الفهرس
العالم المصرى سعيد السيد بدير ولد فى 4 يناير 1949م بحى روض الفرج بالقاهرة و المتوفى اغتيالاً فى 14-يوليو-1989م فى مدينة الأسكندريه .. فى حادث مجهول غامض .. شأنه كشأن كل حوادث اغتيال العلماء ذوى المكانة الخاصة و الاسهامات الحقيقية فى دفع مكانة مصر المنكوبة الى الأمام.
هل صرحت مبكراً بأن الحادث اغتيال ؟؟ نعم .. اوقن تماما ان مثل هذا الحادث لا يكون الا اغتيالاً.. التفاصيل تخبرنا كل شيء.
والده هو المخرج و الممثل و السيناريست الراحل الفنان السيد بدير”الذى اشتهر بشخصية عبد الموجود ابن كبير الرحيمية قبلي” .. و هو الأخ غير الشقيق للطيار الشهيد بدير السيد بدير “ابن الفنانة شريفة فاضل” .. الذى استشهد فى اكتوبر 1973م .. لتمزق امه بعدها نياط قلوب الثكالى من نساء مصر فى مرثيتها المشهوره “أم البطل” .. حيث ترفعت عن احزانها المنفرده لتشارك كل الأمهات بتلك الكلمات ..
ابنى .. حبيبى .. يا نور عينى
بيضربوا بيك المثل
كل الحبايب بتهنينى
طبعا .. ما انا ام البطل.
فهل كان مقدراً لتلك المرثية ان تكون الرثاء الرسمى لابناء السيد بدير ، حيث فقد السيد بدير أثنين من ابنائه؟؟
البداية
الدكتور سعيد السيد بدير .. عالم مصري تخصص في مجال الاتصال والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية خارج الغلاف الجوي .. ظهرت علامات ذكاءه الفائق فى مراحل مبكرة من حياته القصيرة .. حصل على المركز الثاني على مستوى الجمهورية فى شهادة اتمام الثانوية العامة بمجموع 95% .. وقتها كان للدرجات قيمتها .. تخرج من الكلية الفنية العسكرية وعين ضابطاً في بالقوات المسلحة المصرية .. ثم معيداً في الكلية نفسها عام 1972م .. ثم مدرساً مساعداً ثم مدرساً عام 1981م .. و توالت إنجازاته العلمية حتى قالوا عنه انه يضع يده على الحديد فيتحول الى ذهب .. و تحول سعيد من مدرس بالكلية الفنية العسكرية إلى رئيس قسم الموجات والهوائيات في إدارة البحوث والتطوير في قيادة القوات الجوية .. تدرج فى الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة عقيد مهندس .. وأحيل إلى التقاعد بناء على طلبه فى العام 1987م .. ليعمل بعدها كأستاذ زائر لمدة عامين في جامعة دويسبرج في ألمانيا الغربية (وقتها) ويتحول الدكتور سعيد خلالهما بسرعة إلى اسم لامع في المحافل العلمية الدولية بعد حصوله على درجة الدكتوراة في الهندسة الالكترونية من جامعة “كنت” في إنجلترا.
عالم الفضاء والأقمار الصناعية سعيد السيد بدير
فى عامه الثامن و الثلاثين .. احتل المرتبة الثالثة من بين 13 عالماً على مستوى العالم في مجال الميكروويف .. بدأت الحكومة الألمانية استغلال تفوقه بعدها فى مشروع عسكرى خاص “المشروع 254″، كان هدفه التوصل الى امكانية التشويش على الأقمار الصناعية فى فضاء الكوكب.
فى أكتوبر عام 1988م .. حاولت الحكومة الأمريكية عقد اتفاق مع الدكتور سعيد لإجراء المزيد من الأبحاث تحت اسم مؤسسة ناسا والتي بعد انتهاء تعاقده مع جامعة دويسبرج .. و المقابل معروف بالطبع ..جواز السفر الأزرق و الملايين الخضراء الكثيرة و الامكانيات غير المحدودة .. وصلت بوادر هذا الاتفاق الى جامعة الدكتور سعيد الألمانية .. التى بدأت فى رد فعل عنيف مع الدكتور سعيد لاجباره على التنازل عن فكرة التعاقد مع الأمريكيين .. و ذكرت زوجته أنهم كانوا يكتشفون عبثاً في أثاث مسكنهم و اختفاء لبعض كتب زوجها و بعض نتائج ابحاثه الهامة .. مع تطور الأمر الى محاولات القتل عن طريق حوادث الطرق و محاولة اغتيال احد الابناء ..
شعر الدكتور سعيد بعدها أن حياته وحياة أسرته فى المانيا لم تعد آمنة .. فكان خطؤه الأكبر أنه قام بارسال رسالة إلى الحكومة المصرية طالبا الحمايه .. حيث ردت المخابرات المصريه فورا و بثقه بأن عليه العوده الى ارض الوطن .. و الوطن متكفل بحمايته.. على أساس ان التاريخ يذكر نجاحات اجهزتنا الامنية فى الحفاظ على حياة العلماء دوما طالما كانوا فى حضن الوطن.
اطمأن الدكتور سعيد لرد المخابرات .. و بدأ يعد العدة للعودة الى مصر بصورة نهائية .. فى ذلك الوقت تركزت آخر ابحاثه حول أقمار التجسس الصناعية .. حتى تمكن بالفعل من التوصل الى طريقة للسيطرة على الاتصالات مع قمر صناعى عسكري .. الأمر الذى دفع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الى اصدار قرارا بتعيينه مستشاراً علميا لرئاسة الجمهورية فى مجال الأقمار الصناعية و الاتصالات.
مع تزايد التهديدات .. شعرت الأسرة بأنها فى مأزق حقيقى .. و تحكى زوجته انها عادت الى مصر منفردة فى 14 ابريل بينما لحق بها الدكتور سعيد سرا فى 9 يونيو بدلا من الانتظار حتى نهاية عقده فى ديمسبر و ذلك بعد التشاور مع رئيسه فى العمل البروفيسور”انجوفولف” الذى نصحه “شخصيا” بالهروب دون ابطاء .. و فى رحلة عودته الى مصر وعند صعوده الى الطائرة حاولت المخابرات الألمانية منعه من السفر ولكن قائد الطائرة التابعة لشركة مصر للطيران كان رجلاً قويا .. حيث رفض بشده ان يخضع أى مسافر داخل الطائرة الى اى اجراء استثنائى .. الطائرة أرض مصرية .. و المسافرون بداخلها تحت السيادة المصرية .. فلن يكون هناك اى اجراء استثنائى الا بعلم و موافقة شركة الطيران و السفارة المصرية.
استقر الدكتور سعيد فى الإسكندرية حيث شقة يملكها شقيقه سامح بدير طالبا الهدوء و العزلة حتى يتمكن من استكمال أبحاثه الخطيرة و لصرف نظر عيون مراقبيه عنه .. و ان لم تنقطع علاقته بألمانيا و السبب معروف و مقبول بالطبع .. و هو عجز الحكومة المصرية “الدائم” عن توفير الامكانيات اللازمة لاتمام مثل تلك الابحاث.
بعد ان رفضت الهيئة العربية للتصنيع و المصانع الحربية تبنى مشروعه بالتمويل و للتغطية على نشاطه .. قرر الدكتور سعيد افتتاح مصنع للألكترونيات بمعونه ألمانية فى مصر كنوع من انواع التموية عن النشاط الاصلى .. و ذلك ليقتنع المراقبون انه انصرف عن الابحاث الى مجال جمع الأموال .. تلك لغة يفهمها المراقبون جيداً و سبب قد يكون مقنع لصرف انظارهم عن الدكتور سعيد فقط ان ظننا انهم بمثل سطحيتنا و تغفيلنا و تفاهة حسنا الأمنى.
لغز اغتيال العالم المصري سعيد السيد بدير
بعد الإعلان عن المصنع بأسبوع .. تحديداً في 13-يوليو-1989م .. تلقى قسم شرطة شرق في الإسكندرية بلاغاً عن سقوط شخص ما من الطابق الرابع فى البناية رقم (20) بشارع طيبة فى منطقة كامب شيزار .. فوجئ أحد جيران الدكتور سعيد انه اثناء بحثه عن مصدر رائحة الغاز القوية فى المبنى .. سمع صوت ارتطام شديد بأرض الشارع .. و عندما اسرع الى النافذة ليستطلع الامر .. وجد جثة رجل فى الاربعينات من العمر تنزف من منطقة الرأس و المعصم الايسر.
لم يتعرف احد على الضحية من الجيران او العمارات السكنية المجاورة .. فقد كان المتوفى غريبا عن الحى كله .. بمعاينة موقع الحادث وجد رجال المعمل الجنائى انبوب الغاز فى غرفة النوم .. خالى تقريبا من الغاز .. بالاضافة الى بقعة دماء حديثة و كبيرة و وحيدة على وسادة السرير فى غرفة النوم .. و تخرج عناوين الصحف فى اليوم التالى على ان القتيل هو ابن الفنان الراحل السيد بدير و الحادث ما هو الا حادث انتحار.
الى هنا .. و كان من الممكن ان تمر الامور مرور الكرام .. حتى كان يوم استدعاء شقيق القتيل “صاحب الشقة” الى النيابة لتسجيل اقواله التى كشفت عن حقيقة شخصية القتيل و ادت الى ظهور مئات من علامات الاستفهام و الاستنكار حول موضوع الانتحار.
الانطباع الاول .. يقول ان الدكتور سعيد فتح انبوب الغاز .. ثم قطع شريان يده .. ثم قفز من الطابق الرابع حيث يسكن .. الرجل يبدو مصمماً على الانتحار بثلاثة وسائل مختلفة.
اذا وضعنا جانبا ان ديانة الراحل و معتقده ينص بوضوح على خروج المنتحر من الملة .. و باستحضار كلام زوجته انه كان رجلا متدينا .. فهناك عدة نقاط تهدم فرضية الانتحار من الاساس بعيدا عن حرمته الدينية و رفض المصريين للفكرة من الاساس ..
اولا .. عدم معقولية الواقعة .. يكفى المنتحر وسيلة واحده للقيام بالمهمة .. بدلا من اختيار ثلاث وسائل .. هل ينتحر ام يعذب نفسه ؟؟
ثانيا .. خوف الراحل الشديد على اطفاله و وصيته لشقيقه بخصوصهم .. كيف يجتمع الخوف على الاطفال (الرغبه فى المستقبل) مع الرغبه فى الانتحار(اليأس) ؟؟
ثالثا .. و هى الفرضية الاقوى .. عثر رجال الشرطة بين اوراق الراحل على مقدمة بحث علمى بخصوص التحكم فى وسائل الاتصال بالاقمار الصناعية .. اى ان الرجل لم يكن يكذب عندما اخبر شقيقه انه مقدم على بحث هو الاهم و الاخطر فى حياته.
من وجهة نظر اخرى .. هناك اشخاص اقتحموا شقة الدكتور سعيد .. قام احدهم بفتح محبس الغاز .. فى نفس الوقت كان اخران يشلان حركة الفقيد من اجل افقاده الوعى .. ثم قطع شريان يده .. و بعدها السقوط من عل .. حيث اثبت الطب الشرعى ان الراحل قد مات قبل ان يسقط فعلا .. اى ان القتلة فتحوا محابس الغاز و القوه من اعلى للتموية لا اكثر .. لقد قتلوه بقطع شرايين يده .. و انتظروا حتى فاضت روحه الى بارئها .. ثم فتحوا الغاز و القوه من الشرفه .. و هذا يفسر سماع الشاهد لصوت الارتطام .. بينما كان يبحث عن مصدر رائحة الغاز .. بالتأكيد يستغرق الغاز وقتاً حتى تنتشر رائحته فى المبنى و تكون ملفته للجيران من اجل البحث.
فى حديث مع زوجة السيد بدير .. اجراه الدكتوره سمير محمود قديح “الباحث فى الشئون الامنية و الاستراتيجية” .. أفادت بأن الراحل لم يواجه اى سبب يدفعه الى الانتحار .. فلا هو فاشل اجتماعيا ولا علميا .. لا ازمات مالية ولا متاعب صحية .. لا معتقدات خاطئة ولا نظريات الحادية غريبة .. بل كان الراحل معتدل الايمان مستقيم السلوك صحيح البدن رياضيا .. و فى الجانب الاخر .. ينتظره مستقبل باهر .. فلماذا يكون الأنتحار ؟؟
لم يتم الإعلان بالطبع عن الجهة المعنية بقتله لسبب بسيط .. هو أننا بالفعل لم نعلم من هو القاتل .. هناك مصادر أمنية اشارت إلى احتمالية قيام أجهزة المخابرات باغتياله .. خاصة جهاز الموساد الإسرائيلي .. ذكاء خارق فى واقع الامر من أجهزتنا الأمنية .. لا أعلم كم من الوقت كنا سنحتاج حتى نتوصل الى ذلك الربط العبقرى. شخصيا .. لا اعلم كيف يقتحم اغراب شقة سكنيه فى احد احياء مصر المزدحمة .. ثم يقتلون صاحبها و يهربون بدون اى أثر .. اين الجيران و فضولهم المعتاد ؟؟ اين حارس العقار ؟؟ اين مخبرى الشرطه الذين يعلمون كل شيء عن كل شيء ؟؟
سؤال اعتراضى آخر ..
ماهى خطورة ما كان يبحث فيه الدكتور سعيد حتى يتم اغتياله بهذا الشكل ؟
اثناء الحرب الباردة .. تطورت وسائل الاتصالات بشدة من اجل اغراض التجسس .. المعسكر الشرقى فى مواجهة المعسكر الغربى فى سباق التسليح و التكنولوجيا الشهير .. حاول السوفيت الاستفادة من تكنولوجيا الاقمار الصناعية فى تحديد الاحداثيات على الارض .. الهدف الاكبر .. تحديد المواقع العسكرية من اجل ضربات فجائية وقت اللزوم .. لكنهم فشلوا بسبب استخدام اقمار صناعية منخفضة المسار .. تبع ذلك فى سنة 1974م محاوله ناجحة من وزارة الدفاع الامريكية اقتصرت على الاغراض العسكرية فقط .. فى العام 1983م .. سمح للاغراض المدنية بالاستفادة من تلك التكنولوجيا فى تحديد الاحداثيات على الارض بعد اضافة نسبة خطأ فى تحديد المواقع الصحيحة تبلغ 100 متر .. اى انه عند البحث عن مكان ما .. تحصل على موقع “تقريبى”.. يجيبك القمر الصناعى بان هدفك موجود فى مكان محدد (الحقيقة انه على بعد 100 متر من هذا المكان) .. تطور الامر بعد ذلك فى الاغراض المدنية حيث قامت الشركات المنتجة لأجهزة التتبع بتصحيح الخطأ و الوصول الى نتائج دقيقة.
يحتوى نظام التعرف على الاحداثيات باستخدام الاقمار الصناعية على الاتى :
– الاقمار الصناعية (24 قمراً صناعيا موزعه على 6 مدارات فضائية .. تبعد 20 الف كيلومتر عن الارض .. و تبعد عن بعضها بمقدار 55 درجة)
– مراكز التحكم (5 مراكز ارضية موزعة على مساحة واسعة لمراقبة مسارات الاقمار)
– اجهزة الاستقبال (تستقبل الاشارات من 3 اقمار فى وقت واحد من اجل تحديد الاحداثيات و التوقيت او 4 اقمار من اجل الاحداثيات و التوقيت و الارتفاع عن سطح البحر)
ابحاث الدكتور سعيد تركزت حول الاتصالات مع الاقمار الصناعية و تخفيض المدة الزمنية اللازمة لاستقرار القمر الصناعى و كيفية التواصل معه .. تحديداً دارت ابحاثه حول نقطتين اساسيتين ..
1. كيفية التحكم في المدة الزمنية منذ بدء إطلاق القمر الصناعي إلى الفضاء و حتى لحظة انفصاله عن الصاروخ الذى يحمله ليستقر فى مداره.
2. التحكم في المعلومات المرسلة من القمر الصناعي إلى مركز استقبال المعلومات الأرضى .. سواء أكان قمراً للأغراض العسكريه او السلمية و ذلك عن طريق فك شفرة الاتصال.
فى آخر ابحاثه .. تمكن الدكتور سعيد من فك شفرة الاتصال بين المحطة الارضية و القمر الصناعى .. سواء كان ذلك القمر معدا للأغراض المدنية او الاغراض العسكرية .. ان اى الدكتور سعيد كان لديه القدره على استقبال كافة المعلومات المتبادلة بين القمر الصناعى و مركز التحكم .. الأمر الذى ازعج اجهزة الاستخبارات العالمية بشده .. و كان القرار الحاسم بالتخلص من العالم العبقرى.
فى كتابه الرائع .. الموساد – اغتيال زعماء و علماء .. يذكر الكاتب الصحفى حماده امام 6 اسباب قويه و منطقيه للغايه تجعل من اسرائيل المستفيد رقم 1 من قتل الدكتور سعيد بدير و وأد ابحاثه فى مهدها .. اسباب تنطبق على كل حوادث الاغتيالات مجهولة الفاعل.
تلك المرة .. لن اسأل عن ابحاث الدكتور سعيد التى اختفت طبعا بعد وفاته.. لقد اصبح السؤال مملاً .. و لكن هناك سؤال غبى آخر..
هل نال أسم الدكتور سعيد بدير ما يستحق من تكريم بعد وفاته ؟؟
في 19 يناير 2014م بعد حصوله على قلادة تاميكوم من الطبقة الذهبية .. ادرج اسمه في قائمة الشرف الوطني المصري .. قلادة تاميكوم هي قلادة شرفية من ثلاث طبقات تمنح مصحوبة بشهادة توثق حيثيات حصول الممنوح له القلادة .. تعتبر القلادة هى الاولي من نوعها التي تمنحها جهة مصرية مجتمعية أهلية لكل من اسهم و يسهم في خدمة الوطن في المجالات المحددة بلائحة المنح .. هدفها الاساسي هو تحفيز كل مصري و مصرية أن يضع نصب اعينه أن يكون متفوقا و ناجحا و عظيما و ان يؤثر بنجاحه في وطنه مصر.
بلغة اخرى .. هى شهادة تشبه درع الشركه التى تحصل عليه وقت احالتك للتقاعد.
بقلم Ahmed Hosni