” عشر المساجد ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
من مزاياها أنها “عشر المساجد” إذ تُلازم فيها المساجد، وتعمر بالطاعة ويتحقق منها الرباط المذكور في قوله : “ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟” قالوا: بلى يا رسول الله. قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط”وبالتعلق بها يظل الإنسان في ظل الله يوم القيامة، قال : “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله”، وذكر منهم: “ورجل قلبه معلق بالمساجد”
والمساجد بيوت الله، وأكرم بها من بيوت! يقول : “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”.وأحب البقاع إلى الله المساجد؛ لأن فيها أحب العمل، وأحب القول، وأحب الزمن، وأحب الخلق. يقول : “أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها”. وأهل المساجد هم أهل الإيمان يقول الله : {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 81 وهم أهل العمل الصالح، يقول تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 36، 37]. وهم أهل النور التام يوم القيامة؛ لأن الله تعالى ذكرها بعد آية النور في سورة النور؛ ولأن الرسول يقول: “بشر المشَّائين في الظُّلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة”.
وقد يخسر بعض الناس هذه العشرفمن الناس من يجعلها عشر الأسواق طلبًا في الدنيا، ونسي أن الدنيا متاع الغرور، وأنها ملعونة ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فيكون همُّه المال وكسبه وليس همه الثواب والأجر.ومن الناس من يجعلها عشر الضياع أو يضيعها في السفريات والتنزُّهات، فيكون همه بدنه وليس همه روحه.ومن الناس من يجعلها عشر المعاصي بالمعاكسات، وتتبع النساء في الطرقات والمشاهدات على الشاشات، فيكون همه شهوته وانحرافه، وليس همه طاعته واستقامته.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” عشر نزول القران ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هذه العشر هي عشر نزول القرآن، يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. ويقول : “أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست خلون من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان”.
ونزول القرآن فيها يدل على عظمتها؛ لأن القرآن عظيم، ويدل على بركتها؛ لأن القرآن مبارك، ويدل على أنه ينبغي إشغالها بالقرآن إذ هو أربح كلام، الحرف الواحد بعشر حسنات، قال : “من قرأ حرفًا من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف”.وهو أحسن الحديث، قال تعالى: {اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23].وأهله هم أهل الله وخاصته، وخير الناس من تعلم القرآن وعلمه، وقد كان السلف يشغلون العشر بالقرآن، فمنهم من يختمه فيها عشرين مرة، ومنهم من يختمه فيها عشر مرات
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” عشر ظهور الحق ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هذه العشر هي عشر ظهور الحق وزهوق الباطل إن الباطل كان زهوقًا، فيها دخل المسلمون مكة فاتحين، ومنها أظهر الله دين الإسلام على جميع الأديان ولو كره الكافرون.وفيها أذل الله الكفر وأهله، وفيها تطهرت الكعبة من الأصنام التي كانت في وسطها، ومن جميع جوانبها، فقد أخرج صنم هُبل من وسطها إلى غير رجعة، وأزيل ثلاثمائة صنم من حولها، وبقيتْ للتوحيد ورفع الأذان من على ظهرها لتنتكس جميع الأوثان، ويعلو أهل الإيمان ويخسأ أهل العصيان
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” عشر الخواتيم ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هذه العشر هي أفضل رمضان؛ لأن النبي يجتهد فيها ما لا يجتهد في بقية رمضان، وتخصيصها يدل على فضلها، وهي آخر الشهر والأعمال بالخواتيم، وهي ثلثه الأخير، وقد فضّل الله الثلث الأخير في عدة أزمان؛ ففضل الثلث الأخير من النهار إذ فيه صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى، ومن صلاها مع الفجر دخل الجنة، ومن تركها حبط عمله، وفيها تجتمع ملائكة العبد الذين يحفظون عمله ويحفظون بدنه، وأمر الله بالذكر بعدها فقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].
وفضّل الثلث الأخير من الليل إذ فيه ينزل الرب تعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله، فيقول: “هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر”.وفضّل الثلث الأخير من الأسبوع إذ فيه الخميس الذي كان يصومه ويسافر فيه، وفيه تُعرض أعمال العبد على الرب تعالى. وفيه الجمعة الذي هو سيِّد الأيام، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وهو يوم السبق إلى الخيرات ويوم القربان.وفضل الثلث الأخير من العام؛ إذ فيه رمضان الذي صيامه الركن الرابع من أركان الإسلام، وفيه أشهر الحج.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” عشر المناجاه ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
ما أجمل ما قاله بعض العلماء عن لذة المناجاة، حيث قال: لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة، أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم.ولتعلم -يا رعاك الله- أن البعد عن الذنوب والمعاصي أثر في التوفيق للطاعة، فالطاعة شرف ورحمة من الرحمن لا ينالها إلا أهل طاعته.فلندع عنا التواني والكسل، ولنسعَ للجد في العمل، فعمَّا قليل نرحل، وبعد أيام نغادر هذه الدنيا، ونخلفها وراءنا ظهريًّا، فلماذا التسويف؟!
– اغتنمها في الدعاء؛ فدعاء ليلة القدر مستجاب، تذكر حاجتك لربك ومولاك، فمن يغفر الذنوب إلا هو؟ ومن يُثيب على العمل الصالح إلا الكريم سبحانه؟ ومن ييسر العسير، ويحقق المطلوب ويجبر المكسور إلا صاحب الفضل والجود؟ فرُبَّ دعوة صادقة منك يكتب الله لك رضاه عنك إلى أن تلقاه، ولا تنسى الدعاء لإخوانك فهو من علامات سلامة القلب، وأيضًا الدعاء للمسلمين من الولاة والعامة، ولا تحتقر دعوة؛ فرُبَّ دعوةٍ يكون فيها الخير لأمتك.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
{ الاعمال الخاصة بالعشر الأواخر من رمضان } الأ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” تأخير العشاء للسحور ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وأنس أنه كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورًا، ولفظ حديث عائشة: “كان رسول الله إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدَّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحورًا”.
وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي ، قال: “لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر”. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: “إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مُطعِم يُطعمني وساقٍ يسقيني”
وظاهر هذا يدل على أنه كان يواصل الليل كله، وقد يكون إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهاد في ليالي العشر، ولم يكن ذلك مضعفًا له عن العمل؛ فإن الله كان يطعمه ويسقيه.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” الإغتسال بين العشاءين ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
من حديث عائشة: “واغتسل بين الأذانين”، والمرادأن رسول الله كان يغتسل بين أذان المغرب والعشاء.وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر.وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر.وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمر ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا. يعني البصريين.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” التزيين واللباس الحسن ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يستحبُّ في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجُمع والأعياد، وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب؛ فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئًا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” الوصال ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان رسول الله لا يأكل شيئا أبدًا لمدة أيام، وهذا من خصائصه؛ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله واصل في رمضان فواصل الناس، فنهاهم، فقيل: إنك تواصل. فقال: “إني لست مثلكم، إني أُطعم وأُسقى”. ولهما من حديث أبي هريرة “وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني”. وعند مسلم من حديث أنس “أن النبي نهاهم عن الوصال، فأبوا أن ينتهوا، واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال، فقال: “لو تأخر لزدتكم”، كالمنكِّل لهم. وفي لفظ عند مسلم “لو مدَّ لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم”.
فمن هذه الأحاديث نعلم أن الرسول كان يواصل الصيام في العشر الأواخر بدليل أنهم رأوا الهلال، وهذا لا يكون إلا في آخر الشهر. وأيضًا شدة حرص الصحابة على الاقتداء به. وأيضًا أن المراد بالإطعام والسقاء ليس هو طعام وسقاء حقيقي، بل “المراد ما يُغذِّيه الله لنبيه من معارف، وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته، وقرة عينه بقربه، وتنعمه بحبه، والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلب، ونعيم الروح، وقُرّة العين، وبهجة النفوس والروح والقلب بما هو أعظم غذاء وأجوده وأنفعه، حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمن، وكما قيل:
لها أحاديث من ذكـرك تشغلها *** عن الشراب وتلهيها عن الـزاد
لها بوجهك نـور تستضـيء به *** ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها *** روح القدوم فتحيا عند ميعاد
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
” ساعةالسحر ”
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~-
في هذه العشر كثير من الناس يكونون مستيقظين هذه الساعة، وهو وقت شريف مبارك، وتعجب ممن يُمضون هذه الساعة في الأحاديث الجانبية، أو لا يرتبون قضاء حاجتهم الضرورية قبل هذا الوقت، فينشغلون بها عن اغتنامه.
أما الذين عرفوا قيمة هذه الساعة وعلو منزلتها فلا تجدهم إلا منكسرين ومخبتين فيها، قد خلا كل واحد منهم بربه يطرح ببابه حاجته، ويسأله مطلوبه، ويستغفره ذنبه، ألا ما أجلها من ساعة! وما أعظمه من وقت! فأين المغتنمون له؟!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
{ أطفالنا في العشر الأواخر }
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
من المهم جدًّا أن يشعر أبناؤنا أن رمضان جاء ليقوِّي إرادتنا، ويحرِّرنا من الضعف..
أيتها الأم الحنون، ازرعي في طفلك هذه التعليمات وطبقيها؛ كي يدرك العشر الأواخر وفضلها ويقوم بالعبادة، ثم ليعتاد عليها في سني حياته المقبلة، وهي كالتالي:
1- قبل دخول موعد العشر الأواخر حدِّثيهم عن فضلها، وعن مضاعفة الحسنات فيها، وناقشيهم في الأخطاء التي وقعوا فيها في العشر الأواخر الماضية.
2- اصحبيه إلى صلاة التراويح ليعايش روح العشر الأواخر ورمضان من صغره، ويمكن أن يشارك في صلاة الركعات الأربع الأولى فقط.
3- حددي للعبادات أوقاتًا محددة في جدول أعمال أطفالك، (مثل: الصلاة في وقتها/ الصلاة في المسجد/ قراءة ورد ثابت من القرآن/ الأذكار… وهكذا). وراجعي أداءهم في نهاية كل يوم؛ لتحفيزهم معنويًّا وماديًّا.
4- إذا كان أطفالك صغارًا فلا تنسي أن تشركهم معك في عباداتك، كلٌّ حسب طاقته.. يقول ابن القيم: “فإن العزائم والهمم سريعة الانقباض، والله I يعاقب من فتح له بابًا من الخير فلم ينتهزه؛ فإنه يحول بينه وبين إرادته”.
5- اجعلي له وقتًا خاصًّا لقراءة القرآن لا يضيعه أبدًا. وتحددين له فيه مقدارًا مناسبًا للتلاوة قابلة للزيادة وليس النقصان!!
اعلمي أنك إن فعلتي ذلك غرست في طفلك أن رمضان والعشر الأواخر موسم للقربات، وسيستمر ما غرسته فيه عندما يكبر، فتكونين شريكة كل أجرٍ سيحصده مستقبلاً
بقلم Mohamed Abd Elshafy