صعيدي في اليابان
في عام 1906 فى قرية جرجا بمحافظة سوهاج فى صعيد مصر اشترى أحد الشيوخ البسطاء صحيفة وعندما قرأها لفت انتباهه خبر غريب مفاده:
رئيس وزراء اليابان الكونت (كاتسورا) أرسل خطابات رسمية إلى دول العالم ليرسلوا إليهم العلماء والفلاسفة والمشرعين وكل أصحاب الديانات لكي يجتمعوا في مدينة طوكيو فى مؤتمر عالمي ضخم يتحدث فيه أهل كل دين عن قواعد دينهم وفلسفته ومن ثم يختار اليابانيون بعد ذلك ما يناسبهم من هذه الأديان ليكون ديناً رسمياً للإمبراطورية اليابانية بأسرها، وسبب ذلك: أن اليابانيين بعد انتصارهم المدوي على الروس فى معركة تسوشيما عام 1905 م رأوا أن معتقداتهم الأصلية لا تتفق مع تطورهم الحضاري وعقلهم الباهر ورقيهم المادي والأدبي الذى وصلوا إليه ؛ فأرادوا أن يختارو ديناً جديداً للإمبراطورية الصاعدة يكون ملائماً لهذه المرحلة المتطورة من تاريخهم ..
عندها أسرع هذا الصعيدي المتحمس لنصرة دينه إلى شيوخ الأزهر يستحثهم بالتحرك السريع لانتهاز هذه الفرصة الذهبية لنقل دين محمد ﷺ إلى أقصى بقاع الأرض .. فلم يستمع الشيخ إلا عبارات (إن شاء الله)، (ربنا يسهل) و هكذا!!
فكتب الشيخ فى صحيفته الخاصة (الإرشاد) نداءاً عاماً لعلماء الأزهر لكى يسرعوا بالتحرك قبل أن يفوتهم موعد المؤتمر و لكن لا حياة لمن تنادي، و برغم كل هذا الإحباط لم يستسلم هذا الصعيدي البطل؛ فحمل هم أمة كاملة على كتفيه وانطلق إلى قريته الصغيرة ليبيع خمس أفدنة من الأرض كانت جل ثروته لينفق على حسابه الخاص تكاليف تلك المغامرة العجيبة التي انتقل فيها على متن باخرة من الإسكندرية إلى إيطاليا، ومنها إلى عدن في اليمن، ومنها إلى بومباي في الهند ومنها إلى كولمبو في جزيرة سيلان، ومن هناك استقل باخرة لشركة إنجليزية متجهة لسنغافورة، ثم إلى هونج كونج، ثم سايجون في الصين ؛ ليصل أخيراً إلى ميناء يوكوهاما الياباني بعد مغامرة بحرية لقي فيها الأهوال والمصاعب و هناك فى اليابان كان العجب!!
فلقد تفاجأ هذا الشيخ الصعيدي على الميناء بوجود شيخ هندي وشيخ بربري من مشايخ القيروان في تونس وشيخ صيني من تركستان الشرقية وشيخ قوقازي من مسلمي روسيا، كل هؤلاء جاءوا مثله على نفقتهم الخاصة ليجدوا أن الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني أرسل وفداً كبيراً من العلماء الأتراك !
ليجتمع أولئك الدعاة جميعاً و يكونوا وفداً إسلامياً ضخماً مكوناً من مسلمين من أقطارٍ مختلفة ليحمل كل واحدٍ منهم رسالة محمد بن عبدالله ﷺ في وجدانه ليوصلها إلى إمبراطور اليابان شخصياً.
وهناك في طوكيو أسلم الآلاف على أيدي تلك المجموعة الربانية و كاد امبراطور اليابان (ألماكيدو) نفسه أن يسلم على يد ذلك الشيخ الصعيدي البطل بعد أن أبدى إعجابه بالإسلام إلا أنه خاف على كرسيه الامبراطوري بعد أن احتج الشعب على ذلك المؤتمر ..
فأخبر (الماكيدو) الشيخ الجرجاوي أنه إذا وافق الوزراء على تغيير دين الآباء فإنه سيختار الإسلام بلا أدنى شك ..
فخرج الجرجاوي – رحمه الله – إلى شوارع طوكيو برفقة الترجمان ليُسلم على يديه آلاف اليابانيين وليعود بعدها إلى مصر ليصف تلك الرحلة العجيبة إلى بلاد الشرق فى كتاب من أجمل كتب أدب الرحلات في القرن العشرين أسماه (الرحلة اليابانية)، وضع فيه نفائس القصص الممتعة وغرائب الحكايات الشيقة التي عايشها فى رحلته الدعوية إلى اليابان.
ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﻠﻲ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺠﺮﺟﺎﻭﻱ ﻭﺍﺣﺪًﺍ ﻣﻦ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﺼﺮ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﺧﺬﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺑﺄﻥ ﻳﻌﻤﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﺣﻴﺚ ﺃﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ ﻣﺎ ﻳﻘﺮﺏ ﻣﻦ 12 ﺃﻟﻒ ﻳﺎﺑﺎﻧﻲ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻮﺍﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻠﺪﻋﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻫﻨﺎﻙ .
بقلم Reham Farouk Basyone