منير جميل حبيب روفا – عملاء الموساد
منير جميل حبيب روفا (١٩٣٤ – ١٩٩٨) هو جاسوس إسرائيلي من أصل عراقي تمكن في عام ١٩٦٦ من الهروب بطائرة ميج 21 تابعة للقوات الجوية العراقية إلى مطار إسرائيلي في عملية منظمة من قبل الموساد واشتهرت بعملية 007، اعتبر الموساد هذه العملية المخابراتية واحدة من أنجح عمليات الموساد.
تمكنت المخابرات الأسرائيلية من تهريب جميع أفراد عائلة منير روفا من العراق إلى إسرائيل و قام الموساد بإعارة الطائرة المختطفة بصورة مؤقتة لوكالة المخابرات الأمريكية بغرض إجراء التحليلات الفنية والهندسية المتعلقة بنظريات الطيران و الخاصة بتصميم الطائرة.
بعد هبوط الطائرة عقد مؤتمر صحفي سمح لمنير روفا بالتحدث لفترة وجيزة تحدث فيها عن دوافعه لخيانة بلده وسلاحه مدعيا بأنه كان يعاني من التفرقة الدينية وأنه يشعر بأن العراق ليس بلده لذلك طلب اللجوء والهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية و بعد فترة وجيزة التحقت عائلته به في إسرائيل و تم منحه الجنسية الإسرائيلية و كوفئ بمنحة مالية.
منير روفا كان ضابطا طياراً عراقياً برتبة نقيب من مواليد بغداد عام ١٩٣٤ من عائلة ينحدر أصلها من الموصل قرية تلكيف لأسرة كلدانية كاثوليكية فقيرة، وهو ابن خالة نائب رئيس الوزراء في النظام البائد طارق عزيز و شقيق زوجته و كان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط عوقب بالطرد من وظيفته في وزارة الزراعة والحبس لعدة أشهر بسبب تلقيه الرشاوى.
متزوج وله بنت و ولد، أصول عائلته جاءت لاجئة للعراق مع الكثير من العوائل التي كانت تقطن جنوب شرق تركيا وجبال شمال غرب إيران بقرار من عصبة الأمم بسبب الأذى الذي عانت منه تلك العوائل أثناء العمليات العسكرية للحرب العالمية الأولى فتم توطينهم في القرى المسيحية المحيطة بالموصل، ويعتقد بعض المحللين إن هذا الأمر جعله يعاني من عقدة المواطنة ورغبته الجامحة للهجرة.
قبل التوغل في ظروف و ملابسات تجنيد منير روفا يجب إلقاء الضوء علي عده نقاط
أولاً : فتره الستينيات من القرن العشرين حيث كان الصراع على أشده بين القوتين العظميين الاتحاد السوفييتي و أمريكا اشتدت حروب العقول السرية بين الدولتين لتصل الى الذروه في أول مايو عام ١٩٦٠ عندما وقع حادث غريب هو الأول من نوعه ففي ذلك العام أسقط السوفييت طائرة تجسس أمريكية طراز (U-2 1) التي تضم أحدث ما وصل اليه العلم من ابتكارات، أهمها كاميرات غاية في التعقيد تلتقط الصور على ارتفاع آلاف الأميال بدقة متناهية وبوضوح مذهل بينما تطير بسرعة ألف كيلو متر في الساعة.
كان قائد الطائرة – النقيب فرانسيس جاري بورز – مطمئن للغاية وهو يحلق في أجواء الاتحاد السوفييتي فقد طمأنه رؤسائه أن لا الصواريخ و لا المدفعية المضادة تستطيع أن تلحق بطائرته الأذى. وبالرغم من ذلك شملت أدواته الى جانب المسدس، كبسولة صغيرة معبأة بالسم طلب منه أن يتناولها عند اللزوم لكن بورز لم يفكر بالانتحار، وهو يقفز بالباراشوت ويمسك به الأهالي ويعترف للسوفييت بأنه طار فوق أجوائهم مرات عديدة من قبل و كانت مهامه الأساسية هي الحصول على صور لمواقع الصواريخ و المطارات التي ترابض بها طائرات “ميج 21”. . بالذات. (!!)
ثانياً كان السؤال: لماذا الطائرات ميج 21.. ؟
ولماذا لا تكون طائرات السوخوي الاعتراضية Su-11 .. ؟ أو طائرات سوخوي المقاتلةSTOL . . ؟
أو قاذفات توبولوف TU-16، التي طار تشكيل منها مكون من ٥٤ طائرة فوق موسكو يوم الطيران السوفييتي عام ١٩٥٩. . ؟
في الولايات المتحدة كان حادث إسقاط الطائرة (U-2 1) محيراً، فالطائرة بارتفاعها الشاهق كانت بعيدة عن صواريخ السوفييت الأرضية، وعن مجال صواريخ طائراتهم الاعتراضية أو القاذفة، ذات المدى المحدود في ذلك الوقت.
وبرغم تشكيك الأمريكان في قدرة السوفييت العسكرية، ظنوا بأن الطائرة ميج 21 – المجهولة بالنسبة لهم – أدخل عليها السوفييت تقنيات جديدة معقّدة فتفوقت بذلك على طائراتهم سكاي هوك SKY HAWK والفانتومPHANTOM، بل و على الطائرات الفرنسية ميراج 3 MIRAGE – III – C الجبارة.
و في الوقت الذي تأزمت فيه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصة بعدما قرر الرئيس الأمريكي “دوايت أيزنهارو” – (١٩٥٣ – ١٩٦١) – أن الطيران فوق الاتحاد السوفييت هو من صميم السياسة الأمريكية كانت المخابرات المركزية تسعى للتوصل الى أسرار تلك الطائرة الخرافة – ميج 21 – مهما كلفها ذلك و كان من صميم عمل الـ C.I.A. أن تظل الولايات المتحدة في الصدارة عكسرياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً.
لكن التفوق السوفييتي في مجال الطائرات الحربية كان يشكل كابوساً مزعجاً ليس لأمريكا فحسب بل لدول حلف الأطلسي ولإسرائيل أيضاً.
فبينما تمد أمريكا إسرائيل بأحدث مبتكراتها التسليحية لتكون لها اليد الطولى في الشرق الأوسط زوّد السوفييت كل من مصر وسوريا والعراق بالطائرة – ميج 21 – فقلبت بذلك ميزان القوى عن آخره في المنطقة، ولوّح العرب بقوتهم وسيطرتهم على الأجواء وبأن يدهم ستطول إسرائيل وتقذف بها الى البحر.
هكذا تحولت منطقة الشرق الأوسط الى حلبة صراع بين القوتين العظميين و استعراض للقوة التسليحية بين الشرق والغرب حيث كانت هناك رغبة ملحة وجامحة للحصول على إحدى طائرات الـ “ميج 21” تهديها إسرائيل لأمريكا من خلال تجنيد طيار عربي مغامر يقبل الهرب بطائرته الى إسرائيل مقابل مليون دولار.
ثالثاً : فيما بدا ان الهدف الأساسي من اختطاف ال ميج 21 كان ما سبق ذكره إلا ان هناك اهداف اخري ظلت خلف الكواليس يعتقد بعض المؤرخون والمحللون السياسيون انها كانت الأهداف الرئيسيه للموساد لإتمام تلك العمليه منها الآتي :
افتضاح أمر الجاسوس الإسرائيلي ايلي كوهين عام ١٩٦٥ في سوريا بعد أن أصبح عضوا بارزا في الحزب الحاكم ووزير وعضوا في مجلس الشعب من قبل المخابرات السورية بالتعاون مع رجل المخابرات المصري المعروف رفعت الجمال الملقب برأفت الهجان.
•احباط معنويات الجندي العربي واظهار إسرائيل بمظهر العملاق بعد أن كانت سمعتها وقتذاك لاتعدو كونها دويلة اشبه بالإمارة اسستها بعض المجوعات بدعم دولي.
•كانت تطمح هي واميركا بالتعرف على هذا السلاح المتفوق الجديد لتتمكن من ردعه وهي على أبواب حرب ١٩٦٧ التي تنوي شنها مباغتة بأسلوب الحرب الخاطفة.
•رد الاعتبار الإسرائيلي داخلياً وخارجياً عربيا وعالميا بعد عدد من الهزائم والاخفاقات الاستخبارية وهي:
•في نهاية العام ١٩٦٢ ألقت المخابرات المصرية القبض على الجاسوس المصري جان ليون توماس وهو ارمني الأصل واعترف خلال التحقيق ان الموساد جنده للعمل على تجنيد طيار مصري بغية الهروب بطائرة ميج 21 إلى إسرائيل مقابل مليون دولار.
•فضيحة عام ١٩٦٣ عند القاء القبض على عميلين للموساد في سويسرا هددا ابنة عالم ألماني يعمل في القاهرة أدت إلى اقالة مدير الموساد هاريل وتولية عاميت الذي استحصل على ميزانية أكبر للموساد لجلب المزيد من معداته وأدواته ومختبرات البحوث الفنية وضم المزيد من الخبراء إلى الجهاز.
•الكشف عن شبكة تجسس إسرائيلية تديرها بقايا وكالة الهجرة اليهودية في العراق من خلال مدارس الطائفة اليهودية في العراق “خصوصاً مدرستي شماش وفرنك عيني” ومن أبرز عناصرها الجاسوس اليهودي العراقي عزرا ناجي زلخا وزوجته روان.
•الضربة القاصمة بسقوط الجاسوس وولفجانج لوتز وزوجته في القاهرة.
•كشف الدور الإسرائيلي في الاشتراك بقتل ابن بركة في فرنسا.
•افتضاح الدور الإسرائيلي بالقيام بعمليات تخريبية ضد بعض المنشآت الأجنبية في مصر على نحو يجعلها تبدو وكانها من صنع بعض المنظمات المصرية، فيما عرف باسم فضيحة لافون.
كيف تم اختيار روفا و السعي لتجنيده ؟
أيقن الموساد صعوبه تجنيد طيارين من مصر و سوريا فسعي سعي مكثف داخل دوله العراق لإيجاد هذا الطيار .
وبعد دراسات تحليلية ساعد على بنائها خبراء متخصصون نتيجة مراقبات دقيقة للطيارين العراقيين استقر الرأي حول ثلاثة منهم هم:
• النقيب طيار شاكر محمود يوسف :
وكان مغامراً، ينتهز أجازاته لتصيد الفتيات في أماكن اللهو لهذا السبب وقع الاختيار عليه لكونه صيد سهل امتلاكه.
• الملازم أول طيار حامد ضاحي :
وكان ملتزماً خجولاً لا يصاحب الفتيات و لا يقيم علاقات مشبوهه لكنه لم يكن انطوائياً منعزلاً بل كان يرتاد البارات ونوادي الليل وإن كان لا يشرب الخمر.
وقع الاختيار عليه أيضاً لأنه يفتقد الى الخبرة في العلاقات الخاصة، ويسهل تطويعه
• النقيب طيار منير روفا :
و هو الطيار الوحيد المسيحي بين الطيارين العراقيين وكان على رأس القائمة في بداية الفرز الأولى بسبب سهولة استغلال لعبة العقائد والأقليات في عالم الجاسوسية لكن لوحظ انكماشه الملفت وملازمته للقاعدة الجوية حتى أنه لا يغادرها في أجازاته الأسبوعية والتصاقه الدائم بقائد البعثة لكي يحظى بتقرير ممتاز في السلوك مما يمنحه فرصاً أكبر مستقبلاً في الميزات والترقي.
وظل منير روفا المطلوب رقم واحد لوقت طويل لكن لما فشلت تقريباً كل الفرص المتاحة كي يتحرر روفا بعض الشي أو يبتعد عن الرقابة المفرطة التي تحاصره استبعد من القائمة و انحصر الأختيار في النهاية على زميليه شاكر وحامد حيث يسعى شاكر للحصول على دورة قائد تشكيل و يتدرب حامد لزيادة كفاءته كقائد طائرة حربية نفاثة.
فشلت المحاولات في تجنيد شاكر و ضاحي و انتهي الامر بتصفيه كل منهما ، اما روفا ظل الخيط الاخير لإسرائيل لإتمام تلك العمليه
روفا المولود في عام ١٩٣٤ ببغداد لأسرة مسيحية أرثوذوكسية فقيرة أقامت بحي المستنصرية الشعبي كان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط يعمل بأرشيف وزارة الزراعة، عانى كثيراً بسبب كثرة الأولاد وقلة الدخل ودفعته مشاكل المعيشة الى إدمان الخمر لذلك استغل عمله في الحصول على الرشوة من جمهور المترددين و كانت نهايته الفصل من الوظيفة و الحبس لعدة أشهر.
و بعدما انتهت مدة حبسه واجهته المحن كالطوفان، فتعاظمت معاناته الى حد اليأس وذاقت أسرته الكبيرة صنوف الجوع والفقر والحاجة، ولجأ الى الهرب الى أقصى الخليج العربي حيث إمارة دبي، التي كانت واقعة آنذاك – عام ١٩٥٣ – تحت السيادة البريطانية حيث عمل بالتدريس لأبناء البدو وكانت الى القرب منه هناك موظفة هندوسية، سرعان ما غرق في حبها متناسياً زوجته وأبناءه التسعة ولم يتصور للحظة مدى معاناتهم وحاجتهم اليه و الى الجنيهات الاسترلينية الغير منتظمة التي كان يحولها لهم.
إلا أن الزوجة لم تقف مكتوفة الأيدي أمام سلبية الأب الغافل فخرجت الى سوق العمل و دفعت بابنها الثاني – منير – للالتحاق بكلية الطيران.
وبرغم حجم الكراهية التي كان منيرروفا يكنها لوالده، كانت أمه تحاول دائماً تنقية صورة الأب الملوثة المهترئة
يقول منير روفا في مذكراته الشخصية:
“كان أبي كالمحيط في تقلباته وثوراته المدمرة، فرسائله تجيئنا صاخبة، يسمم أبداننا في الاستهلال ويلعننا في كل سطر، ويختم متوعداً بحرماننا من المال الذي لا يكفي معيشتنا لخمسة أيام، فكُنّا نبيت جرحى مع وصول رسائله، نلعق الدموع ونجرع الأسى كم كنت أشعر بآلام عقلي و كبدي و أنا أرى أمي تتألم و تعمل في مثابرة لإطعامنا و أحلم باليوم الذي أستطيع فيه تخفيف معاناتها لكن مشاكلنا وحاجاتنا كانت تزداد يوماً بعد يوم و ذلك القابع بين أحضان الهندوسية لا يرسل لنا إلا اثنتي عشر جنيهاً كل شهرين.
لذلك فقد حاصرتني أحلام اليقظة، أحلام مليئة بالثراء والشبع، اتخذتها مهرباً لي من سموم أبي ومنغصاته”.
وفي كفاح مرير من أجل أن يحيا آمناً، تفوق منير روفا تفوقاً ملموساً في الكلية الجوية وتخرج منها طياراً ليخدم في سلاح الجو العراقي ومن الراتب الضخم الذي تمنحه الدولة لطياريها، استطاع أن يساعد أخوته ويدخر بعضه ليتزوج من حبيبته “مريم” ابنة الأسرة الثرية، التي تعلق قلبه بها.
كانت مريم فتاة جميله هادئه الطباع درست الأدب الإنجليزي بجامعة بغداد وأثناء دراستها تعرفت بشقيقة منير روفا – رفيدة – زميلة الدّراسة ومن خلالها ارتبطت عاطفياً بمنير روفا و على استحياء اتفاق على الزواج و بعد عودته من الدورة التدريبية الأولى في موسكو عام ١٩٥٧ تزوجا في حفل عرس انيق و أقاما بإحدى شقق حي الديوانية و أنجبا يوسف و ناجي عامي ١٩٥٩، ١٩٦١ .
أوفد منير روفا في بعثة طويلة الى الاتحاد السوفييتي، للحصول على دورة تدريبية لقيادة الطائرة ميج 21 و اعتقد روفا أنه سينتقل أخيراً من القاعدة الجوية بالقرب من كركوك، لكنه أبقى مكانه على مسافة ثلاثمائة وخمسة عشر كيلو متراً من بغداد برغم الطلبات العديدة التي تقدم بها لقيادته لنقله الى قاعدة الرشيد الجوية القريبة من العاصمة و ظل بمكانه حتى بعد عودته من الدورة الأخيرة في تكساس.
لم تكن رغبة روفا في الانتقال الى بغداد نابعة من حبه لبيته ولأولاده بقدر ما كان مطلباً حيوياً له، حيث يستطيع ممارسة هوايته المفضلة في العاصمة المزدحمة ألا وهي مطاردة الحسناوات الفاتنات اللائي يبهرهن زيه العسكري كطيار، متخذاً من شقة صديقه اليهودي يوسف منشو، مسرحاً ومرتعاً لنزواته، ووكراً أكثر أمناً للقاءاته النسائيه.
عندما حلل خبراء الموساد شخصية الطيار الشاب، اكتشفوا أن هوايته في مصاحبة النساء كانت نوعاً من الهرب من معاناته النفسية، اتخذت منذ بدايتها – وكان وقتها طالباً بكلية الطيران – طابع التعدد والتباين، ويبدو أن مسلكه هذا يعود في الأساس الى نشأته و من هنا بداء الخيط الذي اتخذه الموساد الي روفا حتي استطاعوا الايقاع به.
المعلومات السرية الأخيرة التي بثها عملاء الموساد في بغداد أوضحت بأن الطيار العراقي منير روفا على علاقة بفتاة عراقية و أنه دائم الالتقاء بها بمنزل صديقه يوسف منشو و هو تاجر يهودي مفلس يطالبه الدائنون بمبالغ كبيرة و قد ارتبط هو الآخر بعلاقة قوية بالشقيقة الكبرى لصديقة روفا.
ووضعت – على أساس المعلومات المعطاة – خطة أولية لاصطياد منير روفا بواسطة صديقه المفلس عن طريق إغراؤه بالمال و في محاولة “جس النبض” أظهر يوسف منشو يهوديته التقليدية عندما وافق على التعاون مع الموساد مقابل تسديد ديونه و مساعدته في الهجرة الى إسرائيل.
لم يكن هناك أدنى مشكلة إذن فالتاجر اليهودي الذي حصل على المال كتب تقريراً وافياً عن صديقه روفا، كشف عن جوانب شخصيته و نشأته و ظروفه وهذه كلها معلومات قيمة ساعدت على تحليل الطيار الشاب نفسياً ودراسة أفضل الطرق للتسلل اليه لاجتذابه أولاً ثم الانقضاض عليه.
وطُلب من يوسف منشو الظهور بمظهر التاجر الثري الذي تمكن من عقد صفقة تجارية مربحة، وأن يتولى الإنفاق بسخاء على صديقه وإقراضه للإنفاق على صديقته ومغامراته النسائية المتعددة.
ففي الوقت الذي كان فيه الطيار الشاب، غارقاً في مطارداته و ديونه ليوسف كان الأخير قد استعاد نشاطه التجاري و قام بمعاونة الموساد بتصدير صفقة تمور الى إيران في باطنها عملية تمويهية لإظهار الثراء و الالتقاء بأحد خبراء الموساد هناك. حيث أطلعه يوسف على تطورات أحوال روفا و نقاط ضعفه و لتدارس خطة محبكة وضعت خطوطها العريضة في إسرائيل، تقضي بأن يسافر روفا الى باريس، وهناك سيتولى آخرون أمره.
رجع يوسف منشو الى بغداد، وأخبر روفا – حسب الخطة – بأنه بصدد عقد صفقة تمور ضخمة مع شركة إنجليزية، سيصل مندوبها قريباً الى بغداد للتفاوض معه وتوقيع العقد، طالباً منه أن يقوم بعملية الترجمة بينهما عند وصوله.
كان الموساد يبذل كل ما في وسعه لإنجاح العملية هذه المرة واستعد لها بكامل إمكانياته البشرية والمادية وفي سبيل تحقيق ذلك أعدت دراسة مستفيضة شملت كل جوانب حياة منير روفا و نقاط ضعفه وخلصت الى نتيجة مفادها أن خير سبل الإيقاع به هي ليزا برات
و في الثالث والعشرين من مارس عام ١٩٦٦ وصلت “ليزا برات” الى مطار بغداد الدولي تحمل جواز سفر بريطاني و تفويضاً من الشركة الوهمية، بالتوقيع على عقد تصدير شحنة من التمر العراقي الى لندن.
أنهى ضباط الجوازات والجمارك إجراءات الفاتنة الإنجليزية و كان بانتظارها يوسف منشو و منير روفا
لم يكن يوسف منشو يتحدث الإنجليزية لذا كان على منير روفا مهمة ملازمته بمكتبه للاتفاق مع المندوبة الإنجليزية و توقيع العقد و وجدها روفا فرصة رائعة للتقرب إليها
لقد كان من الصعب بل من المخاطرة أن يصطحب طيار حربي عراقي فتاة أجنبية في نزهة خلوية ببغداد لذلك فقد حرص روفا على إفهامها حقيقة وظيفته والسبب في عدم قدرته على الخروج معها. فأبدت تفهمها للأمر وأهدته ساعة يد ثمينة وهي تشكره على اهتمامه بها ومساعدتها في إنجاز عملها خلال زمن قياسي.
ففي اليوم التالي لوصولها كان قد تم الاتفاق، المبدئي و وقع على العقد بعد ثلاثة أيام
وفي المساء أقيم بالمكتب حفل عشاء للاحتفال لإتمام الصفقه استطاعت فيه ليزا الايقاع بروفا و إقناعه اللحاق بها في باريس
وما إن عاد منير روفا الى عمله حتى تقدم بطلب صحي لعرضه على الأطباء بدعوى أن الصداع النصفي يفتك برأسه ويكاد يصرخ منه ألماً وفشل الفحص الطبي في علاج الصداع المزعوم أو تحديد أسبابه مما عجل بالموافقة على التصريح لروفا، حسب رغبته بالسفر الى باريس في أجازة لمدة أسبوعين للراحة والعلاج.
وفي ١٩ أبريل ١٩٦٦ طار منير روفا الى باريس،
لم تكن ليزا وحدها في انتظار روفا فقد صحبها ستة ضباط من الموساد بينهم أحد خبراء الاستخبارات الجوية الإسرائيلية.
وعند تقاطع شارعي جيرمان وميشي، في منتصف المسافة ما بين حديقة لوكسمبورج ونهر السين، يقع فندق ديكلوني الشهير المواجه لجامعة السوربون، حيث أعد جناح بالطابق السابع لاستقبال الضيف العزيز، تم زرعه بكافة أجهزة التنصت والتصوير، وجُهِّزت الغرفة الملاصقة لتكون مركزاً للمراقبة والتسجيل بإشراف فريق من ثلاثة فنيين بينما نزل ضباط الموساد بعدة بيوت آمنة لا تبعد كثيراً عن الفندق.
بداءت ليزا في احكام شباكها علي روفا عندما أخبرته انها قد وقعت في غرامه و لن تسطيع ان تتخيل الحياه دونه و لكن كيف يمكنهما العيش معاً و ما هي سبل الهروب ؟ استمرت في التأثير عليه و أقناعه ان بإمكانهم الهروب الي اسرائيل حيث قد نما الي علمها من بعض الاصدقاء انهم يعرضون علي الطيارين العرب مبلغ مليون دولار جراء الهروب و العيش في اسرائيل ، اندهش روفا من ضخامه المبلغ و لم يبدي اي اعتراض علي الفكره مما ساعدها علي الإنتقال الي الخطوه الثانيه من الخطه و هو لقاء روفا مع اثنان من عملاء المخابرات و تم اللقاء بالفعل و تحدث الاثنان مع روفا و عرضا عليه التعاون معهم نظير الهروب و العيش في دوله اسرائيل و الحصول علي مبلغ المليون دولار مع التمتع بمزايا لا حصر لها و لكن بشرط ان يأتي بالميج 21
اخبروه انهم سوف يقومون بتأمين طيراناً آمناً عبر الأجواء الأردنية و ستكون طائراتهم الميراج في شرف استقباله من أجل حمايته في الجو.
اجاب روفا متردداً: من يضمن لي المليون دولار بعدما أهرب. . ؟
ليأتيه الرد :
رئيس الوزراء شخصياً إننا ندعوك لقضاء عدة أيام بإسرائيل، و سيقوم رئيس الوزراء بلقائك، لتسمع منه تأكيدات الضمان.
أجاب روفا:
أخشى أن أكون مراقباً من أحد رجال مخابراتنا، فقد جئت الى باريس بدعوى الفحص الطبي والعلاج.
فأجابه أحدهم :
ليس للمخابرات العراقية نشاط ملموس في فرنسا، سنؤمن لك وثيقة سفر ولن يشعر أحد بغيابك عن باريس، فضلاً عن الأوراق الطبية التي تؤكد أن رحلتك لفرنسا كانت للعلاج.
وفي إسرائيل ستختار بنفسك الفيلا التي تروق لك، و يتكلم معك فنيو سلاح الجو، بخصوص الممر الجوي الذي ستسلكه، والتردد اللاسلكي للاتصال بهم، وكذا القاعدة الجوية التي ستهبط بها.
غمغم الطيار العراقي وهو يزفر:
أعتقد أن المسألة شبه مستحيلة فهناك مشاكل عديدة لا حلول لها.
فتم طمأنته :
سنذلل العقبات التي تؤرقك و لن نترك مشكلة واحدة – ولو تافهة – إلا وناقشناها معك و وضعنا لها حلولاً
اجاب روفا ضابطي الموساد:
أنتما لا تعلمان بأنني لم أحصل بعد على ترقية قائد سرب، وأنني مقيد بالطيران لمسافات قصيرة، حيث أحصل على وقود لمسافة ٥٠٠ كيلو متر فقط. عند ترقيتي تُضاعف كمية الوقود، أي أستطيع الطيران لمسافة ألف كيلو متر ، في جميع الحالات لن أتمكن من الوصول اليكم، لأن المسافة تزيد على الألف كيلو متر بين كركوك وأقرب قاعدة جوية في إسرائيل.
كان منير روفا يتكلم بصدق فعلاً
حاول الضابطان ان يتوصلا معه الي حل لهذه المشكله
أجاب روفا:
انه بالفعل تقدم بطلبات عديدة للانتقال الى قاعدة الرشيد الجوية بالقرب من بغداد، متعللاً بظروف والده الصحية، و تم وعده أكثر من مرة بالنقل، ومنذ شهر تقريباً علمت أن نقله مرتبط بترقيته فعلياً لقائد سرب، وهذا لن يكون قبل مرور شهرين على الأقل من الآن.
ثم استوضح وضع عائلته فهو يرغب في نقلهم معه
وأخبرهم إن يريد إخراجهم من العراق أولاً لان السلطات العراقية لن تتركهم بعد هروبه فتمت الموافقه علي طلبه و بالفعل تم تجهيز روفا للسفر الي اسرائيل من فرنسا
و عقب وصوله اصطحبه الضابطان اللذان قابلاه في فرنسا الى شارع شاؤول، حيث يقع المبنى الرئيسي الجديد لجهاز الموساد، وكان بانتظاره مائير عاميت و كبار مستشاريه وضباطه.
لم يناقشوه في أية مسائل فنية تتعلق بعمله في العراق، أو بمسألة هروبه الى إسرائيل بطائرته، إنما انحصر حديثهم معه حول الأقليات في الدولة العبرية و كيف أن المسيحيون العرب ثاني أقلية كثافة في إسرائيل إذ يبلغ عددهم نحو ١٣٠ ألف مسيحي يشكلون حوال ينصف سكان الناصرة، وثلثي العرب في حيفا.
تحدثوا معه أيضاً عن حرية العبادة في إسرائيل، التي كفلها دستور الدولة لجميع الديانات، حيث يحق لكل طائفة أن تمارس عقيدتها وشعائرها، وأن يكون لها مجلسها ومحاكمها الشرعية، التي تتمتع بسلطة قانونية في إدارة شؤونها الداخلية والدينية.
وكان عاميت ذكياً بما فيه الكفاية، عندما استقدم بعض الضباط اليهود عراقيو الأصل، لحضور لقاءه بالطيار الشاب وكان يرمي من وراء ذلك، إفساح المجال أمام روفا للتحلي بالأمان بين أناس يتكلمون بلهجته، وإبعاد أية إحساسات بالخيانة قد تهاجم أفكاره. ثم تم الترتيب للقاء رئيس الوزراء ليفي أشكول
وعلى مدار خمسة أيام في إسرائيل اجتمع به خلالها مردخاي هود قائد سلاح الجو، حيث صحبه الى القاعدة الجوية التي سيهبط بها وتناقشا معاً حول المسائل الفنية المتعلقة بالممر الجوي والارتفاع فوق الأجواء الأردنية والتردد اللاسلكي، وأسلوب التعامل – كاحتياط – مع الطيران السوري في حالة تدخله والسرعة اللازمة لتفادي الاحتكاك والمواجهة. كذلك شرح له كيفية مباغتة زملائه الطيارين العراقيين، والهرب منهم باتجاه الأردن.
وقبلما يغادر روفا تل أبيب، سلّم عاميت قائمة بأسماء “٢١” فرداً، هم أفراد عائلته، وعائلة زوجته، الذين سيتم تهريبهم خارج العراق يوم هربه بالطائرة الميج. وضمت القائمة والداه وأخوته الثمانية، وزوجته وولديه، وحمواه وأولادهما الستة، وسجل رسائل صوتية لهم، وكتب رسائل بتوقيعه، يطلب منهم مرافقة حامل شريط الكاسيت أو الخطاب، دون سؤاله عن وجهته أو معارضته.
كذلك تم ترتيب أسلوب الاتصال به حين طلبه ذلك، بعدما يتم نقله الى قاعدة الرشيد الجوية، وعندما يحدد المواعيد المقترحة بفراره.
وفجر الثالث من مايو ١٩٦٦ طار روفا عائداً الى بغداد
كانت لدى مائير عاميت خطة واحدة، لا بديل لها، لإخراج عائلة روفا من العراق، حال تأكده من إيجاد الفرصة المناسبة. والخطة تعتمد ببساطة شديدة على أذون مزورة بإحكام بمغادرة “٢١” فرداً الى إيران للاصطياف
تقدم منير روفا لقيادته بالأوراق الطبية – المزيفة من قبل الموساد – تفيد بأن صداع الرأس الدائم هو نتيجة معاناة نفسية منشؤها القلق، مطالباً بضرورة نقله الى بغداد، حيث يعاني والده من عدة أمراض، والأمر يستدعي ضرورة تواجده الى القرب منه.
اقتنع الأطباء العسكريون بما جاء بالتقرير، وجاءت التأشيرة الطبية توصي بنقله، تجنباً لإصابته بالانهيار العصبي واستغرق بحث التوصية طوال شهري مايو ويونيو، وفي آخر يونيو أخبر بأن هناك كشوف ترقيات ستعلن خلال أيام، ورد اسمه بها، وعندها سيتم نقله على الفور الى بغداد.
وفي ١٣ يوليو حصل على أجازة لمدة أسبوع، وحاول خلاله إفهام أسرته وأسرة زوجته مريم، بأنه ينتظر النقل الى قاعدة الرشيد الجوية، لظروف الصداع التي كان قد أقنعهم بها، وفي هذه الحالة سيأخذهم جميعاً على نفقة الدولة لقضاء عدة أيام على شاطئ بحر قزوين في إيران، وأوصاهم بعدم إعلان ذلك تحت أية ظروف، لأنه أبلغ أسماؤهم فقط لقيادته ولن يسمح باصطحاب آخرين.
وعلى حين فجأة صدر في ٢٥ يوليو قرار ترقيته الى قائد سرب، الأمر الذي شجعه على استعجال طلب نقله، وتم ذلك بالفعل في ٤ أغسطس فذهب من فوره الى قاعدة الرشيد الجوية وتسلم عمله، وبدأ العد التنازلي للعملية 007.
في ٦ أغسطس قام بإرسال رساله مشفره الي الموساد فحواها كالآتي
سأطير ابتداء من يوم ١٠ الى ٢٠ أغسطس، من قاعدة الرشيد، ما بين السابعة الى الثامنة صباحاً، ومطلوب الإسراع بنقل العائلة خلال هذا التوقيت.
انقلبت الموساد الى خلية نحل، فالرسالة التي بثها عميلهم السري في بغداد كانت مدوية،
استدعى عاميت على الفور الجنرال مردخاي هود، قائد سلاح الجو ونقل اليه تفاصيل الخبر العاجل، فكاد هود أن يطير فرحاً، أما ليفي أشكول فقال “لن ينسى لكم التاريخ ذلك”.
اجتمع هود بكبار ضباطه ومعاونيه وتشاوروا حول القاعدة الجوية التي سيهبط بها روفا و من إسرائيل صدرت الأوامر لعملاء الموساد في العراق، بالإسراع في نقل عائلة روفا الى إيران، وأحيط أيضاً عملائهم في إيران بالأمر، وأجريت اتصالات مع رجال السافاك لتسهيل خروج العائلة جواً الى إسرائيل.
كانت عقارب الزمن تتحرك ببطء، والأعصاب المرهقة المشدودة في غليان فوار، وابتداء من ٨ أغسطس وطياري الميراج يقتربون كثيراً من الأجواء الأردنية، ما بين السابعة والثامنة صباحاً، دون أن يعرفوا سبباً لذلك.
ومساء اليوم التالي أقام مردخاي هود إقامة كاملة في قاعدة حاتسريم الجوية، واستيقظ صباح يوم ١٠ أغسطس مبكراً، واجتمع الطيارين وقال لهم:
هناك طائرة ميج 21 تحمل الشارات العراقية ستقترب من أجوائنا عبر الأردن إنها طائرة مسالمة لا تصيبوها بأذى نحن نريدها سليمة
كانت السيارة الجيب العسكرية تذهب غالباً في الصباح الباكر الى بيت روفا، وتعيده مرة أخرى عند العصر. وفي ١١ أغسطس أخبر أهله وأهل زوجته بالاستعداد للسفر الى إيران فجر ١٣ أغسطس
حيث سيتحركون بالباص مع أحد زملائه، بينما يطير هو الى طهران برفقة قائد عراقي كبير، ليمكث معهم عدة أيام على الشاطئ.
وفي ١٢ أغسطس ودع روفا أهله، بدعوى أنه في مهمة سرية مع القائد العام، ولن يراهم إلا في إيران بعد أيام، وأوصاهم جميعاً بمرافقة زميله، وتنفيذ ما يطلبه منهم لأجل سلامتهم وأمنهم وحمل حقيبته الصغيرة متجهاً الى قاعدة الرشيد، بنية الابتعاد عن أفراد أسرته حتى يطمئن على سفرهم أولاً، ومن ثم يطير من بعدهم الى إسرائيل.
لقد زُوِّد كقائد سرب بوقود يكفيه لمسافة ألف كيلو متر، وتبلغ المسافة بين قاعدتي الرشيد في العراق وحاتسريم في إسرائيل نحو تسعمائة كيلو متر، معنى ذلك أن الطائرات السورية لو تصادف وطاردته فوقوده سوف ينفذ في الجو لا محالة.
لذلك كان المطلوب لإنجاح خطة هروبه الارتفاع الشديد أثناء الطيران لتقليل استهلاك الوقود، والإفلات السهل من السوريين وصواريخهم الأرضية أما الأردنيون فقد كانت دفاعاتهم متواضعة إضافة الى خلو سلاحهم الجوي من الميج 21.
وصباح الثالث عشر من أغسطس، توقف الباص أمام بيت روفا، وركبت مريم وولديها، واتجه بهم الباص الى المستنصرية حيث والديه وأخوته، فركبوا جميعاً وعند أهلها في الأعظمية اكتشفت وقوع حادث لوالدها، إذ انزلقت قدمه على الدرج فالتوت وتورمت، ووافق أربعة فقط من أخوتها – شاب وصبي وفتاتين – على السفر معها.
سويعات قليلة وعبر الباص البوابة العراقية بالأذون المزيفة بداخله سبعة عشر فرداً من أهل روفا، إضافة الى قائد الرحلة الذي كان في حقيقة الأمر أحد عملاء الموساد في العراق.
في فجر ١٦ اغسطس انطلق روفا عبر رحلته الي اسرائيل و عندما تأكد لرجال الموساد في إيران وصول روفا الى إسرائيل، أعلنوا الخبر لزوجته ووالديه، وأخبرهم بأن طائرة إسرائيلية في الطريق الى طهران جاءت لتقلهم الى تل أبيب.
صرخت مريم غير مصدقة، وصرخ أخوة روفا وأخوتها، بينما وجم أبواه في البداية ثم انهارا في بكاء أليم.
وفي حين أصرّت مريم أن تحادث روفا تليفونياً، تمسك أخوتها الأربعة بالعودة الى العراق، بالرغم من محاولات تخويفهم من قسوة ما سيلقونه من تعذيب في بغداد، على إيدي المخابرات العراقية
تم عقد موءتمر صحفي فور الحصول علي الميج 21 لإعلان كيف قامت اسرائيل بهذا العمل البطولي الفذ و ان هذا الضابط العراقي ما قام بهذا الا هرباً من جحيم الطائفيه الذي عانا ويلاته
وبواسطة طائرة هليوكوبتر، أُخذ منير روفا الى الفيلا التي اختارها لنفسه في ريشون لتسيون و وصلت من طهران الطائرة التي أقلت أهله، بينما تسلمت السفارة العراقية أخوة مريم الأربعة، وأعادتهم على كفالتها الى بغداد.
وفي إسرائيل كانت المواجهة عصيبة بين روفا وزوجته وبقية أسرته، فالمأزق الذي وضعوا فيه كان أكبر من مدى استيعابهم، وأحس غالبيتهم بمدى غبائهم، حينما وافقوا على السفر إليه في إسرائيل. وكانت أمه أشد الرافضات لغدره ومن بعدها أختيه.
و لأنه وقع في المصيدة، اضطر للاندماج شيئاً فشيئاً داخل نسيج المجتمع اليهودي، و رفض استلام جواز سفر إسرائيلي بإسم جديد، كذلك فعلت بقية أسرته، حيث كان الخوف – وما يزال – يسيطر على عقله، وقال لهم في يأس:
“لست بحاجة الى جواز سفر . . لأنني دفنت نفسي ها هنا حياً. . الى الأبد” . .
هكذا عاش الخائن مرعوباً بين أعداء وطنه وأمته، لا يحس بالأمن ليلاً أو نهاراً، ويرى الاحتقار بادٍ على وجوه من يعرفونه أو يحيطون به، ولا يلقى منهم أي احترام أو تقدير. فقد كانوا يعرفون أنه جبان، خائن، باع وطنه بثمن بخس، وأن من باع وطنه فلا أمان له ولا عهد.