كانت هناك .. في الركن المقابل لذلك المطعم الفقير .. اراها دوما منذ ظهرت فجأة .. تلتحف الهواء لتخدش برودته بشرتها .. تحتمي منه باسمال انهكها اغتصاب الدهر لكنه لم ينجح في منعها من ستر ما تيسر له من جسدها .. تفترسها الاعين فتبحث عاجزة عن سترة تقيه قذائف نظراتهم .. بحدقتين يتلألأ فيهما الدمع تفتش عمن يساعدها .. لكنها تصطدم دوما في اعينهم بوحشية لم يبال ايهم بمواراتها .. باشتهاء دائم تقرأ حروفه في كل نظرة تتلمسها ..
اراها دوما لكني لا التفت اليها .. راقبتها ذات يوم من نافذتي ولاحظت اختلاجاتها وخوفها الدائم ممن يقتربون منها .. عطفها الشديد على القطط ومشاركتها طعامها القليل الذي تلتقطه من قمامة المطعم .. حاولت اعطاءها بعض النقود بالامس لكنها رفضت باباء .. حاولت الا انظر لكن لم استطع منع عيناي من التلصص على ما تكشفه تمزقات ردائها .. اقتحم الغضب ملامحها .. توارت خلف قطعة من الكرتون واشاحت بوجهها عني .. اتاني تصرفها صفعة اعادت لي ما فقدت من انسانية .. اعتذرت لها وانصرفت نادما .. طرقت نبراتها الرقيقة اذاني متسائلة عن صدق رغبتي بمساعدتها .. التفت بسرعة مؤكدا ذلك ابحث عن كفارة اثمي الذي لم تمض عليه لحظات .. اطرقت برأسها خجلا .. قالت بصوت هامس انها تريد اي شيء يسترها .. اي شيء يمنع عنها تلك النظرات ..
تأملت الدموع في عينيها المتألمتين التين زادهما الحزن حسنا .. وعدتها باحضار بعض الملابس في اليوم التالي ..
في ذات المساء اخبرت زوجتي عنها وبرغبتي في مساعدتها ببعض الملابس القديمة كي اقيها شر البرد والنظرات .. تحمست للفكرة واتتني بكيس منتفخ بملابسها التي لم تعد تتسع لها مطالبة اياي ان احاول ايجاد مكان يؤويها .. لم استطع النوم منتظرا تلك اللحظة .. ممنيا نفسي برؤية السعادة ترتسم في عينيها .. في الصباح غادرت مبكرا .. اتجهت الى حيث اعتدت ان اجدها .. لكنها لم تكن هناك .. لم تجد سوى بعض القطط التي اعتادت اطعامها .. قطعة الكرتون التي توارت خلفها في اليوم السابق .. تلفت حولي لم ارها في اي مكان .. دخلت الى المطعم اسأل عنها .. هز احدهم رأسه باسى .. اخبرني ان بعض الضباع لم تكتف بالنظرات .. بانهم اتو في ساعة متاخرة ليحملوها الى الزقاق الخلفي ويتناوبوا على افتراس ادميتها .. قبل ان يشق احدهم حنجرتها لتلفظ روحها في بركة من الدم والدموع والمني .. اخبرني ان كاميرات المراقبة سجلت كل شيء .. ان الشرطة قد قبضت على الجناة .. ما زالت الدموع تسيل حارة من عيني لا اراديا كلما نظرت الى الركن هناك .. فهو دائما يذكرني .. بأنني قد تأخرت .
بقلم محمد خلف