قبل مراجعة رواية الحمار الذهبي كان قد رشحه لي احد الزملاء وأرسل الي نسخة إلكترونية كي نتشارك قراءته سويا ونقوم بمناقشته فيما بعد ، الاسم لافت للنظر والجميل أن الترجمة الخاصة كانت جيدة ، مقدمة طويلة بعض الشئ لكني أحببتها لأنها قامت بتعريفي على أول عمل أدبي كامل تم نقله إلينا دون تحريف ، وعرفتني على الكاتب لوكيوس أبوليوس ( شخصيته ، علمه ، أصله ، موطنه ، حياته).
كان لوكيوس أبوليوس فذا وتناول كافة الموضوعات لم يترك منها هفوة ( الفلسفة ، علم وظائف الأعضاء ، العلوم الطبيعية ، علم الفلك ، علم الأسماك ، الموسيقى ، الشعر ، النحو والحساب والتاريخ..) ، كان لوكيوس أبوليوس موسوعة علمية وأدبية متنقلة ، اشتهر كثيرا وتم تكريمه بتمثال على هيئته.
نأتي للنقطة الأصعب والأهم ؛ وهي اتهام لوكيوس أبوليوس في العديد من القضايا منها القتل والسحر ، إلا أنه أثبت براعته كمحام بالأدلة الدامغة فثبتت برائته ، من ناحية أخرى قد ترك له والده ثروة طائلة بددها في أسفاره المتعددة التي خرج منها بهذا العلم الغزير ، ومن ثم نُقل إلينا.
تجربة الكاتب مع السحر ورغبته الملحة في أن يكون هو نفسه شاهدا على هذا التحول من هذا النوع الغريب. ومن ثم تحول إلي حمار بديل عن الطائر وأخذ يتصف بجميع صفاته الظاهرة باستثناء عقله الذي ظل عقل إنسان بما له من إحساس وإدراك وتدبير. قاسى كثيرا وتنقل من بيت إلى بيت ومن صاحب لأخر ( مقابلة الدب والفرار ، الصاحب البخيل ، كثير الشغب ، اللص.. وغيره..). فهي رواية تجمع بين السخرية الاستعراضية الفكاهية والهزلية الماجنة والنكات الخلقية الهجائية اللاذعة ، إضافة إلى مراعاة الحالات الوجدانية المتصلة بالمواقف المختلفة..
أسلوبه بسيط جدا ، غير متكلف ، جذاب ، يحكي التفاصيل فتعيش بقلب الحدث ، تصديقه للسحر والخرافات ، وما تم من أعمال سحرية فطنت إليها وتخيلها حق التخيل ، حتى توقعت أنها ستحدث لي فجأة ، على حين غرة..
حديثه مع صديقه والدته التي حذرته من زوجة مضيفه ، تودده للمضيفة لاستخراج الأسرار من باطنها، حتى وإن كان يحمل في طياته بعض الايحاءات الحميمة.
الفصل الثالث واللصوص وقتلهم والمحاكمة الهزلية التي كانت قائمة على الضحك حتى الثمالة ومرتكب الجريمة باكٍ لا يدرك ماذا يفعلون ولمَ ، لعلهم لا يفطنون إلى حجم الكارثة ، ودهشته حينما وجد الجثث قِرب منتفخة، أعجبتني كثيرا خطبته ، ثم هيئة للمحكمة التي شدت من أزره وقررت عمل تمثال له كدليل على نزاهته وشرفه.
رؤيته للساحرة زوجة مضيفه وهي تتحول لطير ورغبته في التقليد لمجرد الفضول والتجربة، تحوله لحمار ومروره باللصوص وحمل الأسفار وسمعاه لحكاياهم وفشلهم مرات عديدة وموت الكثير منهم، ألهة الجمال وغيرتها من فتاة عادية امتلكت قدرا كبيرا من الجمال ، فأذتها ثم أحبها ابنها خفية وحدثت بينهما خلافات وتعذبت الفتاة كثيرا وحاولت الانتحار مرارا حتى ظهرت الحقيقة وتم لم شملهما.
اللصوص ومحاولة التخلص منه كحمار، خاصة بعد هروبه مع الفتاة، واختيار طريقة موت بشعة لهما، خطة خطيب الفتاة في التخلص من اللصوص، وأخذ الكنوز، والعودة للقرية، حتى “الحمار” ارتاح نوعًا ما لكنه ظل ناقمًا، فلو كان كلبًا لنعم بكل الأطعمة الفاخرة.
وبالفعل تعرض لأذى أكبر وأعمق و نال العذاب عذابين، كلما ظهر له طوق نجاة وقعت عليه مصيبة أكبر من حرق للاخصاء ثم التعذيب، وما إلى ذلك، وها نحن نتجه للفصل الثامن كي نعرف ما عاناه أكثر، حيث شرح لنا قتل زوج الفتاة الذي قد أنقذها من اللصوص سلفًا، على يد شخص ماجن كان يحبها، فانتقمت منه واقتلعت عينيه ثم قتلت نفسها و دُفنت جوار زوجها.
نخرج من حكاية إلى أخرى، من قال إلى آخر، من هجوم إلى آخر و بطرق بشعة، لكنها حكايات لا تود تركها، عليك أن تكملها للنهاية. الكهنة وعاداتهم المزيفة، و خدعهم التي يحيكونها ضد أناس أبرياء فقط، للكسب والغنائم، انكشاف أمرهم مع الوقت، عذابه فيما بعد، يبدو إنه سيظل حمارًا لمدة أطول.
ربما علينا أحيانا القيام ببعض الفوضى حتى لا نكون عرضةً للذبح أو للتضحية بنا من قِبل أفراد آخرين كي ينجوا بأنفسهم، من الممكن أن تكون الخيانة من أقرب الناس إليك ظاهرة ، وأنت من شدة حبك لهم لا تراها، وتظل موقنًا من إخلاصهم وعفتهم، ممارسة السحر حتى وإن كان بالأذى والضرر للقريبين.
الفصل العاشر وجريمة القتل المدبرة من زوجة أب لشاب في مقتبل العمر دون أن يرمش لها جفن، وظهور الحقيقة كاملة بعد حديث الطبيب الحر. مررت بالرواية سريعا واتجهت للذي يليه لقراءة ما إن تناول الورود وعاد لهيئته الأدمية أم لا؟!
والله أود أن أًطلق ضحكة يُسمع صداها، فلقد عاد لهيئته و زاره الإله في حلمه، ومجده، بل وصار مشرفًا على هيئة الكهنة ورئيسًا للمعبد.
أسماء عبد الخالق