in

رحلة ابن فضلان الرحالة العربي في بلاد الفايكنج

ابن فضلان ورحلته الي القطب الشمالي

حديثنا اليوم سيكون عن عالم مسلم أنجز توثيقا بالغ الأهمية لحياة الفايكنج قبل أكثر من ألف سنة، وما زالت وثيقته المرجع المكتوب الوحيد المسجل الذي نعرفه عن الفايكنج في هذا الزمان

نحن الآن في بلاط الخليفة العباسي “المقتدر بالله” ببغداد وقد جاءته رسالة من ملك الصقالبة المعروف بلقب “خان بلغار نهر الفولجا”، يطلب منه إرسال وفد من العلماء ليفقههم في الدين و مساعدة مادية وبناء مسجد لهم و حصن يحميهم، جهز “المقتدر بالله” المساعدة المطلوبة وطلب من العالم البغدادي أحمد بن فضلان الذي عرف عنه علمه وصدقه في الحديث وثقافته العالية بالانضمام للبعثة وقيادة فريق الرحلة بهدف الدعوة للإسلام وتعليم الصقالبة أحكامه.

انطلقت الرحلة وسلكت طريقها إلى أقصى الشمال الى ارض تتارستان اليوم، كان ابن فضلان مهتما بالتوثيق ولذلك نراه يكتب في سجلاته كل صغيرة وكبيرة مما يراه في طريق رحلته

في مدينة الجرجانية شديدة البرودة، نرى ابن فضلان يصف حالته وحالة فريقه بصورة دقيقة

جاءنا فيها برد شديد، كأنً باباً من الزمهرير فتح علينا حتى إن رجلين من البعثة نسوا إبلهم دون نار، فأصبحوا واذ جمالهم ميتة من البرد
وكنت إذا خرجت إلى الحمام لأغسل وجهي وأعود اصبحت لحيتي وكأنها قطعة من الثلج، وقد أكملنا الطريق إلى وجهتنا فكان كل رجل منا يلبس خمس طبقات من الملابس لا تبدو منه إلا عيناه، ولقد لقينا من البرد الشديد وتواصل الثلوج الذي كان برد الجرجانية امامه مثل ايام الصيف

بعد انقضاء بعثة ابن فضلان بين بلغار نهر الفولجا او الصقالبة كما يسميهم المسلمون، توجه احمد بن فضلان إلى الشمال وهناك عاين حياة الفايكينج، الذين كانوا يتاجرون مع بلغار فولجا من خلال شراء منتجات الجنوب والشرق التي عندهم كالحرير والملابس الصوفية والذهب والفضة وتقديم ما لديهم من العسل والعبيد ايضا.

صفات الفايكنج الجسمانية كما وصفها ابن فضلان

يرى ابن فضلان الفايكينج للمرة الاولى ، ويذكر لنا تفاصيل عجيبة عنهم، فيصف أجسامهم بالقول:

لم أرى أتم أبدان منهم كأنهم النخل. شٌقر حُمر، مع كل واحد منهم فأس وسيف وسكين لا يفارقونه وأجسامهم موشومة من أظفارهم إلى رقبتهم ، وكل امرأة منهم عليها قلادة إما من حديد أو فضة أو ذهب على قدر مال زوجها، وهم أقذر خلق الله، لا يستنجون من غائط ولا بول، ولا يغتسلون من جنابة ولا يغسلون أيديهم من الطعام ولا بد لهم في كل يوم غسل وجوههم ورؤوسهم بأقذر ماء يكون وأطفسه.

ذلك ان الجارية توافي كل يوم بالغداة قصعة كبيرة فيها ماء فتدفعه إلى مولاها فيغسل فيها يديه ووجهه ويسرح شعره ثم يتمخط ويبصق فيها، فإذا انتهى حملت الجارية القصعة إلى الذي يليه ففعل مثل فعل صاحبه ولا تزال ترفعها من واحد إلى واحد حتى تديرها على جميع من في البيت، بل هم كالحمير الضالة.

كان لدى ابن فضلان مسوغ في إطلاق هذا الوصف فهم كما قال يبنون بيوتا كباراً من الخشب ويجتمعوا في البيت الواحد العشرة والعشرون ومعهم الجواري فينكح الواحد جاريته ورفيقه ينظر إليه.

بالنسبة لعالم مسلم يعد الالتزام بتعاليم الإسلام من العبادات والابتعاد عن المحرمات والنظافة جزءا من البديهيات عنده، فإن رؤيته هذه المشاهد يعد أمرا شديد الغرابة.

على أي حال لنعود إلى سرده

معتقدات الفايكنج الدينية

ومن معتقداتهم أن يخرج كل واحد منهم محملا بالهدايا حتى يصل إلى خشبة لها وجه يشبه وجه الإنسان، فيسجد الواحد منهم للصورة الكبيرة ثم يطلب منها رزقا وتاجرا يشتري منه بضاعته، فإن لم يبع، فإنه يستمر بوضع الهدايا كل يوم ويطلب أن تسهل عليه بيعه، ويَعْمَد إلى البقر والغنم فيقتلها ويعلق رؤوسها على خشب منصوب على الأرض، فإذا كان الليل، جاءت الكلاب وأكلت جميع ذلك فيأتي في الصباح ويقول: قد رضي عني ربي وأكل هديتي.

عادات الفايكنج الاجتماعية

وأكثرهم مستهترون بالنبيذ، يشربونه ليلا ونهارا وربما مات الواحد منهم والقدح في يده، وإذا أصابوا سارقاً أو لصاً جاءوا به إلى شجرة غليظة وشدوا في عنقه حبلا وعلقوه حتى يتقطع بالرياح والأمطار

قد نتفهم ميول الفايكينج العنيفة هذه، نظرا لانعزال الفايكينج عن العالم واعتمادهم في حياتهم على غزو الممالك الأخرى. ومن هنا لابد من عقوبات رادعة تضمن للمجتمع التماسك والاندفاع نحو الحرب. لعل أشد المشاهد قسوة وتأثيرا في ابن فضلان هو مشهد حرق الموتى الذي حضره و يقول:

وهم يحرقون الموتى فإذا مات الفقير منهم صنعوا له سفينة صغيرة فيجعلونه فيها ويحرقونه، وإذا مات غني أو رئيس لهم فإنهم يجمعون ماله ويجعلونه ثلاثة أثلاث فثلث لأهله، وثلث يقطعون له بها بعض الثياب، وثلث يشترون به نبيذ يوم حرقه ويقولون لأهله وجواريه وغلمانه، من منكم يموت معه ؟ فإذا قال أحدهم انا، وجبت عليه ولا يقبل منه أن يرجع ابدا .

حتى إن رجلا جليلاً منهم مات فجعلوه في قبره عشرة أيام والجارية التي ستحرق معه كل يوم في سكر تشرب وتغني. فلما كان اليوم الذي يحرقونه فيه، احضروا للميت فراش مزين بأحسن القماش، تخيطه امرأة عجوز يقال لها ملك الموت، ثم أخرجوا الرجل من قبره، وألبسوه من الملابس أحسنها، ومن الحلي أنفسها، وجعلوا في سفينته النبيذ والفاكهة والخبز واللحم، ثم جاؤوا بكلب وبقرة ودجاج و دواب، فقطعوها نصفين ورموها في السفينة مع الميت.

ثم ذهبت الجارية الى السفينة، وجاء الرجال ومعهم التروس والخشب فدفعوا إليها نبيذا فغنت وشربت، ثم حثوها على الدخول للسفينة، فرأيتها تتردد، فأدخلتها العجوز، وأخذ الرجال يضربون بالخشب لئلا يسمع صوت صياحها فيجزع غيرها من الجواري، ولا يطلبن الموت مع مواليهن، ثم جعلوا في رقبتها حبلا و خنقوها، وجعلت العجوز تطعنها بخنجر عريض في أضلاعها واحدا واحدا حتى ماتت. ثم وافى أقرب الناس الى الميت فأحرق الخشب الذي تحت السفينة حتى احترقت وجميع مافيها.

تفاصيل رحلة ابن فضلان

استمرت رحلة ابن فضلان أحد عشر شهرا في عام ثلاثمئة وتسعة للهجرة الموافق لسنة تسعمائة و واحد وعشرين للميلاد، وتعتبر تترستان الحادي والعشرين من أيار مايو من كل سنة عيدا وطنيا لها، لأنه يوافق اليوم الذي أعلن فيه الملك و وزراؤه وشعبه الإسلام امام ابن فضلان .

لقد كانت هذه الرحلة والمشاهد التي دونها الوثيقة الوحيدة التي تذكر أوصاف الفايكينج وطباعهم وعقائدهم نظرا لكون الفايكينج بعيدين عن التدوين وأصحاب تاريخ شفوي تتناقله الأجيال دون كتابة كُتُب التاريخ مدينة لابن فضلان ورحلته وقلمه اليوم.

Report

اخبرنا برأيك ؟

201 نقاط
Upvote

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *