تنيس لؤلؤة بحيرة المنزلة، وهي مدينة نائية صنعت الحضارة علي أرضها ورفعت اسم مصر عاليا ، حازت لقب عاصمة الموضة والأناقة في العالم القديم وأبهرت العيون بمنسوجاتها الغنية التي تتداخل خيوطها مع خيوط الذهب ، وتتباهي بعباءتها السلاطين فارتدي منسوجاتها العزيز بالله وهارون الرشيد ، وتسابق الناس لاقتناء أعجوبة العصر قماش ( البوقلمون) الذي انفردت تنيس بصناعته فكان يتغير لونه بتغير ساعات النهار، ومما زادها شرفا صناعة كسوة الكعبة المشرفه علي ارضها قرونا طويلة.
مدينة تنيس درة مدائن مصر في العصور الوسطى ، كانت جزيرة صغيرة حالمة تحيطها الطبيعة الساحرة في احضان بحيرة المنزلة والتي اطلق عليها بحيرة تنيس، كان بالمدينة ما يقرب من عشرة آلاف حانوت تزخر بالسلع المجلوبة من الشرق ومن الغرب ، ولا تهدأ حركة البيع ولا الشراء في الاسواق لكثرة التجار الوافدين من سائر العالم لاقتناء المنسوجات.
امتاز أهل تنيس برقة طبائعهم واعتادوا استقبال التجار بود وترحاب وبالغوا في إكرام الغرباء فنانون عشقوا الحمال صنعوا ارقي واجود انواع القباطي التي حازت اعجاب الناس في شتي انحاء البلاد فقال المؤرخون( ليس في الدنيا منزل إلا وفيه ثوب من تنيس ولو خرقة).
كان يكتظ ميناء تنيس بالسفن التجارية التي تجلب كل متطلبات أهل الجزيرة من المواد الغذائية ، لان تربتها مالحة لاتصلح للزراعة ، وتاتي السفن من سائر البلدان ممتلئة بالبضائع المختلفه وتعود محملة بالانواع العديدة من الاقمشة.
وكثغر بحري هام كانت تنيس محط لانظار البيزنطيين والصلبيبين فكثرت عليها وكانوا مصدر تهديد دائم لامنهم فشيدت حولها الاسوار العالية والابواب المصفحه بالحديد واقيمت بها قلعة منيعة يصطف بها الجنود ، وتم حشد اسطول قوي لحمايتها من الغارات الخارجية.
كان يوجد بتنيس خمسة الاف منسج يعمل بها عشرة الاف عامل ، فنانون ذوو أنامل ذهبية رسموا أدق الصور بخيوط الكتان الناعمة فأنتجوا أروع المنسوجات، ونظرا لأهمية صناعة النسيج في العصور الأسلامية اولتها مصر عناية خاصة ، وذلك من خلال انشاء دار طراز الخاصة لصناعة ملابس سلطان مصر والتي اطلق عليها الطراز الشريف (ولا يستطيع اي شخص مهما علت مكانته شراء ما ينسج بها) اما دور طراز العامة فكانت مملوكة لافراد من الشعب يصنع بها المنسوجات التي يرتديها الناس ، خضعت لاشراف الدولة التي كانت تمدهم بالمواد الخام وتتولي عملية ختم الاقمشة بخاتم السلطان الرسمي ويشرف علي دور الطراز موظف كبير يسمس ناظر الطراز ، كان من اعلي الموظفين مقاما واعلاهم راتبا.
اشتملت ملابس السلاطين علي شرائط كتابية يطلق عليهت شرائط الطراز ينقش عليها اسم السلطان بخيوط من الذهب والفضة مع إضافة القابة وبعض العبارات الدعائية مثل (نصر من الله).
في العصر العباسي اراد الخلفاء العباسيون صنع كسوة فاخرة للكعبة المشرفه فبحثوا عن خير من يحسن صناعة النسيج في العالم فلم يجدوا اعظم من مدينة تنيس رائدة صناعة المنسوجات في العصور الوسطي ، .وفي العصر الفاطمي وهو العصر الذهبي للمنسوجات في تنيس فقد ازداد اهتمام الخلفاء الفاطميين بثيابهم نتيجة لحياة الترف والابهة والعظمه وتم انتاج كميات ضخمه من افخر انواع المنسوجات نقشت عليها اسماء الخلفاء الفاطميين بخيوط الذهب والفضة كما اعتاد الخلفاء منح كميات كبيرة من هذه المنسوجات كهدايا للامراء ورجال البلاط والموظفين في الاعياد والمناسبات السعيدة وجعلوا لهذه الصناعة ديوان خاص اطلقوا عليه ديوان الكسوة والطراز.
ساهمت صناعة المنسوجات بدور مهم في الاقتصاد المصري وفي التجارة الخارجية كإحدي السلع التي يتم تصديرها فكانت تنيس تصدر سنويا الي العراق منسوجات تساوي ثلاثين الف دينار وكان يرد الي مدينة تنيس كل عام خمسمائة مركب من مواني الشام لشراء منسوجاتها المتميزة.
ويمر الزمان ويشهد التاريخ علي مراحل الصعود والانهيار والنهضة والانكسار ، فجاءت نهاية هذه المدينة العظيمة في العصر الايوبي بعد ان ازدادت وطأة غارات الصلبيين ، فامر الناصر صلاح الدين بإخلاء تنيس من السكان لكي لا يقعوا اسري في ايدي الصليبيين ونقلهم الي دمياط ، ولم يبقي سوي المقاتلين ، وبعد انتهاء الحرب عاد اهل تنيس مرة اخري الي بيوتهم امنين.
وفي حكم ابن اخية الملك الكامل محمد بن العادل اشتدت وطأة غارات الصليبيين مرة اخري فامر بهدم مدينة تنيس سنة ١٢٢٦ واخلاؤ اهلها لكي لا تقع فريسة سهله بين ايديهم ، فهدم الجنود اسوارها وخربوا مصانعها، فهجرها اهلها واندثرت مدينة تنيس لؤلؤة بحيرة المنزلة منذ هذا التاريخ.