اليهودي والقرأن – حرافيش القاهرة
كنت طالبا في كلية الاداب بجامعة القاهرة. وكان الدكتور كراوس استاذا لي في هذه الكلية (وهو من كبار المستشرقين في هذا العصر). كان يهوديا المانيا هاربا من فظائع النازي. ووجد في القاهرة الامن والامان.عينه الدكتور طه حسين استاذا للغات السامية وفقة اللغة في كلية الاداب.
وكانت له اهتمامات خاصة في الادب العربي والفلسفة الاسلامية. وقد ربط بيني وبينه صداقة وانا تلميذ وهو استاذ. وكنت احب مسايرته والحديث معه.
كان الدكتور بول كراوس من الشخصيات العالمية بين المستشرقين. وقد جري ذكره اكثر من مره عندما كنت ازور الدكتور يوهان مدير معهد الدراسات الاستشراقية في جامعه مارتن لوثر بمدينة هالة الالمانية. فقال لي ان كروس كان يعرف اثني عشر لغة معرفه كامله في نحوها وصرفها ومفرادتها واسرارها ولكن جنون العبقرية دفعه الي الانتحار.
قبل ان ينتحر الدكتور كراوس كان كثير الحديث عما يدور في ذهنه عن القران. كان يحاول ان يثبت بطرق مختلفة انه شعر وبذلك يكون محمد صلي الله عليه وسلم شاعرا.
وقد سيطرت هذه الافكار علي عقل الدكتور كرواس في الشهر الاخير قبل انتحاره، واعد صناديق بها بطاقات يسجل فيها عناصر بحثه الجنوني. وبدأ يقطع ايات القران علي موازين الشعر العربي المعروفة والمجهولة علي السواء.
وفي احدي زياراتي له استمر ليلة كامله وهو يجري هذه البروفة وهو يروح ويجئ وسط الغرفة ثم يسجل علي الورق كلاما ويحاول إقناعي بان القران شعر.
وذات مرة قلت للدكتور كراوس ان اقصر سورة في القران مكونة من ثلاث ايات وهي سورة الكوثر
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)…..
وسألته هل هذه السورة بيت ونصف بيت من الشعر؟ فجلس علي مكتبة وقلب صندوق بطاقاته. ثم عبث بخصلة شعره التي كانت تتراقص واشعل سيجارته. ثم نظر الي طويلا في نظرات هسترية ولزم الصمت وقال لي في المرة القادمه ساشرح لك كل شئ.
ولم يكن هناك مره قادمه فقد قرات حكاية انتحاره في جريده الاهرام.
اما الدكتور يوهان فوك فقد حملت له مصحفا صغيرا من مصاحف الجيب عندما لاحظت انه يجد مشقة بسبب السن والمرض عندما يجلس الي مكتبة او يتحرك من مكانه. فقد قرا في اخر ايامه كتاب احياء علوم الدين للغزالي. وكان شديد الاهتمام به وقال لي انه اشتغل ايام الاستعمار البريطاني في الهند وكان يقوم بتدريس الفلسفة الاسلامية في جامعة عليكرة……
وفي احدي جلساتنا الممتعه كنت ازور الدكتور يوهان فوك قالت لي زوجته انه كلما اشتد مرضه تجري علي لسانه كلمات واحده وهي (الله ومحمد رسول الله) وسألتني عن معني ذلك.
فقال لي لا تخبرها بشئ لانني كنت انطق بالشهادتين. فقلت لها ان الدكتور يوهان يحب الله ويحب محمد فاقتنعت بإجابتي وقد عاش حتي بلغ ما فوق التسعين وهو صاحب كتاب العربية الشهير الذي كانت تقوم نظريته الاساسية علي ان مادام القران موجود الي اخر الزمان فان اللغة العربية ستبقي مهما حدث.
وعندما حدثته عما اراده الدكتور كراوس قال لي انه يعرفه ويعرف شطحاته المجنونه ولا عجب ان يقول كلام كهذا ويردد ما يقوله كفار قريش. وقال انه يأسف لان بعض العلماء او من ينسبون للعلم يشغلون انفسهم ويشغلون الناس بمثل هذا الكلام.
وهم مثل الذين يطلقون السهام علي الجبال فتكسر السهام ولا ينكسر الجبال، هذا القران لو انزله الله علي جبل لرايته خاشعا من خشية الله.
حرافيش القاهرة / عبد المنعم شميس