الفهرس
الحجاج بن يوسف الثقفي معلم القرآن الذي وطد حكم بني أمية
شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي لطالما أثارت الجدل علي مر العصور فلا تعرف هل تكرهه لعدم تقديره الصحابة و العلماء أم تحبه لدعمه الفتوحات و قمع الفتن التي هددت المسلمين في فترة من فترات التاريخ الاسلامي. فقد إشتهر بسفك الدماء لمجرد الشبهة و هو ايضا من أشار علي عبد الملك بن مروان بتنقيط حروف القرآن خوفا عليه من التحريف.
نشأة و ميلاد الحجاج بن يوسف الثقفي
هو كليب بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي . قرأت الإسم ؟ نعم هو كما قرأت عزيزي القاريء كليب وليس كم أشتهر بالحجاج وإنما سمي نفسه بذلك اي مكسر العظام لكثرة ماسفك من دماء .
ولد الحجاج بن يوسف الثقفي بالطائف وهو من قبيلة ثقيف وهي إحدي أكبر قبيلتين في الطائف والتي تنقسم بين قبيلتي هوازن وثقيف وقد تأخر إسلام ثقيف ولكنهم ثبتوا عليه وأبلوا بلاءا حسنا في حروب الردة .
أبوه هو يوسف بن الحكم الثقفي وقد كان معلما للصبيان يعلمهم القرآن الكريم بالإضافة للقراءة والكتابة و قد حذا الحجاج في شبابه حذو أبيه وعمل معلما للصبيان مثله .
أمه هي فارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي حفيدة الصحابي الجليل عروة بن مسعود الثقفي الذي أستشهد علي يد قومه عندما كان يدعوهم للإسلام وقبل زواجها من يوسف كانت متزوجة من الصحابي المغيرة بن شعبة الثقفي ولكنه طلقها و لذلك الحدث قصة غريبة رواها الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال : ” سمعت من يذكر ان المغيرة دخل علي إمرآته وهي تخلل أسنانها بالسواك و كان ذلك في أول النهار فلما رآها قال : والله لئن باكرت الطعام إنك لرغيبة دنية و إن كان الذي تخللين منه شيء بقي في فيك من البارحة إنك لقذرة .
فطلقها فقالت : والله ماشيء مما ذكرت ولكنني باكرت ماتباكره الحرة من السواك فبقيت شظية فحاولت إخراجها “.
وعندما تقدم يوسف لزواجها علم المغيرة بالأمر فقال له :” تزوجها فإنها خليقة ان تأتي برجل يسود ” . ويقصد المغيرة هنا بأن فارعة من خلال معرفته بشخصيتها إن أنجبت ولد فإنها ستربيه علي ان يكون سيدا لقومه مطاع أمره رجل يؤخذ برآيه و يعتد به .
ولازلنا مع الشافعي حيث قال : ” ان يوسف عندما تزوجها وحدث بينهم مايحدث بين الرجل وزوجته قص عليها أنه أتاه هاتف وهو نائم يقول : ما أسرع ما ألقحت بالمبير ( المبير اي القاتل سفاك الدماء)” .
فرزق منها بأول أبنائه و أسماه كليب .
الإنطلاق للشام
كما ذكرنا ان الحجاج بن يوسف الثقفي في شبابه عمل معلما للصبيان بالطائف يحفظهم القرآن الكريم ولكنه لم يكن يري ان تلك الوظيفة هي وظيفته الرئيسية رغم تآثيرها علي حياته بعد ذلك علي كل مافعل، فقد كان يعظم القرآن مواظبا علي قراءته كل ليلة هي ماخلق له فقد كان طامحا في ان يكون رجلا ذو مكانة فها هي نبؤة المغيرة تتحقق ورغم ان الطائف في ذلك الوقت تحت راية عبدالله بن الزبير إلا أنه لم ينضوي تحت رايته بل إنطلق إلي الشام حيث دمشق عاصمة بني أمية الذين كانوا يحاولون جاهدين لملمة شتات ملكهم المتضعضع ويريدون عودة العالم الإسلامي تحت رايتهم ولم يكن يقض مضجعهم في ذلك إلا وجود بن الزبير .
ما ان وصل الشام حتي إنضم لجيش بني أمية تحت قيادة الوزير روح بن زنباع قائد شرطة وجيش عبد الملك بن مروان والذي ما ان إنضم الحجاج لجنده حتي أعجب به لإنضباطه في العمل وفي فترة وجيزة أثبت الحجاج كفاءته وأصبح من المقدمين لدي بن زنباع .
ولكن هل إنتهت القصة علي ذلك بل علي العكس هذه فقط كانت البداية فعبد الملك مروان كان يريد ان يوحد دولة بني أمية مرة ثانية وكان في أشد الحاجة للجيش حتي يقضي علي بن الزبير ولكنه كان يعاني من ميل جنده للراحة والدعة علي العكس تماما من طبيعة الحياة العسكرية وعدم طاعتهم له فسأل روح بن زنباع ان يرشح له رجل يعيد الإنضباط والجدية لهم فرشح له الحجاج في لحظة فارقة ليست في حياة الحجاج فقط بل في تاريخ دولة بني أمية و تاريخ العالم الإسلامي.
فما ان عين الحجاج من قبل الخليفة حتي أخذ الجند بالشدة و القسوة وعاقب من يتمرد بمنتهي العنف وأعاد لهم الإنضباط الذي يفتقدونه حتي أنه في مرة من المرات يمر علي الجند ليتمم عليهم فوجد جند روح بن زنباع يأكلون ويمرحون بل ودعوه للجلوس معهم فرفض وعندما أمرهم تمردوا عليه فقام بحرق خيامهم وأحضر الجند يضربونهم بالعصي و السياط ليكفوا عن كسلهم .
وهنا حدث الصدام بينه وبين بن زنباع الذي شكاه لعبد الملك بن مروان طالب الحجاج عبد الملك ألا يكسره في قرار إتخذه لأنه يقوم بذلك حرصا علي الدولة وحتي لا يقلل من هيبته أمام رجاله، وهنا يظهر لنا ملمح مهم فى شخصية الحجاج أنه عندما كان يتولي منصب لم يكن يفرق في عقابه بين شخص وآخرمهما كانت مكانته فقد كان شغله الشاغل توطيد حكم بني أمية وتنفيذ كل مايمكن ان يساعده في ذلك .
حملة القضاء علي بن الزبير
بعد ان إزدادت ثقة عبدالملك في الحجاج و أيقن ان الحجاج أصلح من يوطد أركان دولته فكيف لا وهو من أعاد لجيش بني أمية إنضباطه، وأثبت أنه أصلح من يعيد لدولته هيبتها التي ضاعت تحت وطأة الفتن وعدم وجود من يستطيع لم شمل بني أمية .
لذا فقد عينه عبد الملك لحملته علي الحجاز للقضاء علي بن الزبير بعد ان قتل مصعب بن الزبير في العراق فكسر بذلك الجناح الرئيسي لدولة بن الزبير فما بقي له إلا الحجاز بعد إستيلاء عبد الملك علي العراق ومصر .
يزداد الوضع في العالم الإسلامي إشتعالا فالمواجهة بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير وصلت لمرحلة المواجهة الصفرية لا يمكن ان تنتهي بدون ان يقضي أحدهما علي الآخر . وبين هذا وذاك رجل كتب عليه ان يكون هو من يرسم هذا المصير ألا وهو الحجاج بن يوسف الثقفي قائد جيش الشام المتوجه إلي مكة لقمع حركة بن الزبير.
تحرك يومها في ثمانية آلاف مقاتل ثلاثة معه و خمسة آلاف مع نائبه طارق بن عمرو وكالعادة لايمكن ان يمر موقف كهذا دون يستغل دهاؤه فيه فقد رفض ان يسلك الحجاج طريق الشام مباشرة فيمرعلي المدينة المنورة بل توجه من العراق إلي مكة وتلاقي هو وبن عمرو علي أطراف المدينة المنورة . وقد كان طارق بن عمرو قد إستولي علي المدينة المنورة وضمها للأمويين وإلتقي بالحجاج فإلتئم الجيش وتوجهوا للطائف لا مكة .
هنا قد يتساءل القاريء لماذا الطائف لا مكة فذلك لسببين:
- لإعتدال جو الطائف وكثرة البساتين فيها لذا فهي أفضل مكان يستريح فيه الجيش ليستعيد الجند لياقتهم ويصبحوا اكثر إستعدادا و حماسا للقتال .
- فيها أهل الحجاج و عشيرته فهو من قبيلة ثقيف وهي أكبر قبائل الطائف بل هي معقلهم كما ان أهل الطائف كانوا ناقمين علي بن الزبير رغم تبعيتهم له بسبب إساءة بعد رجاله لهم وهو موقف حضره الحجاج وهو طفل فحفر في ذاكرته لذلك لم يوالي بن الزبير وظل يحمل له حقد دفين في قلبه وها قد حانت اللحظة ليشفي غليله .
ومع إقتراب اللحظة الحاسمة وبعد ان تحرك الجيش من الطائف بعث الحجاج بطلائع من سلاح الفرسان إلي عرفة فقد كانوا في موسم الحج في ذلك الوقت فحدثت الكثير من الإشتباكات بينهم وبين فرسان بن الزبير وفي كل مرة تنتصر طلائع الحجاج ثم نصب المجانيق وكعادته لم يراعي حرمة الشهر ولا المكان ونصب المجانيق وبدا القصف بها .
فلم يتوقف إلا بعد تدخل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما الذي كتب إليه قائلا :” اتق الله فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيرا “. فأوقف الحجاج الضرب بالمنجنيق وما ان إنتهت شعائرالحج حتي عاود الكرة دون توقف بل وفرض حصارا إقتصاديا علي بن الزبير ومن معه حتي ينفض الناس من حوله ومنع عنهم الماء فكانوا يشربون من بئر زمزم .
وإستمر ذلك الحصار القاسي لسبعة أشهر عاني خلالها أهل مكة الأمرين من ذلك الحصار و بالطبع كلما كسب الحجاج أرضا جديدة إقترب بجنده من حد الحرم حتي أنه نصب المجانيق بمنطقة التنعيم في مدخل مكة وبداية حد الحرم . بينما علي الجانب الآخر داخل مكة كان بن الزبير قوي القلب ثابت الجنان في موقف قلما نقابله في مثل هذا وهو الشيخ البالغ من العمر ثلاثة وسبعون عاما يواجه جند الحجاج بكل قوة وشجاعة وكيف لا وقد ورثها عن والديه الزبير بن العوام وأسماء بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهما وجدته لوالده صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول رضي الله عنها
لماذا نقول انه قلما نجد مثل هذا الموقف فقد إنفض من حوله الكثير من أتباعه بل ان إثنين من أولاده طلبوا الأمان من الحجاج وخرج من مكة عشرة آلاف نفس يطلبون الأمان فيهم الكثيرين من جنده بينما هو مرابط ثابت علي موقفه ولم يكن معه إلا قلة قليلة منهم الصحابي عبدالله بن صفوان بن أمية رضي الله عنهما وكان بن الزبير يحمل علي الكتيبة البالغة خمسمائة رجل فيصدها وحدها وظل يقاتل حتي أصيب بعد ان سقطت عليه حجارة من شرفات المسجد الحرام إثر ضرب المجانيق فذهب ليضمد جراحه فرآته إحدي خادماته فهالها المنظر فقالت :
” وأميرالمؤمنيناه ” فسمعها جند الحجاج فأنقضوا عليه فقاتلهم وقتلوه وحزوا رأسه وذهبوا بالجثمان والرأس للحجاج فقال طارق بن عمرو:” عقمت ان تلد النساء مثله “.
فإستشاط الحجاج غضبا وقال :” أتمدح مخالف أمير المؤمنين “.
قال :”نعم هو أعذر لنا ولولا هذا ماكان لنا عذر أنا محاصروه منذ سبعة عشر شهرا وهو من غير جند ولا حصن ولا منيعة فينتصف منا و يفضل علينا “فعلم عبد الملك بما قيل من قبل طارق فوافق علي كلامه، وعندما صلبه الحجاج أتت السيدة أسماء بنت أبي بكر وكانت قد قاربت المائة عام من العمر وضعف بصرها لتري ولدها ولك ان تتخيل إمرآة إبنها وهو في هذا الوضع المزري وقد صلب وحز رأسه وهو من السابقين في الإسلام وبينما تجتر أحزانها وعزائها الوحيد ان إبنها إستشهد في سبيل الله فرآها الحجاج و قال :” إن إبنك ألحد في هذا البيت وقد قال تعالي :” ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم “وقد أذاقه الله العذاب “.
فردت و قد تملكتها مشاعر إختلطت بين الحزن و الغضب لما قيل علي ولدها وقالت :” كذبت فهو اول مولود في الإسلام بالمدينة المنورة وسربه رسول الله وحنكه بيده ” وقد ردت علي الحجاج ردا غليظا أخجله الذي إنسحب خجلا وخزيا منها فبلغ الأمر عبد الملك بن مروان الذي قال له :” مالك وإبنه الرجل الصالح “.
وقد نصب الحجاج جثامين و رؤوس بن الزبير وبن صفوان علي أبواب مكة ليراها الناس وكذلك فعل بالمدينة المنورة ثم أرسل بهم لعبد الملك بن مروان . وبعد ان قضي علي بن الزبير وخلافته ولي الحجاج علي الحجاز من قبل عبد الملك فضم له مكة والطائف و جدة وبقيت فقط المدينة المنورة فتولاها طارق بن عمرو لكن لم يمكث بالولاية اكثر من شهرين فعزله عبدالملك و ضمها للحجاج وقد مكث في حكمه للحجاز عام من 74هجرية إلي 75هجرية كانت من أصعب الفترات علي اهل الحجاز فلم يسلم من شدته أحد حتي صحابة رسول الله الذين كانوا علي قيد الحياة مثل أنس بن مالك و جابر بن عبد الله و سهل بن سعد فختم علي أعناقهم و أيديهم لشكه في ولائهم لبني أمية بسبب خلافهم مع ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وكذلك كان قد تسبب في قتل عبد الله بن عمر فقد امر أحد الجند بضرب عبد الله بن عمر بحربة مسمومة في قدمه أثناء أداؤه شعيرة الحج فمرض بسببها وكان قد بلغ به العمرعتيا وكان مرض موته رضي الله عنه وعن أبيه .
وما إن جاء عام 75 هجرية حتي آتي الفرج لأهل الحجاز فقد توفي والي العراق بشربن مروان أخو عبد الملك بن مروان فأراد ان يخفف عبد الملك بن مروان معاناة أهل الحجاز منذ حصار مكة إلي ان تولاهم الحجاج فعزله وولاه حكم العراق أرض الفتن والقلاقل والطوائف المتناحرة منذ عهدالفاروق عمر بن الخطاب الذين ما ان حكمهم أمير إلا وخرجوا عليه بسبب وبدون سبب حتي أنهم إفنروا بالكذب علي سعد بن أبي وقاص عندما تولي حكم العراق في عهد الفاروق فأراد عبد الملك ان يعين لهم من يأخذهم بالشدة و يقمع ثوراتهم و يجبرهم علي الإنضمام للجيوش المحاربة للخوارج فلم يجد أصلح من الحجاج وهو ماسنعرفه في الحلقة القادمة وفي توليه العراق ستظهر حسنات للحجاج لم نكن نعلم عنها شيئا.
ولايه الحجاج بن يوسف الثقفي للعراق
كان النهار قد قارب علي الإنتصاف في أحد أيام الجمعة وقد كان إثني عشر فارسا ينهبون الصحراء نهبا يبدو أنهم في عجلة من أمرهم فما ان دخلوا الكوفة حتي دخلوا المسجد يتقدمهم رجلا يرتدي عمامة ذات لون أحمر قاني بلون الدم وقد لثم وجهه وتمنطق بسيفه وتنكب بقوسه و كنانته .
طال الصمت من قبل الرجل لكنه لم يطل من أهل الكوفة فمنهم من كان يظن أنه من الخوارج وقليل من كان يعلم أنه الأمير الجديد ووسط كل هذا قال رجل يدعي عمير بن ضابيء لولده محمد وعبد الرحمن بن الأشعث و حاجب بن زرارة” ألا أحصبه لكم ” وقد تناول الحصي من أرض المسجد وكانت هذه عادة أهل العراق مع ولاتهم منذ عهد الفاروق عمر بن الخطاب ثم أكمل قائلا :” لعن الله بني أمية حيث يستعملون مثل هذا وضيع الله العراق حيث يكون هذا أميرها فوالله لو دام هذا الأمير كما هو لما كان بشيء ” .
وبينما الناس في غمرتهم أماط الرجل اللثام عن وجهه وهولم يكن إلا الحجاج وأنشدهم أبياته الشهيرة قائلا :<br> أنا بن جلا وطلاع الثنايا مت أضع العمامة تعرفوني ثم بدأ خطبته الشهيرة فقال :
يا أهل الكوفة إني لأري رؤوسا قد أينعت و حان قطافها و إني لصاحبها وكأني أنظر للدماء بين العمائم واللحي .
وأنشدهم الشعر مرة أخري قائلا :
هذا أوان الشد فأشتدي زيم وقد لفها الليل بسواق الحطم
ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار علي ظهر وضم
فتلقها الليل بمصلي أروع خراج من الدوي
مهاجر ليس بأعرابي قد شمرت عن ساقها مشدودا وجدت الحرب بكم فجدوا
وليس القوس فيها وترعود مثل ذراع البكر و أشدإني والله يا أهل العراق مايقعقع لي بالثنان ولايغمز جانبي كتغمازالتين ولقد فرزت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاؤه نثر كنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة و إضجعتم في مراقد الضلال والله لأحزمنكم حزم السلمة و لأضربنكم ضرب غرائب الإبل فإنكم كأهل قرية :” كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ” . وإني والله ماأقول إلا وفيت ولا أهم إلا أمضيت ولا أخلق إلا فريت وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وان أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلف بعد أخذ عطائه إلا ضربت عنقه .
وكان لتلك الخطبة سريع الآثر فقد أثار ذعرهم وفزعهم مما يجعلهم يحسبون له ألف حساب إذا أرادوا الخروج عليه فهو ليس مثل سابقيه كما يبدو وقد نجح في قلب حالهم من حال إلي حال فبعد ان إستعدوا لرميه بالحصي كما إعتادوا مع أمرائهم فإذ بهم يسارعون للإنضمام لجيش المهلب .
ثم تلا عليهم خطاب الخليفة وبينما الغلام يقرأ الخطاب فألقي عليهم سلامه عليهم فلم يردوا فأغلظ الحجاج لهم القول و أعاد الغلام قراءة ذلك الجزء فردوا السلام عن بكرة أبيهم فما ان إنتهي حتي جاءت القبائل قبيلة قبيلة لمبايعته بينما كان الناس يهرعون لبيوتهم ليستعدوا للإنضمام لجيش المهلب برامهرمز ليحاربوا الخوارج .
وفي اليوم الثالث جاء عمير بن ضابيء الذي سبق ان ذكرناه ليعتر عن الخروج بحجة كبر سنه وقدم ولده بدلا منه فقال الحجاج : “هذا خير لنا من أبيه ” وسأل الرجل :” من أنت ”
فقال : ” أنا عمير بن ضابيء الحنظلي التميمي ”
فلعل الحجاج عندما سمع الإسم حدجه بنظرة نارية كادت تحرقه مكانه وهويقول :” أو ليس أبوك من قال : ممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت علي عثمان تبكي حلائله
فقال : ” بلي ” فقال الحجاج : ” ألست من غزا عثمان بن عفان ( اي ممن هاجموا بيته يوم إستشهاده وقد كان عمير من قتلة عثمان فقد ضربه بالسيف فقطع أصابعه وسيدنا عثمان يرد عن نفسه الضربة )”
قال : بلي فقال الحجاج : ” ياعدو الله أفلا عثمان بعثت بدلا ؟ فما حملك علي هذا ؟
فقال : حبس أبي وهو شيخا كبيرا .
فقال الحجاج : ” وإني لأحسب في قتلك صلاح المصرين إنه لقبيح بمثلي ان يكون كذابا ياحرس إضربوا عنقه”
فضرب عنقه وصودر ماله وقد أحسن الحجاج فعل لك فأمثال عمير ممن تسببوا في فتنة دفع ثمنها المسلمون بعد لك كما أنه أحسن عندما لم يراعي سنه فالقاتل قاتل مهما تقدم في السن وهل راعي عمير ومن معه ان ذي النورين كان وقتها في الثانية و الثمانين من عمره . وكان لهذا الموقف زيادة في فاعلية الحشد الملتحق بالمهلب الي فوجيء بالأعداد الغفيرة الملتحقة به حتي ان الناس تساقطت من علي القنطرة فأمر الحجاج ببناء إثنتين لتسهيل عبورهم وحفاظا علي حياتهم .<
حمايته للقرآن من التحريف
سبق وان ذكرنا ان الحجاج كان معظما للقرآن وأهله كيف لا وهو من كان يعلم الصغار حفظه وتلاوته .<br> فمع إتساع الدولة الإسلامية وإزدياد أعداد دخول غيرالعرب للإسلام وهم بطبيعة الحال لايحسنون اللسان العربي فهاله سماعه قراءتهم للقرآن و قد ألحنوا في القرآن وهم يقرأونه و كعادة الحجاج في الأمور الصعبة إتخذ قرارا حاسما وسريعا فإستدعي نصر بن عاصم الليثي لينقط الحروف وقد كانت العربية تكتب بلا تنقيط ولا تشكيل فإستمر الحال في اللحن في القراءة فشكل لجنة من يحي بن يعمر والحسن البصري بإحداث التشكيل ثم شكل لجنة من القراء و الحفاظ إلي جانب الحسن البصري و يحي بن يعمر و أبو الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم الليثي لتحديد ثلث ونصف وربع القرآن و تعديد حروفه وتشكيله و تنقيطه .
تعريب الدواوين
كان للحجاج قصب السبق في لك المجال و قد أشار بذلك علي عبد الملك بن مروان حتي تصطبغ الدولة الإسلامية بصبغة عربية فلا تكون مصالح المسلمين في أيدي غير العرب و أهل الذمة فعين للديوان زادان بن فروخ بن بيري و يعاونه صالح بن عبد الرحمن مولي بني تميم وما ان قتل زادان في فتنة بن الأشعث حتي عين الحجاج صالحا مكانه وكان الحجاج لديه الرغبة في تعريب الدواوين فكان ما أراد فأخرج جيلا من الكتبة العرب وساهم ذلك في إنتشار اللغة العربية بشكل كبير في شتي أصقاع العالم الإسلامي .
الإصلاح الزراعي
عند تولي الحجاج العراق كان خراجها ضعيفا وذلك بسبب أحداث ثورة بن الزبير وحروب الخوارج فكل هذا اكل الاخضر واليابس فقام الحجاج بعمل إصلاحات في مجال الزراعة ليزيد الرقعة الزراعية من ناحية و ليجني الخراج ويمول خزينة الدولة من جهة أخري فقا بتجفيف المستنقعات والتي جفف قليل منها من قبل من سبقوه فزادت الرقعة الزراعية كما جنب أهل العراق خطر الأمراض فوجود المستنقعات يتسبب في وجود الحشرات والهوام الناقلة للمرض كمان قام بشق الترع والقنوات ليسهل علي الزراع ري أراضيهم ومنع هجرة اهالي القري للمدن بعد غن زادت مما يؤدي لهجر الأراضي الزراعية و إنتشار المجاعة كما إهتم بالثروة الحيوانية للإستفادة من جلودها ولحومها و ألبانها .
الأمن الداخلي
لم ينضبط العراق بشهادة كل المؤرخين في العصور القديمة في عهد أحد مثلما إنضبط في عهد الحجاج فبالإضافة لإهتمامه بالقضاء علي حركة الخوارج و إشتعال ذلك الوقت العصيب في تاريخ الأمة الإسلامية بالفتن والقلاقل إلا ان الحجاج نجح في إرساء الأمن في العراق فقد قام بالضرب بيد من حديد علي أيدي قطاع الطرق واللصوص ومن يتعرضون للنساء كما قام بتطهير العراق من الكلاب الضالة و المسعورة بقتلها ومنع البغاء والخمور .
ولتوضيح هذا نعرض لكم موقفين وهما يعبران عن حرصه عن تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب وحرصه وغيرته علي نساء وهما كالتالي :
- فعندما طلب رجل ليتولي قيادة شرطته وصف الرجل المطلوب وصف يدل علي حرصه علي تعيين من يستطيع تحمل عبء المنصب لايجامل فيه ولايخون الأمانة فقال :” أريد رجل دائم العبوس طويل الجلوس عجيف الخيانة سمين الأمانة لايحنق في الحق علي الحرة يهون عليه سؤال الأشراف في الشفاعة ” فأشاروا عليه بعبد الرحمن التميمي فأرسل إليه فرفض خوفا من ان تتدخل حاشية الحجاج في عمله فرد عليه الحجاج بأنه لن يسمح لأحد بذلك فقبل عبد الرحمن بالمنصب .
- الموقف الثاني وهو في حماية أعراض المسلمين : فقد حدث ان خرج عسكر من الكوفة إلي خراسان وكان أحدهم حديث عهد بزواج فكان يتسلل ليهرب لمنزله ليلتقي بزوجته ثم يكر عائدا لمعسكره ففي احد الأيام فوجئت الزوجة بطرق شديد علي الباب فإذ بجندي من جند الشام سكران فقالت لزوجها انها تنال منه الأذي كل يوم ويتعرض لها فقال لها ان تأن للشامي فأذنت فقتله العراقي دفاعا عن عرضه وعندما شكا الشاميون للحجاج فإستدعي المرأة فأخبرته بما حدث فقال :” خذوا صاحبكم لا قود له ولاعقل فإنه قتيل الله إلي النار “. أما موقفه في الفتوحات ودعمها وثورات الخوارج و الزنج فلتلك حديث آخر
ومازلنا في رحلتنا لسبر أغوار سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي أكثر شخصيات التاريخ الإسلامي إثارة للجدل فكما ذكرنا بداياته التي شكلت شخصيته ثم حكمه للحجازومن بعدها العراق سنذكر لكم كيف تعامل مع الثورات والفتن التي إشتعلت في تلك الفترة العصيبة من التاريخ الإسلامي وإستغلال أهل العراق للوضع وسنتناولها بالترتيب التالي :
- ثورة عبد الله بن الجارود
- ثورة الزنج
- ثورات الخوارج
- ثورة ابن الأشعث
ثورة عبد الله بن الجارود
وهو أولهم إشتعالا في وقت عصيب بعد وقت قليل من تولي الحجاج للعراق وإجباره لأهلها علي الخروج لحرب الخوارج مع المهلب بن أبي صفرة وكان وقتها برستقبازوكان أهل البصرة قد ضجوا مما حدث من الحجاج معهم ومع اهل الكوفة من شدة وقسوة في التعامل يستحقونها فتقدم إليه عبد الله بن الجارود معترضا علي عدم إقرار الحجاج الزيادة التي أرساها بن الزبير لأعطيات الجند إلا ان ابن الجارود رغم ماقام به من إعتراض لم يثق بمن خلفه فقال حتي يورطهم معه بالأمر ويضمن دعمهم :”هذا قول من ورائي ” ومن ناحية آخري ليرهب الحجاج .
وكعادة الحجاج فقد إستغل دهائه فرفض ان يطيل معه الجدال في وقت هو يحتاج ان يسخر كل الجهود لوأد الخوارج بجيش المهلب وحتي لا تنهار معنويات جنده فإنسحب من الجدال ودامت هدنة بينهما لمدة شهركان ابن الجارود يجمع المؤيدين حوله بمنتهي الحماس ويدبر الخطة للإطاحة بالحجاج ومطالبة عبد الملك بوالٍ غيره وما ان وصلت الأخبار للحجاج بما يدبر له حتي أمن بيت المال وخزائن السلاح حتي لا يصلوا إليه وفي يوم الواقعة لم يكن حول الحجاج إلا أهل بيته و حاشيته وحرسه مما وضعه في موقف شديد الخطورة فخرج أهل البصرة وراء بن الجارود فهاجموا فسطاط الحجاج برستقبازحتي أنهم نهبوا متاعه وأسروا زوجتيه بنت النعمان بن بشير وزوجته الثانية أم سلمة بنت عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمرو .
ولا يمكن ان ننكر ان الحجاج في وضع معقد شديدالخطورة ولكن طبيعة شخصية الحجاج الواثقة في النفس ساعدت في تجاوز الموقف حتي أنه شاور رجاله منهم زياد بن عمرو العتكي قائد شرطة البصرة الذي أشار عليه بطلب الأمان فأغضب ذلك الحجاج و لكنه أسرها في نفسه و عثمان بن قطن الحارثي الذي أشار له بطلب الدعم من وجهاء البصرة فطلب دعم محمد بن عمير بن عطارد و عبيد بن كعب النمري فطلبا ان يحضر لهم فأبت نفس الحجاج الأبية و هنا يجب ان نتحدث عن نقطة مهمة هي ان كلا منهما تميز بالثقة في النفس بشكل كبير لكن إختلف إستخدام كل منهم لتلك الصفة عن الآخر كما يتمتعان بالقيادة وكانت سلاح ذو حدين لذا سنري كيف إستخدم كلاهما تلك الصفة . في معسكربن الجارود : نري هنا بن الجارود يعد الخطة و يلعب علي سياسة النفس الطويل وبدأها ببث الذعر في نفس الحجاج عندما هاجم فسطاطه ثم جمع المؤيدين حتي يشعر الحجاج باليأس مع الوقت فيستسلم للأمر وبينما يعد خطته حتي أشار الغضبان بن اقبعثري الشيباني قائلا :” تعشي بالجدي قبل ان يتغدي بك أما تري قد أتاه منكم ولئن أصبح ليكثرن أنصاره ” . فقال : ” قد قرب المساء ولكننا نعاجله بالغداء ” وبينما يثق ابن الجارود ثقته الزائد كان يتشاور في الخطة مع ابن الهذيل وبن حكيم فمر بهم عباد بن الحصين الحبطي فقال :” أشركونا في نجواكم ” فأغلظوا له الرد قائلين :” لا نشرك أحد من بني الحبط في نجوانا “. فأشعل ذلك غضبه ذاهبا للحجاج في مائة رجل وأعطاه الحجاج مايليق به من مكانة وكانت فاتحة خير للحجاج فاتي الناس من كل فج عميق بالعراق يبايعونه ضد بن الجارود فحشد له ستة آلاف رجل فهندما جاء الصباح خرج بهم لإبن الجارود الذي أصيب بالذعر من هذا المنظربسبب تأخره في القضاء عليه مبكرا وبدأ القتال وكان في باديء الأمر في صالح بن الجارود والذي خانته ثقته الزائدة مرة آخري فأرسل للحجاج يعرض عليه الأمان فقرأ الحجاج الخطاب وأوهم جنده ان بن الجارود يريد الأمان فألهب بذلك حماس الجند وإنقلبت له الدائرة وهزم بن الجارود ومن معه وضرب عنقه هو ورؤوس ثمانية من قادته وأرسلها للمهلب بن أبي صفرة فرفع بذلك معنويات الجند وشعروا ان ظهورهم في العراق مؤمنة .
ثورة الزنج
ولم يكد ان يتخلص الحجاج من بن الجارود ومن معه حتي ضج الزنج بأوضاعهم السيئة و معاملة أهل البصرة الحقيرة لهم حتي تجمعوا علي ورجل منهم يقال له رباح شيرازنجي أرسل بخطاب شديد اللهجة لعامل الحجاج علي الأبلة و الفرات كراز السلمي ففر من وجهه ما ان علم الحجاج إلا أنه تعامل مع الأمر بمنتهي الحسم كعادته فأمر زياد بن عمر صاحب شرطة البصرة بإنفاذ جيش لمقاتلتهم فأخرج جيش بقيادة إبنه فهزم وقتل . فأنفذ الحجاج جيش آخر بقيادة كراز نفسه فلعل ذلك يرد كرامته بعد ماحدث له في الأبلة و الفرات فخرج لهم وقاتلهم حتي أفناهم مابقي منهم إلا القليل النادر و قتل رباح .<br> والزنج هم عبيد كان يآتي بهم تجار الرقيق من شرق إفريقيا من دول تنزانيا وزنزبار ليعملوا بالزراعة و مناجم الملح وحفر الترع و الأنهار ويبدو ان أهل العراق ماتعاملوا مع أحد إلا أساؤا إليه حتي أنهم كانوا يهينونهم ويثقلون كاهلهم بالأعمال ويحقرون من شأنهم وكان ذلك سببا لثورتهم .
حرب المهلب مع الخوارج
كما ذكرنا ان الحجاج لم يأل جهدا لدعم المهلب في حرب الخوارج منذ ان تولي العراق من يومه الأول في دعمه بالجند والمال وكل مايخص الجيش حتي أنه أخذ الكثيرين من وجهاء البصرة والكوفة إلي رامهرمز وأمرهم بالمكوث فيها وذلك لرفع معنويات الجند من كلتا المدينتين وأعد لهم دوربها إلا ان رغم براعة المهلب العسكرية في مقاتلة الخوارج لم تشفع للحجاج ان يمارس هوايته في الإستبداد بالأمر فالحجاج كان يريد ان يضربهم المهلب ضربة واحدة سريعة تقضي عليهم تماما بينما المهلب يري عكس ذلك فكان يري انه مع الوقت سيتفككون وينفرط عقدهم لمعرفته بهم وطريقة تفكيرهم في تصلبهم في الرآي وإمتزاجهم مابين العرب و العجم مما يؤدي للفتنة بينهم بعد ذلك كمان انه لا يمكن مباغتهم بحرب خاطفة لشدة صبرهم في القتال وشجاعتهم الشديدة فكان يستخدم معهم أسلوب المكر فيدس الدسائس بينهم ويعد الخطط الهجومية و الدفاعية القوية حتي لايخترقوا دفاعاته ولايقووا علي مقاومة هجماته كما كان يقطع عنهم الموارد من ماء وزرع في كل مدينة يستولي عليها منهم فيجفف مواردهم وأثبت المهلب صحة وجهة نظره وقدر الحجاج له ذلك وكافأه وولاه خراسان كما ولي أبناؤه يزيد والمغيرة وقد أوردنا جهاد المهلب في مقال خاص عنه .
ثورات الخوارج
كان الخوارج بقيادة شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني وكان من أشد الخوارج بأسا حتي انه هزم أكثر من جيش أنفذه الحجاج لمواجهته وكان ذو بأس وشجاعة فلم يهزم إلا بعد ان خرج الحجاج بنفسه له بجيش وإستمرت محاربة الحجاج لهم لمدة 4 أعوام بعد طردهم للأهواز مات شبيب بعد ان سقط من علي فرسه في نهر دجلة وكان قد سبقته للموت غزالة والتي كانت تقاتل معه وكادت تقتل الحجاج وآثر موتها به كثيرا فقد كان يحبها حبا جما و يذكر كثير من المؤرخين ان نهايته الحقيقية كانت مع مقتل زوجته علي يد جيش الحجاج .
- ثورة بن الأشعث
أخطر الثورات علي بني أمية بعد حركة بن الزبير حيث إستمرت ثورة بن الأشعث لأربعة أعوام وفي السطور التالية سنتلو عليكم أسبابها .كان عبد الرحمن بن الأشعث من وجهاء العراق و من أشراف قبيلة كندة العربية اليمنية ولكنه كان ذو عيب خطير ذو إنفة زائدة عن الحد وكان هو والحجاج علي كراهية شديدة واكثر من مرة يعلن كل منهم للآخر عن كراهيته ولكي يتخلص الحجاج منه أنفذه اكثر من مرة ليقود او يشارك في الجيوش المحاربة للخوارج وفي آخر مرة ولاه قيادة جيش فيه أربعين ألفا لفتح بلاد الترك فكان عبد الرحمن يفتح البلد تلو الآخري وأراح جنده فقد كان يريد ان يتعرف علي البلاد أولا حتي لا يفاجأ بما يضر الجند كما حدث مع الجيش الذي سبقه والذي بلغ عشرين ألف مات من منهم خمسة آلاف من الجوع إثرتجفيف رتبيل ملك الترك للمياه و قطع الأشجار فكان الجند يأكلون فيموتون بسبب ان أمعائهم مالانت للأكل بعد إلا ان عبد الرحمن اطال في الراحة بشكل مبالغ فيه فقد كان الحجاج يريد ان تفتح البلاد بشكل كامل وذلك لطبيعة الحجاج الحاسمة فأرسل له رسالة وأغلظ له القول فيها فأثار ذلك غضب عبد الرحمن وهنا نتوقف عند نقطة من الطبيعي ان يغضب عبد الرحمن لنفسه لكن ان يحول غضبه إلي ان يعمل علي التحالف مع رتبيل ملك الترك عدو المسلمين طالبا منه الأمان في حال هزم من قبل الحجاج ويعود بالجيش ليعزل الحجاج فهو موقف من قبل الغباء السياسي والنظر للمصلحة الشخصية فخطب في الجند وألهب مشاعرهم علي الحجاج وكسب ولائهم وعاد بالجيش للعراق عازما علي عزل الحجاج حتي أنه مر بالمهلب في خراسان و طالبه بالتحالف معه فرفض المهلب كما قال مايعني ان من يطالبه من بالخروج علي الحجاج أصغر من أبنائه ونصح المهلب الحجاج قائلا له ان يسمح لجند العراق ان يلتقوا نسائهم وأولادهم فإن فعلوا ذلك ثبطت عزيمتهم وإنفضوا عن ابن الأشعث ويقاتل من بقي منهم وذلك لخبرة المهلب بجند العراق و اهلها لكن للأسف لم يستمع الحجاج للنصيحة فقاتل عبد الرحمن وكان لعبد الرحمن مؤيدون كثيرون من القبائل اليمنية مما ألهب عصبيتهم القبلية فهو من سلالة ملوك كندة . وإستمرت تلك الفتنة لأربع سنوات حتي وقعت معركة دير الجماجم والتي إستمرت مائة يوم وقد كانت تلك الفتنة أثارت قلق عبد الملك حتي أنه قد أرسل بخطاب ليعزل الحجاج وهو ما أحزن الحجاج ويولي العراقيون من يرونه مناسبا لهم أو يولي عبد الرحمن ولاية يظل فيها حتي وفاته وذلك حقنا لدماء المسلمين . إلا ان الحجاج حقق النصر في ديرالجماجم بعد ان فر عبدالرحمن تاركا خيرة جنده تحت رحمة جيش الحجاج هاربا إلي رتبيل طالبا منه اللجوء السياسي
دعم فتوحات قتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم الثقفي
كلا من القائدين كانا صنيعة الحجاج فقتيبة ساند الحجاج يوم بن الجارود فكان من خاصته وولاه فتوحات بلاد ماوراء النهر كلها رغم صعوبة تلك المنطقة و شراسة أهلها إلا ان قتيبة نجح في فتح مرو وبخاري وسمرقند حتي وصل علي كاشغر علي حدود الصين ورفع رايات الإسلام خفاقة علي تلك الأصقاع فلم تنكس له راية او يكسر له جيش وكان من قادة المسلمين المشهود لهم بالعبقرية العسكرية وسنورد سيرته في مقال خاص عنه في الموسم الثاني من السلسلة . أما محمد بن القاسم الثقفي فهو ابن عم الحجاج واتم فتح بلاد السند وهو لم يكمل الثامنة عشرة من عمره . وقد كان العرب يسمون أفغانستان و باكستان و الهند بلاد السند فقد أعد الحجاج الجيش إعدادا رهيبا حتي انه أرسل معهم الإبر والخيوط و الخل وأرسل معهم من يقوم بمهام الطبخ و إعداد الملابس و الأسلحة وهو مايسمي حاليا بسلاح الخدمات و كان فتح السند بسبب ان ملك جزيرة الياقوت ( سريلانكا ) كان قد أرسل فتيات مسلمات للعراق ليعشن بها فقرصنت علي سفينتهن سفينة من سفن داهر ملك السند فقالت إحدي الفتيات :” واحجاجاه ” مستنجدة به فعلم الحجاج فقال :” لبيك ” فأرسل الحجاج الجيش بقيادة محمد بن القاسم والذي كان قد تجاوز السابعة عشرة من عمره بقليل ولكنه علي صغر سنه قام بما لم يستطع عمله سبعة من قادة المسلمين قبله ففتح السندودخل عاصمتهم الديبل وكان لهم منارة يتفائلون بها فقال له بعض المسلمون من اهل السند ان المنارة هذه إذا قصفت وقع في نفس أهلها وعرف اهل الديبل انها ستسقط فقصفها بالمنجنيق وفتح المدينة بعد مقاومة شرسة من الهندوس وهزم داهر ملك السند وأرسل رأسه للحجاج .
علاقة الحجاج بعبد الملك وولده الوليد
كان الحجاج محط ثقة عبد الملك ورجله الأمين وقد أثار ذلك الكثير من غيرة أمراء بني امية وأولهم خالد بن يزيد بن معاوية والذي كان يجهر للحجاج بالكراهية وكذلك كان الحجاج له وطوال خدمة الحجاج مع عبد الملك لم تهتز ثقة عبد الملك فيه قيد أنملة إلا أثناء فتنة بن الأشعث وقد أغلظ عبد الملك له القول عندما علم بإهانته لأنس بن مالك رضي الله عنه وذلك لمقامه كصحابي وخادم رسول الله .<br> وقد كان الحجاج صاحب حظوة لديه وأحيانا ماكانا يجلسان يستامران بعيدا عن شؤون الحكم والسياسة ولذلك وقعتهم الطريفة عندما قال عيد الملك : ” ماعيبك ياحجاج؟”<br> الحجاج :” إعفني يا أمير المؤمنين .<br> فكررها عبد الملك مرتين فقال الحجاج :” لجوج حقود حسود “<br> فضحك عبد الملك وقال :” إذن بينك و بين إبليس نسب “<br> ولا أدل من ذلك علي ثقة عبد الملك فيه من كلمته عند وفاته لولده الوليد عندما قال :” إحرص علي الحجاج فإنه من وطأ لنا هذه المنابر”<br> .<br> أما الوليد فقد كان الحجاج بمثابة الأستاذ له و رجل مشورته الأول وكان الوليد يصفه بأنه جلد وجهه كله حتي انه قبل وفاته بفترة بسيطة مرض مرضا شديدا وعندما أفاق قال ضاحكا : ” ماسر أحد بشفائي مثل الحجاج ” وقد دعي الحجاج الله ألا يعيش بعد الوليد وقد توفي الحجاج قبل الوليد بفترة بسيطة إثر إصابته بسرطان المعدة .<br> أما الحجاج وعلاقته بالصحابةوالعلماء والتابعين وصفاته و ثقافته و حياته الشخصية فسنتعرف عليها في المقال القادم .</p>
والآن وقد حان موعد نهاية رحلتنا مع الحجاج بن يوسف الثقفي فبعد ان تحدثنا عن نشأته و رحلة صعوده لمكانته المميزة عند بني أمية ثم أسلوبه الإداري والأمني .<br> اليوم نتحدث عن ملامح شخصية الحجاج وأسرته وعلاقته بالصحابة وعلماء التابعين بل وحتي هيئته وملامح وجهه .<br> فقد كان الحجاج يتصف بعدة صفات وكما رآينا بينها تناقض كبير .
اتصافه بالكرم
كان شديد الكرم علي عادة كثير من العرب فقد كان يقوم بدعوة الناس للطعام عنده في القصرعلي ألف مائدة كل عشرة علي مائدة آي انه يدعو عشرة آلاف فرد كل يوم يطوف عليهم ساقيان ساقي معه العسل والماء وساقي معه اللبن بل أنه كان يرفض ان يتناول طعامه وحده فقد كان يطالب خدمه وحرسه بمناداة من يآتي من يتناول معه الطعام حتي ولو كان رجل لا يعرفه من عامة الناس .
الدهاء
رجل مثل الحجاج وفي كل الأعمال التي قام بها وأقواله تدل علي أنه يتصف بهذه الصفة وقد برزت في أكثر من موقف شهير فعلي سبيل المثال في فترة حكمه للحجاز بني بابا للمدينة المنورة فبني عبد الملك مثله فساء الطقس في أحد الأيام فأصيب باب عبد الملك بصاعقة فتهدم وإحترق فدخل في نفس عبدالملك شيء من الحسد علي الحجاج فتدارك الحجاج الأمر قبل ان يري عبدالملك مرسلا له مواسيا إياه انه كان من علامات قبول القربان إلي الله ان تأكله النار أليس في قصة ولدي آدم مايدل علي ذلك فأزال بذلك مادخل في نفس عبدالملك مماحدث .
وموقف آخر عند حكمه للعراق ففي ذات يوم خرج من منزله في وقت القيلولة آي في الوقت مابين الظهر والعصرولم يكن أحد بالطريق إلا عبدالله بن ظبيان قاتل مصعب بن الزبير فرآه الحجاج فقال له :” أما رآيت يزيد بن أبي مسلم كاتبي ” فقال بن ظبيان :”لا” فرد الحجاج قائلا :” إذهب إليه فإني عهدي لك علي الري معه ” آي قرار تعيينك حاكما للري . فذهب بن ظبيان ليزيد فقال له يزيد ان الحجاج لم يرسل معه شيئا يخصه ففهم بن ظبيان ان الحجاج خشي ان يقتل علي يده وكان ظن الحجاج في محله فقد كان بن ظبيان ينوي ذلك مستغلا الموقف وقد رويت هذه الرواية في كتب التاريخ علي لسان بن ظبيان نفسه ممايؤكد صدق حدس الحجاج .
الصراحة وحب الفكاهة
كان الحجاج من الشخصيات شديدة الصراحة لايراوغ ولا يداري ويصرح لمن يحبه أو يكرهه بكلام يظهر مشاعره ولعل أبرز مواقفه هي تكراره مصارحة أهل العراق بكراهيته لهم .
أما بخصوص حبه للفكاهة فقد خرج ذات يوم للصيد أيام ولايته للحجاز فإنفرد وحيدا عن حرسه فقابل أعرابي وبدا علي الأعرابي الضجروالغضب فسأله الحجاج عن سيرة أميرهم فقال الأعرابي :”ظلوما غشوما ” فرد الحجاج :”ولما لا تشكونه لعبدالملك ؟” فقال الأعرابي :” أظلم وأغشم ” فما ان إقترب الحرس منهم ولحقوا بالحجاج حتي امرهم بالقبض عليه فقال له الأعرابي :” أحب ان يكون السرالذي بيني وبينك مكتوما ياحجاج ” فضحك الحجاج و أمر بالعفو عنه
الحقد
كان الحجاج لايحب ان يكون أحد من هو أفضل منه حتي أنه إذا سمع من احد الناس مايسؤه حقده له حتي يآتي الموقف المناسب لردها له او لمعاقبته ولعل ذلك كان واضحا منه تجاه الصحابة فيمن شك في ولاؤه منهم لبني امية
غيرته علي أعراض المسلمين
ذكرنا قبل ذلك موقفه مع الجندي الشامي الذي حاول مراودة المرىة العراقية عن نفسها فقتله زوجها، فقد كان يصف نفسه بالغيور الغيور ويعاقب من يهتك حرمات المسلمين بالموت فحدث ان كان إبن أخيه محمد حاكما لمدينة واسط فراود فتاة عن نفسها فتمنعت عليه حتي ضجرت منه فاخبرت إخوتها فقالوا لها ان تجعله يدخل عليها البيت فدخل البيت فقتلوه ومزقوا جسده إنتقاما لعرضهم فما ان علم الحجاج حتي أصدر الأمر للشرطة ان تحقق في الأمر فتأكد من صدق الفتاة فقال لها :”أكثر الله من امثالك “أما جثمان إبن أخيه الممزق فقد أمر ان يرمي لإطعام الكلاب .
وبعد واقعة دير الجماجم كانت زوجة عبدالرحمن بن الأشعث ضمن الأسري فأمر أحد الخدم ان يقول لها :” ياعدوة الله أين مال الله تحت ذيلك ” آي تحت يدك .فقال لها الخادم نفس الجملة وحرف نهايتها قائلا :” تحت إستك ” آي تحت مؤخرتك فغضب الحجاج ونهره وعفا عنها ردا لكرامتها .
هيئته
كان الحجاج قصير القامة صغيرالجسد ضيق العينين كبيرالرأس دقيق الساقين وقد كان يعاني من ضعف في لكثرة قراءة الرسائل التي ترد إليه من عماله و قادته .
زوجاته و أبناؤه
وهنا يجب ان نتوقف عند نقطة مهمة ألا وهي زوجته المسماة هند التي جابت قصته معها أفاق الفيس بوك عن انها كرهته وتزوجها عبد الملك بن مروان من بعده فتلك القصة مكذوبة ومزورة فكيف برجل مثل عبد الملك بن مروان وهو من هو ان يقلل من شأن أقوي وأخطر رجاله لاجل رغبة إمرآة أو كما يقال انها كشفت عن ساقها للشعراء وكتبت لهم لكي يمدحوها وهو سلوك يشين المرآة لا يكرمها فقد كرمها الإسلام كمان ان العرب معروف عنهم شدة غيرتهم علي حرماتهم فكيف يتزوج عبد الملك بن مروان إمرآة مثل هذه علي الأقل لن يتزوجها حتي لاتهتز صورته كخليفة للمسلمين .
أما بخصوص الحجاج فقد تزوج إمرآتين إسمهم هند وهما كل من هند بنت المهلب وطلقها عندما ناحت علي أخيها يزيد عندما سجن وعذب في سجن الحجاج وهند بنت خارجة الفزاري والتي كانت تحب عبيد الله بن زياد ولكنها لم تتزوجه وتزوجت بشر بن مروان وأنجبت له ولدين ومات عنها وتزوجت الحجاج من بعده ولكنه طلقها عندما سمعها تمدح في نفسها وجمالها أمام المرآة وتذم فيه .
أما باقي زوجاته فقد تزوج كل من أم كلثوم بنت جعفر بن أبي طالب وأم الجلاس بن عبدالله بن خالد بن أسيد والفارعة بن هبار وأم إبان بنت بشر والتي طلقها سريعا فقد كانت تريد ان يكون الحجاج أسيرحبها رهن إشارتها وهو مارفضه الحجاج وطلقها.
أما عن أبناؤه فقد كان فقد رزق بأربعة أبناء وبنتان وقد عرف عنه غهتمامه بتربية أبناؤه تربية دينية و رياضية صحيحة ففي ذات مرة سأل عن معلم لأبناؤه فدله رجاله علي معلم نصراني عالم ومعلم مسلم أقل علما فأمرهم بإستدعاء المسلم فتساءل رجاله فقال :” إنه سيذكرهم بالله وشريعته” كما إهتم بتربيتهم تربية بدنية صحيح حتي انه قال لمعلمهم :” ياهذا علمهم السباحة قبل الكتابة فإنهم سيجدون من يكتب عنهم لكنهم لن يجدوا من يسبح عنهم ” .
وقد كان الحجاج بارا بأهله لكنه لم يكن يتجاوز عن يخطيء فيهم فقد سجن صهره وعذبه بيديه لأنه إختلس من مال الدولة وكان يشربه الماء المخلوط بالملح والرماد وعندما توفي أخيه محمد والي اليمن وجد عنده مائة وخمسين ألف دينار فظن أنه إختلسها من مال الدولة فقال له الوليد بن عبد الملك :” إنها من تجارة له إرحمه يرحمك الله “
علاقته بالصحابة وعلماء التابعين
كان ترمومتر العلاقة بين الحجاج وبينهم هي مدي بعدهم أو قربهم من السياسة وتأييدهم أو معارضتهم لبني أمية وسنتناول تعامله مع الصحابة بشكل عام ثم مع علماء التابعين سنوضح صورة العلاقة مع كل شخصية بشكل مستقل
الصحابة
كان الحجاج كما ذكرنا يحقد عليهم لشكه في ولائهم لبني أمية مثل عبدالله بن عمروجابر بن عبدالله وأنس بن مالك وقد أهان انس وجابر بأن ختم علي أعناقهم وأيديهم كنوع من الإهانة لشكه في ولائهم وقد أغلظ لأنس القول لمشاركة ولده في فتنة بن الجارود وقتله فيها عاير أنس بموالاته لسيدناعلي بن أبي طالب رضي الله عنه دون مراعاة لصحبته وخدمته للنبي صلي الله عليه وسلم وقد شكا أنس لعبدالملك فأغضبه الأمر غضبا شديدا علي الحجاج فأرسل له رسالة نهره فيها وأهانه لإهانته أنس دون مراعاة لمكانته فتراجع الحجاج عن فعلته وإعتذر لأنس عما بدر منه
علماء التابعين
عامرالشعبي
كان عامر من المقربين من الحجاج وذلك لسعة علمه وفقهه ومن المطلوبين دائما لمجلسه للإستشارة في الفتوي والآراء الفقهية .
سعيد بن المسيب
نزل الحجاج في شبابه المدينة فصلي في المسجد النبوي وكان كما قال النبي يسرق في الصلاة آي لا يتم سجود أو ركوع فرآه سعيد بن المسيب فبعد ان إنتهي جذبه سعيد من ثوبه وقال له وغاضبا منه :” كيف تصلي يافتي والله لقد وددت ان أضربك بنعلي هذا ” فقد كان سعيد يري ان الحجاج لايعطي للصلاة حق قدرها وقد كان مصيبا في رآيه . ومرت الأيام والسنون وتولي الحجاج حكم الحجاز بعد القضاء علي بن الزبير فذهب للمدينة فدخل المسجد النبوي ورآي سعيد فسلم عليه وشد علي يديه وقال :” جزاك الله خيرا ياشيخ والله ماحسنت صلاتي ألا بعد مقالتك لي ” وتركه ورحل
الحسن البصري
كانت العلاقة بينهم غير مستقرة فعندما بني الحجاج مدينة واسط ثم بني قصره به دعا العلماء ليدعون له بالبركة فغضب الحسن لأن رآي في ذلك إستخدام للعلماء لخدمة السلطان فإنتقد الحجاج في درسه في مسجد البصرة فسمع الحجاج بما قيل فقرر ضرب عنقه وأعد الجلاد والنطع وإستدعي الحسن .<br> وقبل دخول الحسن علي الحجاج دعي الله قائلا :” اللهم إجعل الحجاج بردا وسلاما كما جعلت النار بردا وسلاما علي إبراهيم ” فدخل علي الحجاج فأجلسه بجانبه ونادي أحد الخدم وقال :” عطرللشيخ لحيته” وعطرالخادم للحسن لحيته ونسي الحجاج الأمر وأعطاه مبلغ من المال وأكرمه . وقد عين الحجاج الحسن في اللجنة المسؤولة عن ضبط المصحف الشريف كما كان هناك موقفا بينهما حيث كانا بمجلس الحجاج فقدح الحجاج في سيدنا علي بن أبي طالب لموقفه من معاوية وما ان إنتهي قال للحسن :”ماقولك ياشيخ ” فرد عليه الحسن بشدة مدافعنا عن سيدنا علي ومدح فيه وأغلظ القول للحجاج لمكانة الإمام علي كصحابي جليل وإبن عم رسول الله فقال الحجاج :”صدقت ياشيخ” .
سعيد بن جبير
كان من المقربين من الحجاج في باديء الأمر وعرض عليه القضاء لكنه إعتذرلأنه من الموالي لكن تغير كل ذلك عندما إنضم لإبن الأشعث في ثورته ولكن سعيد كان يعارض بن الأشعث في رآيه بعزا عبد الملك ويكتفي عزل الحجاج فبعد ان قمعت الثورة هرب من الحجاج حتي هرب لمكة وإختبأ مكتفيا بالعبادة والطواف بالبيت ولكن الحجاج ظل يبحث عنه طيلة عشر سنوات حتي تولي خالد القسري مكة وكان من دهاة العرب وأمهرهم إدارة وذوعلاقة وطيدة بالحجاج فطالبه الحجاج بالبحث عن سعيد في مكة فبحث عنه حتي وجده وأرسله للحجاج وضرب الحجاج عنقه وقبل ان يضرب عنقه دعي عليه سعيد وقال :” اللهم لا تسلطه علي أحد من بعدي “وكانت دعوته مستجابة
وفاة الحجاج
توفي عن عمر يناهزالثالثة والخمسين عام خمس وتسعين هجرية قيل في الخامس وعشرين من رمضان وقيل مات في شوال وكان يؤمن بأن من وصل الخمسين فقد قربت نهايته توفي إثر إصابته بسرطان المعدة الذي حار أطباؤه فيه ولم يجدوا له علاج وذلك بعد شهر من قتله لسعيد بن جبير ومات وهو لايملك إلا ثلاثمائة درهم ومائة درع موقوفة للجهاد في سبيل الله وبعده بما يقرب العام توفي الوليد بن عبدالملك وقد حزن حزنا شديدا لوفاته بينما سعد بذلك الحسن البصري وعمر بن عبد العزيزوسجد الحسن لله شكرا علي هذا الخبر. ومات وهو عنده حسن ظن بالله فقد قال :” اللهم إغفرلي فإن الناس تظن أنك لن تفعل ” وهي أحد الأفعال التي حسده عليها عمر بن عبد العزيزهي وتعظيمه للقرآن و أهله وإكرامه لهم