اني موشي براد او أمينة داود المفتي ولدت في احدي ضواحي عمان عام ١٩٣٩ لأسرة ثرية مسلمة من الشركس هاجرت الي الاْردن منذ سنوات طويله ، اصبح والدها من اكبر تجار المجوهرات الاثرياء و علا شأن عمها حتى حمل مرتبة لواء البلاط الملكي ، أما أمها كانت سيده مثقفه تجيد اربع لغات و علي علاقه قويه بصفوه سيدات المجتمع ، كان ترتيبها هو الأصغر بين أشقائها ، شقيقتان متزوجتان و ٣ اشقاء رجال ، تميزت بجمال الملامح و الذكاء ، تمتعت بقدر كبير من محبه والديها و تدليلهم لها بشده ، لم يكن يؤرق والديها إلا كرهها و تسفيهها للمجتمع الذي كانت تعيش فيه ، منذ الصغر سعت امينه الي التمرد و نبذ العادات والتقاليد المجتمعيه , أحبت بسام الشاب الفلسطيني الأصل و رغم جمالها إلا إن طبائعها الغريبة جعلته يكرهها و يبتعد عنها , صدمها الموقف فكادت أن تخفق في دراستها الثانوية لذا حزمت حقائبها و توجّهت نحو أوروبا لإكمال دراستها , التحقت بجامعة فينا عام ١٩٥٧ درست علم النفس الطبي و تعرفت على فتاة تدعي جولي باتريك تعلقت بها و كانت نعم العون لها على موجات الانحلال الذي كانت تبحث عنه , ١٩٦١ عادت إلى عمان مرة أخرى و هي مازالت تفكر بذاك الشاب الفلسطيني التي أعجبت به في الماضي ، قررت البحث عنه لعله يراها فيغير انطباعه عنها و يتزوجها و لكنها وجدته قد تزوج ولديه أسره سعيدة , عادت مره اخري إلى النمسا بدعوي استكمال الدراسه ، عملت هناك و تعرفت على ” سارة بيراد ” اليهودية ، و وقعت في حب اخيها موشي الطيار العسكري برتبه نقيب الذي كان يكبرها بسبع سنوات ، الذي أبتاع لها شهادة دكتوراه في علم نفس المرضي وعادت إلى وطنها الام الأردن ١٩٦٦، استأجرت مستشفى حكومي و اثناء عمل إجراءات الترخيص للمستشفى ، وقع خلاف بينها وبين وكيل الوزارة المختص، فقامت بشكواه الى وزير الصحة الذي أبدى اهتماما ً بشكواها و امر بالتحقيق فيها على وجه السرعة. فتتشكك اللجنة القانونية في تصديقات الشهادة العلمية، و طلبت منها تصديقات جديدة من فيينا. وخوفا ً من انكشاف التزوير وما يصاحب ذلك من فضيحة لها ولأسرتها، سافرت أمينة الى النمسا متخمة بالخوف، وبأعماقها غضب يفيض كراهية لبلدها.
هناك أسرعت الى موشيه يعاودها الحنين، غير عابئة بانكسار وطنها العربي بنكسة ١٩٦٧، فكانت تعلن شماتتها بلا حرج أو خجل، إذ طفحت منها الكراهية لكل ما هو عربي، ولكل ما يمت للعرب بصلة.
اعتنقت امينه اليهودية وغيرت أسمها من أمينة إلى آني موشي و تزوجت من موشيه
وفي صيف عام ١٩٧٢، قرأت أمينة إعلانا ً غريبا ً بإحدى الصحف، تطلب فيه إسرائيل متطوعين من يهود أوروبا للالتحاق بجيش الدفاع، مقابل مرتبات ومزايا عديدة مغرية. وابتهجت المرأة التعسة، إذ تصورت أنها عثرت على الحل المثالي لمعاناتها، وأخذت تعد العدة لموشيه لإقناعه بالفكرة، خاصة وأنه سيحصل على جواز سفر إسرائيلي، ومسكن في إسرائيل، وأنها بمرافقته الى هناك ستودع الخوف الى الأبد.
لكن موشيه الذي كان يسعى للعمل بإحدى شركات الطيران المدنية عارض الفكرة، ورفضها، بدعوى أن إسرائيل والعرب في حالة حرب لن تهدأ حتى تشتعل، طالما أن هناك أرضا ً محتلة وشعوبا ً عربية ثائرة.
ومع إلحاحها المتواصل ليل نهار، تقدم موشيه بأوراق الى السفارة الإسرائيلية، وفي نوفمبر ١٩٧٢ كانا يطيران بطائرة العال الى إسرائيل.
حظيت أمينة – آني موشيه – باستقبال أكثر من رائع في مطار اللد، استقبال تحير له موشيه كثيرا ً وظن لأول وهلة أن زوجته إما أن تكون شخصية مرموقة ومعروفة في عمان، أو أنها ممثلة إسرائيلية مشهورة.
وابتسم في سعادة وهو يلمح مدى بهجتها وفرحها الطفولي بالوطن الجديد، وبالمسكن المريح في ريشون لتسيون المعد من الخشب على طراز الريف الانجليزي استدعيت أمينة بعد أيام قليلة الى إحدى الجهات الأمنية، حيث سئلت مئات الأسئلة عن نشأتها في الأردن، وعائلتها،
ووظائف أقاربها ومعارفها، وعن كيفية تعارفها وموشيه، وزواجهما، فأجابت في سرد طويل.
سئلت أيضا ً عما تمثله إسرائيل بوجدانها، وسئلت عن مشاعرها تجاه الاردن، والفلسطينيين، فأقرت بأنها تكره منظمة التحرير، وكل المنظمات الارهابية الفلسطينية، وأن الملك حسين أخطأ كثيرا ً عندما لم يقتلهم جميعا ً في الأردن، فهم يكرهون الأقلية الشركسية في الأردن، وضربوا بيوتهم، وأتلفوا ممتلكاتهم، ظنا ً منهم أن عمها – اللواء بالبلاط الملكي – كان وراء مذابح أيلول ١٩٧١، وأحد مرتكبيها.
أخضع موشيه لتدريبات الاستطلاع الجوي، بعدما تقلد رتبة رائد طيار في سلاح الجو الاسرائيلي وفي آخر يناير ١٩٧٣
طار بطائرته الـ سكاي هوك باتجاه الجبهة السورية، فأسقطته مدفعية السوريين في أول طلعة استطلاع له، واعتبر مفقودا ً منذ تلك اللحظة لأن سوريا لم تعلن عن أسر الطيار الاسرائيلي كما كان يحدث، لكنها أعلنت بأن الطائرة انفجرت في الجو وقائدها بداخلها.
لم تصدق أمينة الخبر، ولأيام طويلة تصرخ صرخات هستيرية لا تتوقف. وفي عيادة “كوبات حوليم هستدروت” للأعصاب في ريشون لتسيون، احتبس صوتها، أو لنقل إن صدمة الفاجعة ألجمت لسانها فصمتت.
وقبعت خلف زجاج حجرتها تنظر الى السماء، تزوغ نظراتها أحيانا ً، وأحيانا ً أخرى تتبع العصافير في طيرانها ولهوها.
وبعد شهر ونصف تكلمت، ونطقت قائلة بأنها تشكك في البيان السوري، وبأن موشيه ما يزال حيا ً، متخفيا ً بين الحشائش
والمغارات فهو طيار ماهر وقدراته عالية جدا ً
وفي منزلها – وكانت برفقتها إحدى الأخصائيات النفسيات – كانت تحدث نفسها نهارا ً بصوت مسموع، وفي الليل يسمع لها أنين خافت مليء بالوجع، هو مزيج متهالك من مشاعر الحسرة والضياع.
لقد صبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها في النمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بإسرائيل.
التحقت بدورات جاسوسية عالية المستوى ثم أرسلت لبيروت تجمع المعلومات حول المخيمات والفرقاء الفلسطينيون و رصد تحركات رجال المقاومه الفلسطينيه وكانت ترسل لإسرائيل القوائم الممتازة أول بأول وخصوصاً من عجز الموساد عن اغتياله “علي حسن سلامة ” صاحب عملية ” ميونخ ” و الذي أطلقت عليه جولدا مائير لقب “الأمير الأحمر”، لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشر إسرائيليا ً.
كانت امينه من اجراء عملاء الموساد تميزت ببرود الاعصاب و القلب
تقول أمينة في مذكراتها التي بلغت صفحاتها ستمائة صفحة:
منذ حملت معي جهاز اللاسلكي لأول مرة الى الجنوب، وشاهدت بنفسي هجوم الميراج الإسرائيلي على الموقع الفلسطيني، بغرض تدميره وتصفية أبو إياد وأعوانه، وقد تملكني إحساس رائع بعملي. . إحساس بالزهو وجدت فيه لذة كبرى تفوق كل لذة. ومنذ تلك الحادثة في ١١ أكتوبر ١٩٧٣، وأنا أحمل الجهاز الصغير بحقيبتي، بجواره المصحف ذي الجراب والشفرة. كنت أكتب رسالتي أولا ً على ورقة منزوعة من بلوك نوت، ثم أقف بسيارتي في مكان أطمئن فيه من العابرين، وأسحب هوائي الجهاز وأقوم بالبث لدقائق. أحيانا ً كثيرة كنت أبث الرسالة الواحدة مرتين للتأكيد، وأحرق الورقة وأعاود القيادة الى مكان آخر. وبفضل تصريح المرور الموثق، الذي وقعه عرفات شخصيا ً، كنت أجوب بأمان شتى المواقع العسكرية الفلسطينية في الجنوب. وأطلع بنفسي على أنواع الأسلحة وكميات الذخائر بالمخازن، ومعسكرات التدريب السرية. لقد حالفني الحظ كثيرا ً عندما وثق بي القادة الفلسطينيون، لأنني كنت أبدو متحمسة جدا ً لقضيتهم، وحقهم في الكفاح لاسترداد الأرض المغتصبة. للدرجة التي دعت أبو إياد لأن يطلب مني إلقاء خطبة حماسية في الجنود المعسكرين بالقرب من مخيم البرج الشمالي في الجنوب من صور. يومئذ ألقيت خطبة رائعة تتدفق منها الوطنية ومعاني العروبة. لقد أجدت تماما ً عندما صعدت من انفعالي فبكيت بكيت وأنا أصف مشاهد القتل والقصف والانكساب على وجوه الأطفال اليتامى، بكيت حقيقة وأنا أحثهم على الانتقام والثأر والكفاح وما كنت أبكي إلا لفقد موشيه الحبيب وبرودة الحياة من حولي بدونه.
كانت صديقة شخصية لعرفات وكانت تنتظر أمر اغتياله بمسدسها قبل أن تسقط في يد الفلسطنيين مسببه لهم صدمة ، فقد كانت تحضر اجتماعاتهم و تشرب القهوة والسجائر معهم ، لم يراودهم الشك فيها و لو للحظه
مرت خمس سنوات منذ اعتقلت أمينة المفتي، وفي نوفمبر من عام ١٩٧٩ تحديدا ً، نشطت تحركات الصليب الأحمر الدولي، وتكثفت الاتصالات مع الفلسطينيين من أجل مبادلتها. و كان العرض الاسرائيلي هزيلا ً قياسا ً بجواسيس آخرين، فقد أبدوا رغبتهم في مبادلتها بفلسطيني واحد، شريطة ألا يكون متهما ً بقتل إسرائيليين من المدنيين أو الجنود. فرفض عرفات العرض الاسرائيلي، واشترط لمبادلتها الإفراج عن اثنين من أشهر الفدائيين الفلسطينيين بمعتقل عتليت، وهما: محمد مهدي بسيسو المولود عام ١٩٤١ في غزة والمحكوم عليه بالمؤبد لقيامه بعملية فدائية بواسطة زورق عام ١٩٧١، وأسفرت عن مقتل وإصابة عدد كبير من الاسرائيليين. و وليم نصار المولود عام ١٩٤٢ في القدس، والمحكوم عليه بالمؤبد أيضا ً لقتله ثلاثة إسرائيليين عام ١٩٦٨ بالقدس.
لكن الرد الفلسطيني قوبل بتعنت إسرائيلي شديد، وأسر ممثل الصليب الأحمر لعرفات بأن أمينة لا تساوي شيئا ً عند الاسرائيليين، فهم يصنفونها على أنها مجرد خائنة لوطنها، باعت دينها وأهلها من أجل نزوة، ومن المستحيل أن تخلص تماما ً لإسرائيل أو تدين بها بالولاء. و ذكره الممثل الدولي بما حدث للمهندس السويسري الفريد فرانكشت الذي أدين بالسجن ثماني سنوات عام ١٩٧١، عندما تبين أنه أمد إسرائيل بعدة أطنان من تصميمات الطائرات الفرنسية ميراج ٣، بعد تجنيده لأسباب أيديولوجية تتعلق بعقدة الذنب، وعندما أفرج عنه بعد أربع سنوات ونصف السنة، قرر السفر لإسرائيل لحضور الاحتفال بإنتاج الطائرة “كافير” – النموذج المعدل من الميراج ٣ – فرفضت الموساد أن تدفع ثمن تذكرته من سويسرا، وقوبل في إسرائيل بتجاهل تام، وشعر أنه تعرض للنسيان والتخلي عنه، ذلك أن مهمته انتهت ولم يعد ذا شأن. لكن عرفات لم يأبه لذلك. و لم يتراجع قيد أنملة عن مطلبه، وصرح لممثل الصليب الدولي أنه يتعرض لضغوط شديدة للموافقة على إعدام أمينة المفتي. و أنه طالما ترفض إسرائيل الاستجابة و المرونة، فقد يوافق على إعدامها أمام شاشات التليفزيون لتكون عبرة لكل من يفكر في التعامل مع الموساد. و عندها، أصيب رئيس الموساد إسحاق حوفي )١٩٧٤ – ١٩٨٢( وكبار مساعديه بالذعر. فإعدام أمينة على الملأ أمام العدسات أمر خطير من شأنه إصابة جواسيس الموساد في البلاد العربية بالهلع وبالشلل، وقد يتسبب في تعطيل عمل شبكات عملائها المذعورين التي أنفق عليها ملايين الدولارات، مما يهدد تدفق سيل المعلومات الحيوية التي تعتمد عليها إسرائيل، سياسيا ً، وعسكريا ً، واقتصاديا ً، وكان قرار إسحاق حوفي النهائي تلبية مطلب الفلسطينيين على أن يترك لمنظمة الصليب الأحمر العالمية حرية اختيار الدولة التي ستتم عملية المبادلة على أرضها وتحت حمايتها، بما يضمن الحيلولة دون وقوع كارثة قد يفكر بها الفلسطينييون
في ١٣ فبراير ١٩٨٠تم تسليم امينه المفتي الي الموساد في عمليه تبادل الاسري في مطار لارناكا و عودتها الي تل ابيب
بعد عده سنوات أرسلت امينه الي عائلتها في الاْردن تطلب منهم السماح لرجوعها اليهم الا ان الرد جاء بما لم تتمني ، انهم جميعاً يتبرأون منها و يمنوا لها الموت علي ان تطأ قدمها ارض الاْردن
وفي مطلع عام ١٩٨٤ نشرت مجلة “بمحانية” العسكرية الاسرائيلية خبرا ً صغيرا ً يقول إن وزير الدفاع أصدر قرارا ً
بصرف معاش دائم للمقدم آني موشيه بيراد التي تصدرت لوحة الشرف بمدخل مبنى الموساد، وهي لوحة تضم أسماء أمهر العملاء “ويطلق عليهم الأصدقاء” الذين أخلصوا لإسرائيل. . وقدموا إليها معلومات عن أعدائها ساعدت على إحراز انتصارات عظيمة . . أما عن نهاية أمينة المفتي – فقد قيلت روايات عديدة في ذلك:
إحدى الروايات تؤكد بأنها حصلت على وثيقة سفر أميركية باسم جديد و تعيش الآن بولاية تكساس حيث تمتلك مزرعة رائعة وتزوجت من بحار إسباني ولم تنجب.
رواية ثانية تزعم بأنها أجرت تعديلات بوجهها بمعرفة الموساد و تعيش بجنوب أفريقيا منذ عام ١٩٨٥ تحت اسم مزيف و تعمل في الاستيراد والتصدير، وأنجبت ولدا ًمن ضابط روماني أسمته موشيه.
ورواية ثالثة تقول إنها انتحرت بحقنة هواء داخل حجرتها بقسم الأمراض العصبية بمستشفى تل هاشومير
لمعرفه المزيد يمكن الاطلاع علي كتاب مذكرات أخطر جاسوسة عربية للموساد .. أمينة المفتي
للكاتب فريد الفالوجي