الفهرس
هنري هوارد هولمز أول قاتل متسلسل في التاريخ
هيرمان ويبستر مدجت و المعروف بأسم الدكتور هنري هوارد هولمز هو أول قاتل متسلسل موثق بالمفهوم العصري للكلمة. سفاح ليس لقسوته حدود، مريض بالجريمة، مدمن على منظر الدماء وأنين المعذبين و في الوقت ذاته هو شخص شديد التهذيب Gentleman بحسب التعبير الانجليزي المعروف، فقد كان أنيق الشكل وحاد الذكاء ويعرف كيف يوقع أجمل النساء ، هو النموذج المثالي للقاتل المتسلسل الذي سوف تعرف الولايات المتحدة فيما بعد نسخاً عديدة منه. ولد هنري هوارد هولمز في مدينة جيلمانتون (نيوهامشير) في ١٦ مايو ١٨٦١، كان والده قاسياً و مدمناً على الكحول في حين كان والدته امرأة شديدة التدين، ذات مرة أجبره أصدقائه و هو صغير على لمس هيكل عظمي حقيقي بقصد تخويفه لكن هولمز أصبح من حينها مولعاً بفكرة الموت.
درس هنري هوارد هولمز الطب في جامعة ميتشجان و تخرج منها بعد اجتياز الأمتحانات وخلال الدراسة كان يسرق جثث المختبر و يشوهها ويدعي انها لأشخاص لقوا مصرعهم بالخطأ وذلك من أجل جمع أموال التأمين من بوليصة كل شخص متوفى.انتقل إلى شيكاغو لممارسة مهنة الصيدلة كما انه في هذا الوقت بدأ بالانخراط في العديد من الأعمال المشبوهة والعقارات و الصفقات الترويجية تحت اسم هنري هوارد هولمز.
بعد فترة قليلة قتل مالك الصيدلية التي كان يعمل بها وادعى ملكيتها، اول جريمة له كانت حين اختطف ابناء جاره و هم بنتان وصبي اعمارهم مابين الثامنة و الخامسة ، عثروا علي جثة الأختين الصغيرتين في صندوق مقفول داخل صندوق اخر و قد ماتا اختناقاً اما الصبي الصغير فقد علقه في مدخنة احد البيوت ، و اغلق فمه حيث لم يستطع الصراخ و ظل معلقا في المدخنة حتي الموت.
الفندق السري في المدينة البيضاء
في عام ١٨٩٣ استضافت مدينة شيكاغو المعرض العالمي و قررت أن تقيم لهذا الغرض مدينة كاملة رائعة الجمال مبنية على الطراز الأوروبي الكلاسيكي و قد أطلق على هذه المدينة اسم “المدينة البيضاء” بسبب غلبة اللون الأبيض على مبانيها، و قد اجتذبت هذه المدينة مئات الالاف من الزوار الذين وفدوا ليشاهدوا هذه التحفة العجيبة، ووسط هذا الجمع الغفير قرر هنري هوارد هولمز تنفيذ خطته الجهنمية الرهيبة. استغل هولمز مناسبة المعرض العالمي و توافد الزوار إلى شيكاغو فقام بتحويل موقع الصيدلية الي فندقاً لإستقبال زائري المعرض، لكن ما لم يعلمه أحد هو أن هولمز قد صمم الفندق بنفسه.
و أثناء بناءه عمل على قتل العاملين واحد وراء الآخر للاحتفاظ بالتصميم السري للفندق والذي احتوى على العديد من الممرات السرية و الأبواب و السلالم الخفية ليبدء عمله المريض في تحويل الفندق إلى مشرحة تعرض الموت علي المقيمين فيه من خلال مواقد اللحام أثناء النوم أو الخنق. احتوى قبو الفندق على منضده تشريح و فرن لحرق الجثث وقد بلغ ضحاياه خلال أربع سنوات أكثر من خمسين شخص بينهم زوجته و اختها.
افتتح هنري هوارد هولمز فندق شيكاغو عام ١٨٩٤ ، وكان هذا الفندق موقعآ لجرائمه السبعة و العشرين الذي اعترف بها حين كان مسجونأ في سجن شيكاغو، ومحال الى التحقيق، ولم يكتب تلك المذكرات الا بعد ان ثبتت عليه كل الجرائم. اختار هولمز كل ضحاياه من النساء من زائرات المعرض فكان يتعرف عليهن ثم يدعوهن إلى فندقه ليقوم هناك بارتكاب جريمته باستخدام أبشع وسائل القتل والتعذيب.
لم يرى من السبعة عشرين قضية سوى ٩ جثث متعفنة في قبو ذلك الفندق. عندما ذهب فريق لتفتيش الفندق تفاجأوا من ما شاهدوه، فقد كان الفندق مليئ بالدهاليز ، و الابواب الحديدية التي اكتشفوا انها تقود الى مخبأ سري واحد ، و في هذا المخبأ كان السفاح هولمز يحتفظ بكل ادواته الطبية في تشريح ضحاياه وهم احياء ، و ايضآ كانت لديه احواض مليئة بالحمض حيث كان يضع ضحاياه ، فتتعرض اجسامهم للذوبان او كان يضع به الجثث او الاعضاء الجسدية التي كان يقطعها من اجسام الضحايا لاذابتها.
التكسب من الموت
بحلول عام ١٨٩٥ ترك هنري هوارد هولمز شيكاغو و فندقه هناك – بسبب الكساد الاقتصادي ليذهب إلى تكساس حيث ميراثه من الأختين “ويليامز” . سعى هولمز هناك لبناء قلعة أخرى و لكنه سرعان ما تخلى عن هذا المشروع و أكمل تنقله عبر الولايات المتحدة و كندا. تم اعتقال هولمز و سجنه لأول مره في يوليو ١٨٩٤ في قضية احتيال انتهت في سانت لويس. أثناء اعتقاله تعرف هنري هوارد هولمز على “هيدجبيث” سارق قطارات يقضي ٢٥ سنة مدة عقوبته ليكون “هيدجبيث” من العوامل التي ساعدت في القبض على هولمز في النهاية.
تحدث إليه هولمز عن خطته الي تتضمن النصب على شركة تأمين لأخذ ١٠٠٠٠ دولار عن طريق عمل بوليصة تأمين بإسمه ثم تزوير موته ليأخذ البوليصة ، أعطاه “هدجبيث” اسم محامي يثق به بعد أن وعده هولمز ب ٥٠٠ دولار عمولة له. تم دفع الكفالة لهولمز ليخرج من السجن و يذهب إلى المحامي ” جيبثا هاوي” الذي وافق أن يساعده بعد اقتناعه بمدى عبقرية الخطة. و لكن حظ هولمز خانه و فشلت خطته في تزييف موته بعد أن شعرت شركة التأمين بالشك في الأمر ورفضت صرف المبلغ ، قرر هنري هوارد هولمز كعادته البدء في خطة أخرى على الفور ألا و هي تزييف موت مساعده “بيتيزل” في خطة مشابهة للسابقة.
وافق “بيتيزل” على الخطة حتى تتمكن زوجته من أخذ وثيقة التامين و اقتسامها مع هولمز و المحامي “هاوي” و تم الاتفاق على مكان السيناريو في فيلادلفيا و محتواه أن يتنكر “بيتيزل” في شخصية مخترع و يقتل في حادث انفجار في معمل و بالطبع كان على هولمز ان يجد جثة لتحل محل “بيتيزل ” و لكن عليك ألا تثق في مجرم أبدا فبدلا من إحضار الجثة قام هولمز بحرق جسد مساعده بعد أن أفقده الوعي باستخدام مادة الكلوروفورم.
نجحت الخطة و بدأ هولمز في استلام أموال وثيقة التأمين ولم يكتفي بذلك بل ذهب ليخدع أرملة “بيتيزل” لتعطيه وصاية ثلاثة من أولادهما الخمسة (أليس ، نيللي و هاورد) لأسباب أخفاها في نفسه. بدأ هولمز رحلته مع أبناء ” بيتيزل” الثلاثة بالسفر عبر الولايات الشمالية إلى كندا. كان هنري هوارد هولمز في نفس الوقت يصطحب أرملة “بيتيزل” في طريق موازي يغيب عنها بحجج غياب متعدده، يخدعها كل هذا الوقت عن حقيقة مقتل زوجها، مقنعا إياها أنه يختبئ في لندن و عن سبب غياب أبنائها الثلاثة.
في اعترافاته لاحقا، اعترف هنري هوارد هولمز بقتل الأختين “نيللي و أليس” عن طريق إجبارهما على البقاء في صندوق محكم الغلق و به فوهة في السقف موصله بخرطوم غاز قادر على خنقهما. تم اكتشاف الجثتين لاحقا من قبل المحقق ” فرانك جيير ” الذي تتبع هولمز إلى تورنتو ليجد الجثتين المتحللتين مدفونتين في قبو المنزل.
توصل “جيير” أيضا إلى حقيقة مقتل الأخ الثالث في كوخ بإنديانابوليس حيث تم العثور على بقايا عظام الطفل و أسنانه في مدخنة المنزل كما تم التأكد من زيارة هولمز للصيدلية التي اشترى منها الأدوية لقتل “هاورد” ، و من المحل الذى قام عنده بإحماء السكاكين التي قطع بها جثته قبل حرقها. في ١٧ نوفمبر ١٨٩٤ أنتهى أخيرا سلسال القتل بعد أن ألقت الشرطة القبض على هولمز في بوسطن بمساعدة المعلومات من السجين “هيدجبيث” الذي تكاسل هولمز في إعطائه عمولته مقابل اسم المحامي الذي أعطاه له و بعد ملاحقة وكالة التحقيق Pinkertons له من فيلادلفيا. بدأ البوليس التحقيق في القضية و تفتيش ممتلكات هولمز ، خلال حملة تفتيش على فندق هولمز في شيكاغو تسلل الشك إلى رجال الشرطة بعد أن سمعوا من خدم الفندق عن وجود أماكن كان يحظر عليهم الاقتراب منها في الفندق، وبعد حملة تفتيش دقيق وقع رجال الشرطة على مسلخ بشري حقيقي كان هولمز قد أقامه في فندقه وقد احتوى على جثث نحوي مئتي امرأة من ضحاياه الأبرياء و دلائل على قتله لزوجته السابقة “Minnie Williams ” و اختها “Annie Williams”.
حوكم هنري هوارد هولمز و قد هزت قضيته وقتها الرأي العام الأمريكي الذي لم يكن قد ألف مثل هذا النوع من الجرائم، وفي عام ١٨٩٦ تم إعدام هولمز شنقاً حتى الموت وكان يومها في الخامسة والثلاثين من العمر.