم رسول الله بأمره من ربه أرسل مجموعة من الصحابة منهم عمرو بن أمية الضمري ليدفنوه و يأخذوه من صلبه، فأخذوه متخفيين و ركبوا أفراسهم علي غفلةٍ فرأهم الكفار فطلعوا ورائهم، فوقع خبيب من علي ظهر الفرس .. و بينما الكفار عليه ذاهبين كي يرجعوه مكان الصليب حدثت مفاجأة مدوية، قد اختفي جثمان خبيب !!
قد دفنته الملائكة و ابتلعته الأرض و فاضت الروح الطاهرة الي بارئها بكتاب يبيض الوجوه و يقر العيون .. كان خبيب مثالاً ل :
1- العلم و التفقه
2- الأخلاق و الورع
3- الجهاد و الشجاعة
4- الرضا بقضاء الله
5- الوفاء و كره الخيانة و الغدر و لو علي حساب روحه
6- الثبات علي سنة النبي في أقسي المواقف
7- صلابة الايمان الذي جعل الكفار و هم يساومونه كالذي يرمي نبلاَ علي الشمس ليطفئ نورها .
لكن الشمس تغرب .. و نور الايمان طول الدهر مشرقٌ .. أنشد رضي الله عنه قصيدة و هو علي الصليب تبكي لها العين : لقد جمـــع الأحزاب حولي وألبوا … قبائلهم واستجمـــعوا كل مجمع وكلهم مبدي العــداوة جـــاهد … علي لأني في وثــاق بمــضيع وقد جمعوا أبناءهم ونســـاءهم … وقربت من جذع طويــل ممنــع إلى الله أشكو غربتي ثم كربــتي … وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبرني على ما يراد بي … فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وذلك في ذات الإلــــه وإن يشأ … يبـــارك على أوصال شلو ممزع وقد خيرونـي الكفر والموت دونه … وقد هملــت عيناي من غير مجزع وما بي حذار المـــوت إني لميت … ولكن حــــذاري جحم نار ملفع فوالله ما أرجـــو إذا مت مسلما … على أي جـنب كان في الله مصرعي فلست بمبــد للعدو تخشـــعا … و لا جـــزعا اني الي الله مرجع و حسنما رجعةٌ رجعت بها لربك يا خبيب .. هو لؤلؤة الصحابة .. الشهيد خبيب بن عدي .. رضي الله عنه و أرضاه