in

شيخ العربجية – حرافيش القاهرة

شيخ العربجية – حرافيش القاهرة

 

كنت شديد الإعجاب بالمعلم (علي فضل الله) العربجي الشهير ولعله كان شيخ العربجية. وقد انتهي هذا العصر او اوشك علي الانتهاء. واصبحت سيارات النقل الخفيف والمتوسط والثقيل تحل مكان عربات الكارو.

وقد لفت نظري في صباي شارب المعلم علي فضل الله المنكوش فقد كان شاربا غريبا بين شوارب العصر الماضي التي كانت مدببة مهذبة مرفوعة الي اعلي او الي أسفل. وكان اشهرها شارب الملك فؤاد المدبب المرفوع الي أعلي والذي قلده في ذلك كثيرون من الباشوات والعياق.

كان العصر هو عصر موضة الشوارب حتي ان احد الحلاقين في شارع عبد العزيز تخصص في تسوية الشوارب علي طريقة الملك فؤاد وكانوا يسمونها طريقة (كوزماتيك) ولها وسائل ومواد تجميلية خاصة ايضا في تدبيب الشوارب ورفعها الي اعلي.

وقصة الشوارب من امتع القصص في تاريخ مصر وفي تاريخ العالم ايضا. وقد حاول نابليون القضاء علي اسطورة الشوارب واللحي فحلق شعر لحيته وشاربه واصبح وجهه ناعما بعد ان كان كل الملوك والاباطرة لهم لحي وشوارب يتميزون بها ويحبون إظهارها للناس. ويبدو ان موضة حلق الذقون انتشرت في مصر بعد الحملة الفرنسية واصبح كثيرون من المصريين يحلقون لحاهم ويسوون شواربهم. وقد كان الشارب من علامات الرجولة.

وعندما انتشرت موضة حلق اللحية وترك الشارب وتهذيبة وتسويته في مصر. اصدر عباس باشا الاول فرمانا يلزم الموظفين في الحكومة بترك لحاهم. وكان جزاء الذي يحلق ذقنه الفصل من الخدمه.

ومن العقوبات التي كانت سائده في عصر المماليك ان السلطان كان يصدر حكما قاسيا علي احد المذنبين فيحلق شاربه او نصف شاربه ويأمر بإركابه حمارا بالمقلوب ويطوفون به في القاهرة حتي يشاهدة الناس علي هذه الصورة المزرية.

وقد ذكرني شارب المعلم علي فضل الله بهذه الحكايات. فقد كان هذا الشارب اهم سمات شخصيته. وكان شاربا منفوشا عظيما جليلا يكاد يملأ وجهه ويسيطر علي ملامحه. ومن الصعب ان تجد وجه بلا ملامح في العينين او الانف او الاذنين. ولكن المعلم علي كان صاحب الوجة الذي تختفي كل ملامحه بسبب شاربه الممتد فوق شفته العليا ويلمس شفته السفلي ويبدد معالم خديه وشكل انفه.

وكان حلاق هذه الطائفة من الناس يجلسهم علي الرصيف تحت شجرة ويمارس عمله وكنت اري اخر هؤلاء الحلاقين في السنوات الاخيرة يجلس تحت الاشجار الباسقة عند كوبري الملك الصالح في منطقة فم الخليج.

وقد كان المعلم يتزعم طوائف العربجية في حي عابدين. كانوا يطيعون امره. وكانت لهم اختصاصات فمنهم من ينقل البضائع ومنهم من ينقل الاثاث . وفيهم متخصصون في نقل الخزائن الحديدية وهي عملية تحتاج الي خبرة عظيمة.

وكان المعلم علي فضل الله يتألق في الحي عندما يعلن زواج فتاة من بنات الاكابر. فقد كان من العادة نقل جهاز العروسة بطريقة لافته للانظار.

كان موكب هذه العربات يتقدم عربة بعد عربة امام بيت العروس ولابد ان تكون عربة المعلم علي فضل الله هي العربة الاولي في الموكب ويحدد بنفسه طريقة وخط سير العربات التي تتحرك واحده بعد اخري الي الحارات المجاورة. وكانت تعليمات المعلم تحتم غسل العربات وتنظيفها في الليلة السابقة وكذلك غسل الخيول والحمير وقص شعورها ان كانت قد طالت.

وفي نقل جهاز العروس من بيتها الي بيت زوجها كانوا احيانا يزينون عجلات العربات بالورق الملون والورد والاغصان الخضراء حسب رغبة والده العروس. وقد لا يصنعون هذه الزينة وفقا لرغباتها وتوفيرا للنفقات. كما كانوا يزينون الخيول والحمير ايضا بالورود والاغصان التي توضع علي رقابها وفوق رأسها وظهرها.

المهم ان طائفة العربجية كان لهم دور عظيم في اسعاد الناس في الجيل الماضي. وهم الذين يسعدون الاطفال عندما يحملونهم علي عرباتهم وهم في ملابسهم الجديدة الزاهية في الاعياد والمواسم الي شاطئ النيل ومعهم طبولهم وزماراتهم التي تملأ الجو بهجة ومرحا.

وقد رسم نظر احد الرسامين الفنانين من اهل الصين هذا المنظر فرسم لوحات فنية بديعة لعربات الكارو التي تحمل الاطفال في الاعياد والمواسم.

حرافيش القاهرة / عبد المنعم شميس

بقلم Nihal Mustafa

Report

اخبرنا برأيك ؟

200 نقاط
Upvote

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *