علي عزت بيجوفيتش..
افضل من انجبتهم البوسنة والمفكر الحقيقى والفيلسوف الجدير بوضع تلك الكلمة عقب أسمه والباحث عن الحقيقة فى وسط عالم يشنشن فيه الاخرون بقميص عثمان مغيبين الأخرين تارة تحت دمائه وتارة تحت سيف من قتلوه…
(تاريخ قصير لوضع البوسنة )
بعد الحرب العالمية الاولي انضمت البوسنة والهرسك الي صربيا وكرواتيا وسلوفنيا وسميت بـ(يوغسلافيا الاتحاديه) … وفق اتفاقية سفاتكوفيتش علي اعادة تقسيم الحدود الجغرافيه للدوله اليوغسلافية الجديده وسينتج عنها تقسيم البوسنة بين الصرب وكرواتيا ….. الحرب العالمية الثانيه هجم هتلر علي يوغسلافيا والحقت البوسنة ضمن مقاطعات كرواتيا .
كانت البوسنة كموقع منتصف الجمهورية اليوغسلافية ارادها كلا من الصرب من الشرق وكرواتيا من الجنوب والغرب اتخذها جوزيف تيتو كميدان لمعاركه للقضاء علي الصرب والاعراق الاخري وكانت البوسنة وشعبها هم من تحملوا عبء المعارك علي كاهلهم ومن ارواح شبابهم, وهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل , وظل الصراع قائما بين هؤلاء وهؤلاء كيلا يسعي لنيل ما يقع قرب حدود اراضيه ويستقل عن الاقليم .
سنة 1990 اقام برلمان يضم الثلاث اعراق(الكروات_الصرب_البوشناق(هم مسلمو البوسنة) ) بعد عقد البرلمان اعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما التام عن اقليم يوغسلافيا مما اثار امتعاض الصرب فنادت هي الاخري بالاستقلال وفرض سيطرتها علي الاغلبيه الصربيه داخل اراضي البوسنة ….
نادي بيجوفيتش بالاستقلال عن الجمهوريه الصربيه وانشاء حكومه تضم الاعراق الثلاثه والاستقلال عن كرواتيا وصربيا .
تم الموافقه علي قرار الاستقلال من قبل الدول الاوربيه والولايات الامريكيه المتحده وعلي اثر هذا الاستقلال خاضت البوسنة اعنف حروب شهدتها المنطقه فقد ثار الصرب ضدد هذا الاستقلال وكذالك الكروات مما جعل الصربين يقومون بتوجيه ضربات عنيفه الي المدارس والمستشفيات ودور العباده بل وحتي المقابر (لقد لقي مسلمو البوسنة ابادة جماعيه وتطهير عرقي من قبل الصرب فقد بلغت المجازر البشريه في البوسنة مما يقرب من 200,000 قتيل عوضا عن انتهاك اعراض النساء والمجازر الجماعيه التي وصفت بالابشع علي مدار التاريخ)
عودة
المناضل والزعيم الروحي(علي عزت بيجوفيتش) الذي جمع بين الجهاد والاجتهاد واول من تولي رئاسة البوسنة والهرسك بعد عقود من الحروب والانتهاكات والمجازر دافع عن الانسانيه المنتهكه والمجازر المرتكبه في ظل تهاون المجتمعات الدوليه ولم يواليه ايا من الدول لا الاسلاميه ولا الاوربيه .. كان كالشوكه في حلق النظام الشيوعي لليوغسلافين والصرب خاض ضددهم صراعات تارة لرفضه للاحتلال وتارة رفضه للفكر الشيوعي المتطرف وسجن من قبل النظام تلاث سنوات وكان لايزال في اهبة شبابه ثم سجن ثانية خمس سنوات كعقوبه مخففه من اثنتي عشرة سنه حكمت عليه بتهمتة الدعوة الي الأصولية الإسلامية .
علي عزت بيجوفيتش الذي نشا منذ الطفوله شغوفا بمعرفة دينه رغم التعليم العلماني الذي تلقاه في مدارس سرايفيو بدا بالبحث واتخذ طريقا نحو اليقين ابتداه بالشك وعندما ايقن طريق الحق ولم يعد الإيمان الذي يحمله ذاك الإيمان الذي كان قد ولد عليه، ولم يعد ذاك الإيمان التقليدي الذي كان قد ورثه، ولكن هو الإيمان الذي اكتسبه واعتمده من جديد.
عندها اسس حركة الشبان المسلمين التي كانت تسعي لنشر خطاب ديني متجدد في ظل الافكار الشيوعيه المنتشره والتي تطورت فيما بعد، فلم تقتصر في نشاطها على الاجتماعات والنقاشات وإنما امتدت إلى أعمال اجتماعية وخيرية، استطاعت هذه الجمعية في ظل الحرب العالمية الثانيه تقديم المساعدات والماؤي للاجئين ورعاية الايتام
بيجوفيتش ذاك الرجل الذي حظى بما لم يحظى به اى مفكر أخر مسلم إلا وهو انه نبت فى التربة الأوروبية حيث الفلسفة بكل جنونها وشطحتها (عدمية ، وجودية ، مثالية، براجماتية، نفعية، مابعد حداثة ، مدرسة فرانكفورت إلخ إلخ) وبيئة المفروض انها بيئة مسلمة إلا انها تكاد تختفى تحت ضربات المطرقة والمنجل ، بيد ان بيجوفيتش كان يعرف كيف تورد الأبل و كيف يوازن بين دين يندثر وبين فلسفات مادية لاتعترف إلا بالأنسان تحت مجهر الأرقام ومحض آليات وبين وحوش تطمع فى بلاده وعليه فوق كل ذالك أن يثبت جدارته ويجاهد تارة بقلمه وتارة بسلاحه وتارة بسياسته وتارة بصمته وفى الصمت شئ من الدلالة وفى كل دلالة معنى.
ثم اخرج لنا قريحته في كتابه الذي يعد سابقه نادره بين المفكرين واسلوب فريد في تاريخ المجددين في الفكر الاسلامي ((الاسلام بين الشرق والغرب)).
الكتاب الذي اعتبره ثوره فكريه انه جرعه من الفكر التي ما ان يلبث المرء باستقبالها حتي تعصف بجميع افكاره انه بمثابة اعصار فكري ياخذ الاخضر واليابس من معتقداتك عن الكثيروالكثير عن الاسلام والحضاره الغربيه انه يوضح ما العالم وما الحضاره وما الثقافه
حيث انه لكي نفهم العالم لابد ان نفهم المصادر الحقيقيه التي تحكم هذا العالم.
فبدا بيجوفيتش ببيان الثقافه الغربيه ونظرتهم لمسمي الدين وفكرة الاسلام ثم يطرح فكره هو عن الاسلام في اطار الفكره الجديده وهي ((الوحده ثنائئية القطب )) والتي تضم في مركب جديد القضبين المتضادين الروح والماده معا.
المتأمل لبيجوفيتش فى كتابه ( الأسلام بين الشرق والغرب) يؤمن بانه مر برحله شك فهو عاش فى جو لايعلو فيه سوى بهاريج لينين وتشنجات أقوال تروتسكى ومؤلفات ماركس المُطعمه بمنهج إلحادى متفشى بالأجبار وبالعنف من قبل يوغسلافيا وتيتو والكروات فى نفس الوقت الذى راح يبحث عن موقف الأسلام تجاه كل تلك التناقضات التى يحياها فهل الأسلام يميل لرأسمالية الغرب ام هو أشتراكى فى مهده كالشرق الشيوعى؟ الرجل أتى على جميع مؤلفات الفلاسفة ومنتجات الحضارة الغربية (نيتشه، فرويد ، ماركس، بافلوف، ديكارت ، أغسطين ، البير كامو ، سارتر. كانط, مولر ,…..) ثم وبشكل معُجز أستطاع ان يهضم هذا ويتجه لقرأة الأسلام ويستنبط منه مايتوافق مع متطلبات العصر الحديث وموقف الأسلام ممايجرى من تناحر مجنون وسُعار مأفون وخبل واضح وأزمات نووية لايلوح الحسم فيها على أى افق.
الرجل لم يفعل هذا وهو فى مكتبه وإنما حين زُج به فى سجون يوغسلافيا حين رفع راية العصيان فى وجه اليوغسلافين الذين بدورهم أستدعوا الأمن المرؤوس من قبل ( تيتو) وقبع فيه 3 سنوات كانت كفيله بمنحه من المعانى ماسيفيض في كتابه المؤلم ( هروبى الى حرية) ثم حُكم عليه فى عام 1983 ب12 عاما من السجن بسبب ( نشاطه الدعوى للأسلام ونشر الأصولية الأسلامية) وهى تلك الفترة التى ألف فيه دُرة مؤلفاته ( الإسلام بين الشرق والغرب) الذى قال فيه الكاتب الأنجليزى نويل مالكوم أن( على بيجوفيتش قدم فى كتابه الإسلام على أنه نوع من التوليف الروحي والفكري الذي تضمن قيم الغرب وأوروبا بنظرة عالمية وطريقة للحياة تعلو على كل البدائل الفكرية والروحية بما فى ذالك البدائل الفلسفية والسياسية) ثم فى وقت لاحق أصدر بيجوفيتش (المانفيستو) الجديد وقد سماه :
( الأعلان الأسلامى)
من يقرأ كتاب على عزت بيجوفيتش يجد ان الرجل بالفعل يصدق فيه قول نيتشه : ..
“من بين كل ما كتب لا احب سوى ما كتبه الأنسان بدمه أكتبوا بدمائكم لتعلموا أن الدم هو الروح”
والرجل فى كتابه منذ الفصل الأول من الكتاب الذى تحدث فيه عن الحضارة حتى الفصل الأخير من الكتاب متحدثا فيه عن عبقرية الأركان الخمسة للأسلام (تفسيره للاركان الخمسه للاسلام ادهشتني فعلا) يكتب فى كل شئ بشكل متعمق فهو يبحث في اصول الاشياء واضدادها حتي يصل الي قناعه تخلو من كل شائبه انه رجل جمعى فأوعى و منح وقت وجهد بضمير للمعرفة فأثبت بالطرق العملية ان …..( فأما الزبد فيزهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث فى الأرض) وماينفع الناس هو ماسيظهر متلألأ ليس فقط فى مؤلفاته وإنما فى طريقة إدارته للسياسة وفى معاناة حقيقة ومحن وحروب ضروس لمدة 3 سنوات ضد صربيا وكرواتيا والجبل الأسود.
ومذبحة سربرنيتشا التى فتك بها( كارادتش) جميع المسلمين مطلقا حرب شعواء ونهم مقزز للدماء على المسلمين العُزل وتطهير وتصفية عرقية فاتكا بأكثر من مائتي ألف من البوشناق المسلمين نهيك عن أغتصاب أكثر من 20 الف سيدة بوسنية مسالمة نهيك عن صربيا وكرواتيا التى راحت تصرخ فى الأتحاد الأوروبى امام العالم امام موجات التدافع من قبل المجاهدين العرب الذين جائوا من كل حدب وصوب للدفاع عن البوسنة وأدعت كرواتيا ان قدوم هؤلاء المجاهدين دليل على ان على بيجوفيتش يرغب فى انشاء دولة إسلامية متطرفة.
.استمرت المذابح حتى وصل الرصاص والقنابل وشظاياه بيت على نفسه الذى لولا المصادفة لأصابات القنبلة غرفته وهو فيها وقد كان خارج المنزل حين وقعت الواقعة..ان موقف واحد صرحت به أبنته (ليلى) بعد وفاة ابوها كفيل بإعادة الذاكرة للأمام على عليه السلام حين سُئل ابنه (الحسين ابن على) عما كان ابوه يفعله فى وقت الحرب مع معاوية والقتال ضد الصحابة فى موقعة الجمل فرد : كان أبى يغلق عليه الخيمة ويقرأ القرآن ثم يعفر وجهه فى التراب قائلا وهو يبكى بشدة : يادنيا غُري غيرى..وقد اجابت ليلى : كان يجلس فى غرفته بينما نحن فى (القبو) مخافة ضربات الطائرات والقنابل بينما يقرأ القرآن وهو يبكى بشدة داعيا الله ان ينصره فى حربه…وفي وسط تجاهل المجتمع الدولي تماما ما يحدث في البوسنة من ابشع الجرائم ضدد الانسانيه مما جعل بيجوفيتش في احدي جلسات مجلس الامن و التعاون يوجه كلماته التي خرجت اثر مرارته تجاه المجتمع الاوربي قائلا:
(ان الغرب لا ياخذ علي محمل الجد ما يحدث في البوسنة والهرسك ويكتفي بابداء التذمر الانساني الفارغ ..مما يثير غضب شعبنا فتزدا مقاومته , ان حربنا هي من اجل استقلال اراضينا او بالاحري هي من اجل البقاء علي الحياه , حتي ان الحرب ليست خيارا لنا .لا توجد قوة تجبر 150 الف شخص ان يتركوا اسلحتهم ليدافعوا عن انفسهم ضدد اعتداء غاشم همجي لا انساني لذا من الافضل ان ياخذ الجميع هذا بعين الاعتبار ليس من مصلحتنا فقط لكن لمصلحتهم ايضا , لقد اثبت المقاتلون البوسنيون في معاركهم ضدد جيش تسلح بجميع انواع العتاد صحة قانون الحرب القديم ذاك , ان الجنود لا تنتصر بعتادهم ولكن بقوة قلوب مقاتليهم ).
_ ظل بيجوفيتش يبحث عن طوق نجاه للخروج من هذه الحرب المقيته التي استمرت ما يقرب من الثلاث سنوات فتكت فيها بارواح المسلمون رغم تعمد تضيق الخناق عليه من المجتمع الغربي توصل الي اتفاقية دايتون.
_بعد توقيع إتفاقية دايتون التى كتبها وهو يتجرع سموم الأفاعى من بنودها راضيا بالعيش بالطاعون مع الكروات والصرب تحت مجلس رئاسى يضمهم جميعا أفضل من الموت بالسرطان فى حرب لايلوح فيها سوى وجه الشياطين و بموجبها تم ايقاف الحرب فقد قال كلمته الاشهر في خطابه اثناء توقيع الاتفاقيه ….
( اعرف ان اتفاقية السلام هذه بعيده تماما ان تكون اتفاقية سلام عادله لكنها اعدل من استمرار الحرب لم يكن من الممكن عقد سلام افضل في مثل هذه الظروف, والله خير شاهد اننا عملنا ما بوسعنا لاجل تامين العداله لاجل شعبنا ).
وأنصرف بعدها عن السياسة وعكف على الكتابة والقراءة تاركا السياسة التى ما رغب فيها إلا لشعبه ولنصرة بلاده بعدما لم تترك الحرب لبلاده لا خلف ولا ظلف ولا ذهبا إلا أذهبته ولا فضة إلا فضّتها ولا غلة إلا غلّتها ولا ضيعة إلا ضيعتها ولا جليلا إلا جلّته ولا دقيقا إلا دقته ولا حُسنا إلا قبحته. وكتابه (الاسلام بين الشرق والغرب) يوضح لك فعلا كم كانت رؤيته للحياة وصياغته للوجود شكلت اللبنة الأساسية مع (كارادتش) الملعون والأنكى ان بيجوفيتش بعد دفنه لم تمر فترة طويلة حتى قام الكروات بقذف قبره بصاروخ من حسن الحظ لم يصب قبره بضرر كبير وقد رفض المجلس الرئاسي البوسنى (الذى كان يضم كروات وصرب وبوشناق طبقا لأتفاقية دايتون) ان يتم تسمية أحد شوارع البوسنة باسمه او اى مطار بأسمه او عمل اى تمثال او اى شئ يخلد ذكرى حربه ونضاله .ما فات هؤلاء الكلاب انه لايضير الشاه سلخها بعد ذبحها!
بيجوفيتش..يامن شغفتنا بك وأبهرتننا فى كتابك برؤيتك لداروين وللفن وللموسيقى وللمعمار ولفكرة الدين ولفكرة وجود الله ورأيك عن ساائر المدارس الفلسفية فضلا عن رحيق كتاباتك الذى يشعل الفكر بداخلنا وهو مايجبرنا على العوده لكتابك مرارا وتكرارا .
بيجوفيتش رجل ممن قيل فيهم ( رجال صدقوا ماعهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) وحروبه وجهاده وقتاله بل ودموعه لن تضيع هبائا فمهما جرى لن ننسى النبى داوود حين قال فى مزاميره : ((الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالأبتهاج)). هو وإن أحتجب عنا بموته إلا انه أحتجاب كأحتجاب المصباح بالمشكاة..رحمك الله يا بيجوفيتش يا احد روافد الفكر ومشكاة للعلم في زمن ملبد بغيمات الشك والفتن .
بقلم Reham Elshazly