in

مراجعة رواية كل هذا الهراء لعز الدين شكري فشير

مراجعة رواية كل هذا الهراء لعز الدين شكري فشير

مراجعة رواية كل هذا الهراء

نداء لأصحاب القلوب الضعيفة والأحاسيس الخُلقية والدينية والوطنية المرهفة ألَّا يقرأوا هذه الرواية. قراءة هذه الرواية ليست عملًا إجباريًّا، بل اختيار من القارئ. ومن ثَم، يتحمل القارئ مسؤولية أية خدوش أو أضرار قد تصيبه. عزالدين شكري فشير.

تنوية..إنها رواية تخدش الضمير قبل الحياء

وهكذا سلب عز الدين شكري فشير حق إنتقاد الجانب اللأخلاقي في الرواية لأن القارئ هو من إختار قراءتها بكامل إرادته ولا أدري شيئاً عن وجود رقابة على ما يتم نشره من عدمه، فبالرغم من تنويه المؤلف عن إن روايته لن تناسب الجميع إلا إني صراحة لم أكن لأتخيل أبداً مدى ما وصلت إليه أحرف الرواية من تحرر أخلاقي .. لذا يكفيني ويكفيها تقييماً يرضيني وفي ذات الوقت لا أُثني أى شخص عن رغبته في قراءتها فللجميع الحق في قراءة ما يرغب حتى أنا ولكني قرأتها بدافع التحدي.

أما عن أسلوب الكتابة فكان ممتع وبسيط مما منحني الرغبة في إكمال الرواية حتى وصلت إلى نهايتها التي حتى وإن وددتها مختلفة إلا إنه لم يكن هناك أنسب منها وإلا كانت ستصبح نهاية تقليدية بحتة .. و كنت قد قرأت منذ فترة رواية عناق في جسر بروكلين بناءً على مراجعة كان مطلوب مني في إحدى مذابح سطور و رأيت الآن إنها تستحق قراءة أخرى بعد مرور هذا الوقت على لقاءنا خاصة بعد دخولي أكثر في عالم فشير .. ومن العجيب أن أكثر ما أعجبني في الرواية هو الجزء الخاص بـ بهاء و شريف والسبب كان إما من المؤلف وكتابته لهذا الجزء بمزيد من الوصف والتركيز والدقة أو لسبب آخر لا أعرفه.

كل هذا الهراء هي مزيج من الحياة السياسية في مصر في فترة ثورة يناير وما بعدها مع حال بعض من البشر من خلال قصص يسردها عمر فخر الدين على مسامع أمل مفيد وأظنها ما بين الواقع و خيال عمر الذي أضاف إليها بعضاً من الأحداث، قصصاً ترمز لجميع فئات الشعب تقريبا ومن خلال شخصياتها.

ترى شباباً يقمعون صديقاتهم : ما هذه الملابس التي ترتدينها ؟ .. أنا الرجل .. لما أتكلم ًنا تسكتين انت ، رأى شباباً يدعون للإعتصام ثم يرفضون مبيت صديقاتهم في الميدان، و رأى فتيات يتحدثن طيلة الوقت عن المساواة لكنهن ينتظرن أن يدفع الشباب ثمن المشاريب، رأى شباب وفتيات يصرخون طيلة النهار مطالبين بالعدالة الاجتماعية بل يخاطرون بحياتهم طلباً لها ثم ينقلبون لطبقيين كاملين في جلسات المساء.

كان إختيار اسم أمل للبطلة إسماً على مسمى فعلا وليست مصادفة أن يطلق عليها هذا الإسم فكمّ التفاؤل الذي يغمر قلبها و الايمان بميلاد افضل لمصر هو نفسه حال بعض منّا و ربما هي ترمز لذوي الجانب المشرق في الحياة.

نحن هنا أمام حكاية رئيسية عن أمل وعمر وليلتان يقضيانهما في الفراش، تتخللها حكايات متفرقة يحكيها عمر هنا يمثل الواقع كما هو بسوداوية وكئابة بدون تزيين، يؤمن بأن الأيام (….) فايدتها النوم ولا يوجد أيام سوداء أكثر من هذه، وأمل تمثل الجانب المشرق السعيد المتفائل أكثر من اللازم.

عمر فخر الدين الذي نشأ وترعرع وسط جماعة تنظيم القاعدة في السودان، يعمل على تاكسي تركه له أبوه الإرهابي المطارَد. وأمل الأمريكية الجنسية التي عادت إلى بلادها تساعدها على تقدمها، وتقدم عملها مع المؤسسات الخيرية وكانت تساعد الثورة من خلالها، ثم تحبس في قضية التخابر الأمريكي الشهيرة وتخير بين التخلي عن الجنسية أو الحبس فتختار الحبس، لكنها بعد سنة لن تتحمل وستترك التخلي عن الجنسية ومغادرة البلاد، وعلى إثر الإفراج عنها ستقام حفلة كبيرة لها وتخرج منها ثملة في انتظار تاكسي. تلتقي بعمر فتطلب منه أن يوصلها ثم تطلب منه أن يصعد معها وتبدأ الرواية على مشهد استيقاظهما في الصباح، ثم يمارسا الجنس مرة أخرى. يتفقا بعدها أن يظل عمر معها يومين إلى أن يحين ميعاد طائرتها بشرط أن يحكي لها كل شيء عن الثورة وعن حياته أو حكايات عمّن يعرفهم.

بعيدًا عن روعة الرواية.

هناك بعض الكتّاب يمرون على الجنس في كتاباتهم دون تفاصيل، والبعض الآخر يغوض في التفاصيل.. سواء اختار الكاتب الاختصار أو الإسهاب فهذا لا يدل على الضعف أو القوة، ولا الجرأة ولا الالتزام الخلقي، ومن جهتي لا أجد غضاضة في قرائتها في الحالتين.. حرية الاسهاب أو الاختصار متروكة للكاتب وعلى القارئ تقبلها كجزء لا يتجزأ من الرواية.
لكن ما أعيبه على هذه الرواية هي الصبيانية في عرض الأمر والمبالغة فيه، أراد فشير الاعتراض بشكل ساخر على سجن الروائي أحمد ناجي في قضية خدش الحياء، لكنه رد فعل صبياني ومبالغ فيه

كأن يقول مثلا (جزء يسجن القضاة من يذكر اسمه) بتكرار مستمر وهكذا

صفحة كاملة في وصف مشهد جنسي، والأسوء هنا هو الافتعال الواضح والصبيانية في قول الكاتب “جزء يسجن القضاة من يذكر اسمه”. مع العديد من المشاهد المماثلة وإن كانت أقل افتعالًا من هذه.
ومبالغته أيضًا في إيصال كل العلاقات في الرواية إلى العلاقة الجسدية من مجرد الشعور بالحب تجاه الآخر، حتى حبيبة وشادي المفترض أنهم ملتزمان أخلاقيًا ودينيًا على حسب وصفه لهم لم يسلما منه.

كما أن الشتائم كثيرة بافتعال أحيانًا وبمقتضى الحال أحيانًا، هيِّئ نفسك إن أردت أن تقرأ هذه الرواية أن تجد ألفاظ سوقية تتصف بالابتذال أو الغلظة أو عدم التهذيب. وقد تشير هذه الصفات إلى لغة أو فن مرئي أو طبقة اجتماعية أو نمط اجتماعي أو تحول ثقافي معين.

وبغض النظر عما إذا كان الإسراف في استعمال الألفاظ السوقية دليلاً على براعة الكاتب وقدرته على الغوص في واقعه؟ أم انه على العكس عجز عن السمو إلى جلال الأدب وجماله؟ فقد كثرت للأسف الألفاظ السوقية التي نصطدم بها في النصوص الأدبية من قص وسرد روائي وشعر. عاميا كان أم فصيحا والأسئلة السالفة تفرض نفسها مضافا إليها السؤال الأبرز هل يعد استخدام هذه الألفاظ المبتذلة واللغة الساقطة ضرورة فنية أم جريمة أخلاقية؟
اعتراضي على هذه النقطة لم يكن من منطلق خدش الحياء أو أنه جريمة أخلاقية بل منطلق الافتعال والصبيانية في فعل الكاتب عز الدين شكري فشير

وأخيرا تخلُص من الرواية بأن حمايتك الحقيقية هي نقطة الإرتكاز التي تقع خارج سيطرة هذا الجنون إن الذي يحميك وينتظرك، هو ببساطة فهمك، إدراكك، إقتناعك بأن كل الذي يجري من حولنا الآن مؤقت، بأن مصير هؤلاء المجانين الفاشلين هو الفناء، مثل كل الفاشلين المجانين الذين سبقوهم، بأن هؤلاء العجزة لا يمكن أن يقمعوا جيلاً كاملاً من الشباب القادر، بأن كل هذا الى زوال حتمي، لا ريب فيه، وأن كل ما عليك فعله هو النجاة من مطارقهم ومخالبهم، وأن تعد نفسك لما يأتي بعد هذا ، لمرحلة ما بعد خروجك من قبضتهم المكتوب عليها الزوال.

تجربتي #الثانية مع عز الدين شكري فشير، تجربة رائعة تكشف عن كاتب متمكن للغاية، قادر على جذبك إلى روايته بشكل لا يجعلك تمل منها. بخلاف ما اعترضت عليه فقد استمتعت كثيرًا، لم تشبعني رواية هكذا منذ فترة طويلة بإستثناء رواية بليغ ل طلال فيصل لكن بها نفس المشكلة ألا وهي الألفاظ المبتذلة وألقاكم قريبا في مراجعة عنها

بقلم محمد السيد

Report

اخبرنا برأيك ؟

200 نقاط
Upvote

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *