نسيبة بنت كعب
من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة
الاسم واللقب : هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن غنم بن مازن بن النجار الخزرجية الأنصارية ، لقبت بأم عمارة .
و لأم عمارة أخوان وهما عبدالله وعبدالرحمن ..وقال عنها الإمام الذهبي : ” أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف الفاضلة المجاهدة الأنصارية الخزرجية النجارية المازنية المدنية. كان أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين {{ أي ممن شهدوا بدر }} ، وكان أخوها عبد الرحمن من البكائين {{ البكائين هم الذين لم يكونوا يملكون ما يجعلهم قادرين على المشاركة في غزوة تبوك، ونزل فيهم قوله تعالى:《 وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ》[التوبة : ٩١ ] }} ..شهدت أم عمارة ليلة العقبة ، وشهدت أُحداً ، والحديبية ، ويوم حُنين ، ويوم اليمامة ، وجاهدت وفعلت الأفاعيل ..روي لها أحاديث ،، وقُطعت يدها في الجهاد “
تزوجت أم عمارة قبل الإسلام من زيد بن عاصم الأنصاري وقد شهد بيعة العقبة وبدر وأحد، أنجبت له عبدالله بن زيد وحبيب بن زيد .
ثم تزوجت من بعده غزية بن عمرو الأنصاري أخو سراقة بن عمرو .
نسيبة بنت كعب من السابقات إلي الإسلام المجاهدات في سبيل الله ، وقد شهدت بيعة العقبة فقد قال ابن إسحاق فيمن شهد العقبة :” وكان فيمن شهد العقبة إثنان وستون رجلا و امرأتان، منهم تسعة نقباء والمرأتان من بني مازن النجار وهما نسيبة وأختها إبنتا كعب بن عمرو بن عوف.”
ومن هنا سجل التاريخ مواقف وبطولات رائعة للسيدة نسيبة نقف معاها لنعيشها عبر صفحات التاريخ .
عن موقفها في غزوة أحد يقول ضمرة بن سعيد يتحدث عن جدته فقد قالت :” سمعت رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) يقول :《 لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خيرا من مقام فلان وفلان .》
فماذا فعلت نسيبة في غزوة أحد لتحظي بمثل ذلك الوسام من رسول الله؟ !
خرجت السيدة نسيبة مع زوجها وولديها تروي الظماء وتداوي الجرحي في غزوة أحد، وكان الانتصار للمسلمين في بادئ الأمر ، فلما عصي الرماة أمر رسول الله وتحول ميزان المعركة في صالح المشركين، لم ترهب الموقف رغم عدد وعتاد المشركين، ولم تفر من ميدان المواجهة كما فعل غيرها من الرجال ، بل ثبتت وصمدت وسجلت أعظم موقف يمكن أن يقوم به إنسان، حيث أخذت تدافع عن النبي في بسالة هي وعشرة آخرون { وهم أبو بكر وعلي وعمر وطلحه وسعد والزبير ونسيبة وولداها وزوجها } ، تتلقى عنه الضربات غير عابئة بما أصابها من جروح والتي بلغت – كما يقول الرواة – اثني عشر جرحاً .
وفي ذاك نقل عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” قوله في غزوة أحد: “ما ألتفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني” .
لقد سخرت السيدة نسيبة نفسها وولداها للدفاع عن دين الله وعن رسوله (صلي الله عليه وسلم ) ، فكانت تسرع في علاج ولدها ليدافع عن رسول الله ولا يتكاسل .
فعن عبد الله بن زيد قال: جرحت يومئذ جرحًا في عضدي اليسرى ضربني رجل كأنه الرقل ولم يعرج علي ومضى عني وجعل الدم لا يرقأ, فقال رسول الله: “اعصب جرحك”, فتقبل أمي إليَّ ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح, فربطت جرحي, والنبي واقف ينظر إلي ثم قالت: انهض بني فضارب القوم, فجعل النبي (صلي الله عليه وسلم ) يقول: “ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة”
قالت: وأقبل الرجل الذي ضرب ابني
فقال رسول الله: “هذا ضارب ابنك”
قالت: فأعترضت له فاضربت ساقه فبرك ثم قتلته.
قالت: فرأيت رسول الله يتبسم حتى رأيت نواجذه وقال: ” الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك”.
وقد أصيبت أم عمار في هذا اليوم بجراحا كثير ومنهم جرح غائر وهي تقاتل غير دارية بالدم والجروح ، ورأي رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) جرحها فقال لابنها :””أمك أمك، اعصب جرحها، بارك الله عليكم من أهل البيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت، ومقام ربيبك {يعني زوج أمه } خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت”
فقالت : “ادع الله أن نرافقك في الجنة.”
فقال: “اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة”
فقالت:” ما أبالي ما أصابني من الدنيا.”
حقا وكيف تبالي وقد كتب الله لك الفوز بهذا الجوار الكريم بخير دار ، وكم تساوي دنيا فانيه بمقابل جنة الخلد جنة عرضها السموات والأرض أعدها الله للمؤمنين والمؤمنات !!
وقد نزل فيها آيات من القرآن الكريم حيث قالت أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي (صلي الله عليه وسلم ) فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال, وما أرى النساء يذكرن بشيء؟
فنزلت هذه الآية: 《إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 》 [الأحزاب: الآية ٣٥] .
كما حرصت السيدة نسيبة علي الجهاد في أحد شهد لها يوم اليمامه موقفا عظيما .
فقد أرسل رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) ابنها حبيب بن زيد إلي مسيلمة الكذاب برسالة يزجره عما يفعله ..ومضى حبيب بن زيد غير خائف فرح بالمهمه التي أسندها إليه رسول الله يتمني أن يهدي الله قلب مسيلمة ، فلما دخل عليه أعطاه الرسالة فأمر مسيلمة بتقييده وأمر به في وسط حشد جموع من قومه وقال له :” أتشهد أن محمد رسول الله ؟”
قال :” نعم أشهد أن محمد رسول الله (صلي الله عليه وسلم )
فتميز مسيلمة غيظا وقال :” وتشهد أني رسول الله ؟”
فقال :.” إن في أذني صمم عن سماع ما تقول .”
فتغير وجه مسيلمة وقال لجلاده أقطع قطعه من جسده وأخذ يطرح عليه السؤال ويأمر جلاده حتي قطع بدنه إلى قطع و فاضت روح حبيب ابن السيدة نسيبة شهيدا وعلي لسانه ذكر اسم سيد العالمين محمد رسول الله .
ولما علمت السيدة نسيبة صبرت واحتسبت ودعت الله أن يريها ثأر أبنها بنفسها .
وكان يوم اليمامه وخرجت السيدة نسيبة هي وابنها عبدالله بن زيد مع المسلمين وقاتلت أشد قتال وجرحت في ذلك اليوم أحد عشر جرحا وقطعت يديها وهي تصرخ ” أين عدو الله مسيلمة .”
وقد رأته وعبدالله أبنها يمسح سيفه من دم مسيلمة ، فقد قتله ثأرا لأخية ونصرة لدين الله تعالي .
فقد وبر الله قسمها وشهدت ثأرها بعينها ..
وعادت السيدة نسيبة إلي المدينة وكان ذلك في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،وكان أبو بكر يعرف فضلها وجهادها فكان يسأل عنها .
وهكذا عاشت السيدة نسيبة بنت كعب هي وأبنائها من أجل التضحية بالنفس في سبيل الله ، وفي سبيل نسيبة عجز اللسان عن المديح . رحمة الله عليها