تترستان هي إحدى جمهوريات روسيا الإتحادية وواحدة من الكيانات الفيدرالية فيها، تحتل تترستان موقعًا مهمًا على نهر الفولجا شريان الحياة الاساسي في روسيا الممتد حتى موسكو، كما أنها واحدة من أهم مناطق إنتاج وتصنيع النفط والغاز في روسيا حيث يقدر امتلاكها ألف مليون من الأطنان المترية البترولية.
ومن تتارستان يبدأ خط أنابيب البترول إلى شرق أوروبا المعروف باسم خط “الصداقة”. وبالأراضي التترية موارد معدنية وزراعية وصناعية متعددة، وهو ما ينعكس على درجة معيشة السكان التي تبدو أفضل من نظيرتها في كثير من الأقاليم الروسية. و ثروتها المائية والغابية وتربتها الخصبة تُعَدّ مركزًا صناعيًّا مهمًّا لروسيا. كان الإقليم الذى تقع فيه تترستان (الأورال) هو الحصن الذى انتقلت إليه الصناعات السوفيتية إبان الهجوم النازي على الاتحاد السوفيتي ومحاصرته ليننغراد واقترابه من احتلال موسكو.
دخلها الإسلام سنة 922 في أعقاب زيارة الرحالة الإسلامي أحمد بن فضلان مبعوث الخليفة العباسي المقتدر بالله إثر طلب من قيصر البلغار الصقالبة ألموش بن يلطوار إلى الخليفة العباسي إرسال سفارة تشرح مبادئ الإسلام لشعبه، على أن يرسل الخليفة من يبني مسجدًا للقيصر يطلع من محرابه على شعبه، وقلعة حصينة لمجابهة أعدائه. وصل بن فضلان إلى البلغار يوم 12 مايو 922 حيث اتخذت تتارستان اليوم عطلة دينية ورسمية لازال معمولا بها حتى الآن. قرأ عليهم رسالة الخليفة العباسي فهتفوا وكبروا، ولقد كانت رحلة ابن فضلان أساساً لرواية الكاتب الأمريكي مايكل كريتشتون (أكلة الموتى) التي صورت كفيلم روائي باسم “المقاتل الثالث عشر” حيث قام أنتونيو بانديراس بدور بن فضلان.
ساد الإسلام منطقة الحوض الأدنى من نهر الفولجا، وتجاوزها إلى منطقة القرم في شمال البحر الأسود (المتنازع عليها الآن بين روسيا وأوكرانيا) حيث ظلت تتارستان منذ هذه الزيارة دولة إقطاعية مسلمة في شمال شرق أوربا ثم خضعت للغزو المغولي سنة 1237 وحينما تفككت الإمبراطورية المغولية في منتصف القرن 15 إلى أربع قبائل كانت القبيلة القازانية أكثرها أهمية.
مع حلول القرن السادس عشر وبالتحديد سنة 1552 استطاع القيصر الروسي إيفان الرهيب – إيفان الرابع حصار قازان وإسقاط القبيلة القازانية وارتكاب المجازر بحق المسلمين، وفي عام 1920 ضمت تترستان كجمهورية ضمن حدود جمهورية الإتحاد السوفيتي.
في نهاية فترة حكم الرئيس السوفيتي جورباتشوف أعلنت تترستان استقلالها في 30 أغسطس 1990. وبعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلت روسيا تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين قازان وموسكو في مارس1992، تمت فيها صيغة جديدة من الاستقلال، ولكن ضمن الفيدرالية الروسية. وفي فبراير 1994 ارتقت مذكرة التفاهم إلى مستوى “المعاهدة” التي وقع عليها الجانبان، ونصت على “التفويض المتبادل للسلطة بين موسكو وقازان”. وعدت هذه العلاقة مثالاً يحتذى بين موسكو وباقي الأقاليم الإدارية فيما صار يعرف باسم “المسار التترستاني”.
روي عن عهد القيصرية الروسية والشيوعية السوفيتية أحداث تاريخية عديدة عن تدمير المساجد واضطهاد المسلمين حيث عمد الروس إلى التغيير الديموغرافي للمنطقة من خلال التهجير والنفي إلى سيبيريا وحتى توطين الروس المسيحيين بديلا عن التتار المسلمين على أن التتار عمومًا ظلوا يشكلون القومية الخامسة في الترتيب بين القوميات في الاتحاد السوفيتي -سابقا-، وينتشرون في مناطق متعددة من البلاد، حيث يصل عددهم حوالي 6.5 مليون نسمة، وتصل نسبة المسلمين في تتارستان 65% تقريبًا، ولقد بذلت الإمبراطورة كاترين الثانية جهودًا جبارة لتنصيرهم حتى أنها في سنة (1192هـ – 1778م)، أمرت بأن يوقع المسيحيون الجدد على إقرار كتابي يتعهدون فيه بترك (خطاياهم)، وتجنب الاتصال بالكفار، ويظلوا على الدين المسيحي، وطبق هذا بالقوة على كثير من التتار المسلمين الذين ظلوا مسيحيين اسمًا، ثم جاء القرن التاسع عشر الميلادي ليشهد عدة قوانين تحد من انتشار الدعوة، لدرجة أن القانون الجنائي الروسي كان يعاقب كل شخص يتسبب في تحويل مسيحي روسي إلى الإسلام بالأشغال الشاقة، ولما صدر قانون حرية التدين في روسيا القيصرية في سنة 1905م حانت الفرصة أخيرًا للدخول في الإسلام بصورة جماعية، حيث بلغ عدد من أعلنوا إسلامهم في سنة 1906م ثلاثة وخمسين ألفًا، وفي سنة 1909م دخلت 91 أسرة في الإسلام.
قبل استيلاء السوفيت على السلطة كان في مدينة قازان عاصمة جمهورية تترستان، جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب في مستهل القرن العشرين – وكان بها مطبعة أخرجت مليون نسخة من مائتين وخمسين كتابًا في سنة 1320هـ – 1902م، كما كان بها مكتبة إسلامية يزورها عشرون ألف قارئ سنويًّا، وانتشرت المساجد فمن أصل 14 ألف مسجد كانت موجودة قبل المد الشيوعي لم يبقى الا 20 مسجدا فقط، أما اليوم وبفضل جهود الأزهر والمؤسسات الدينية بالمملكة العربية السعودية ونشاط مركز الدعوة بقازان بلغ عدد المساجد أكثر من ألف مسجد وأكثر من عشر مدارس دينية.
ولقد ظلت الأبجدية العربية هي الأبجدية المستخدمة منذ القرن العاشر (منذ زيارة أحمد بن فضلان) حتى بعد قيام الاتحاد السوفييتي، ولم تُلْغَ إلا في عام 1928 حينما استبدلت بها الأبجدية اللاتينية، ثم استخدمت الأبجدية السلافية (الروسية) منذ عام 1938 وحتى الآن.
بقلم رامي رأفت