محلات الفراشة – حرافيش القاهرة
كانت حرفة اصحاب محلات الفراشة هي اقامة سرادقات الافراح وسرادقات العزاء علي السواء. وكانت لهذه الحرفة تقاليد مرعبة في الجيل الماضي.
وكان الحاج آخر ابناء هذه الطبقة. وكان شديد المحافظة علي تقاليدها. فلم يكن من حق احد من الفراشين ممارسة عمله في حي فراش اخر ولا يجوز ان ينصب فراش السيدة زينب سرادقا في عابدين واذا اضطرت الظروف احدهم الي ذلك فلا بد له من الاستعارة من ادوات زميله حتي يظهر الموقف كانه مكلف بأعمال كثيره وقد عجز عن تلبية طلبات الزبائن في هذا اليوم حتي لا يساء فهم الموقف عند اهل الحي.
كان الحاج يسارع الي اقامة سرادقات العزاء عندما يموت احد من ابناء الحي غنيا او فقير. فكان للعائلات الكبيره مكان محدد. اما الاخرون فكانت السرادقات تقام امام البيوت في الشوارع او الحارات. وفي كل الحالات كان يتولي احضار المقرئين للقران الكريم والبن لصنع القهوه. ولم يكن يتقاضي اجرا علي اقامه سرادقات العزاء للفقراء فلهم سرادقات مجانا.
وعندما توفي الملك فؤاد سارع الحاج بإقامة سرادق للعزاء امام باب التشريفات الملكية بعد انتهاء جنازة الملك التي شيعت من قصر القبة ومرت امام قصر عابدين ثم سلكت طريقها الي جامع الرفاعي حيث المدافن الملكية. ولما عاد باشوات قصر عابدين من تشييع الجنازة وجدوا الحاج ورجاله منهمكين في اقامه سرادق للعزاء عند باب التشريفات وكان من المخطط ان يتقبلوا العزاء داخل القصر واعداد دفاتر التشريفات لكتابه كلمات المعزين من السفراء وغيرهم طبقا للقواعد الدبلوماسيو فاستدعوا الحاج وسألوه عما يفعل فأخبرهم. ولما ابدوا استغرابهم قال لهم انه الواجب الذي يحتمه عليه عمله باعتباره فراش حي عابدين ومن تقاليد الحي اقامة مثل هذا السرادق لابنائه جميعا من الاغنياء والفقراء علي السوء.
لم يستطع باشوات القصر مخالفة هذه التقاليد خوفا من اتهامهم بمعارضة تقاليد الشعب المصري وعاداته. فقد كان الملك مكروها ومتهما بانه ممالئ لسلطه الاحتلال البريطاني ضد الاراده الشعبيه. ولما اقام الحاج سرادق العزاء اصيب الباشوات بالذهول. وتشاوروا فاستقر رايهم علي اقامه جناح خاص في السرادق لاستقبال امراء العائلة الملكية واصهارهم واصحاب المقام الرفيع والدوله والمعالي باشوات مصر من الوزراء وغيرهم.
واخرجوا له من قصر عابدين السجاجيد العجميه الفاخره وصالونات الاوبيسون المذهبة والصواني الفضية وفنجانات القهوة من البورسلين الفاخر واكواب الكريستال الباهرة. واوقفوا خدم القصر بثيابهم الحمراء المذهبة في الجناح الملكي بسرادق العزاء لتقديم القهوة الساده طبقا للتقاليد المصرية وكان الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود يرتلان القران في السرادق الشعبي المجاور لسرادق الامراء.
وعندما ذهب بعض اعيان حينا لتقديم العزاء في الملك لم يجدوا احد من ابناء العائلة الملكيه يتقبل العزاء. بل وجدوا افنديا من التشريفات علي باب السرادق واقفا كالتمثال لا يتحرك من مكانه ويومي براسه للمعزين وهو يرتدي بدلة سوداء بذيل طويل.
فعادوا وهم يتنذرون بهذا الافندي. وكانت لهم نكت وسخريات حول الافندي الأخرس وبدلته ذات الذيل طوال الليل.
حرافيش القاهرة /عبد المنعم شميس