الأسبلة ثواب السقيا – فنون الحضارة الإسلامية
لعل من المعتاد لكثير منا ان يري ثلاجة المياة الباردة المزودة بصنابير وأقداح للشرب علي قارعة الطريق وقد كتب عليها سبيل للمرحوم فلان، مشهد معتاد أليس كذلك؟ لكن هل هي أول مظاهر ذلك الإستخدام ؟ لا بالعكس فهي لها أصل ضارب الجذور في القدم فهي عادة تنافس عليها الملوك والأباطرة منذ عهد الرومان، لكنه لم يأخذ رونقه وإنتشاره إلا في عهد الحضارة الإسلامية وذلك لتسابق الناس علي بناؤه سعيا للثواب و المغفرة خاصة مع تزكية النبي صلي الله عليه وسلم لمن يسقي الماء للإنسان أو الحيوان، فقد روي عنه حديثين عن سقي الماء الأول يقول فيه :”سقي الماء لمن سأل عنه “و “من سقي مؤمنا فقد سقاه الله “.
لذا نجد ان الأسبلة كانت منتشرة بشكل كبير في الشوارع والطرقات في شتي بقاع العالم الإسلام وقد ساد إعتقاد خاطيء أنها كانت منتشرة في المناطق الحارة فقط بل علي العكس بل ان في تم بناء سبيل في سمرقند يسقي الناس الماء المجمد وقد ساعد وجود الأسبلة علي تخفيف حدة العطش ليس علي المارة والمسافرين فقط بل أيضا علي أصحاب الحرف ذات المجهود البدني الشاق والتي تحتاج شرب الماء بشكل كثيف مثل البنائين والنجارين والحدادين .
سقيا الماء عند العرب : وسقيا الماء عند العرب له مكانته وذلك بسبب سقيا الحجاج وزوار بيت الله الحرام وكانت مما تبقي من سنة سيدنا إبراهيم لديهم وقد أقرها الإسلام ولعل أول سبيل في تاريخ الإسلام هو بئر رومة الذي إشتراها سيدنا عثمان رضي الله عنه من اليهودي أما أول سقيا بشكل رسمي من قبل الدولة كان في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه وإضافة إلي ذلك كان هناك عادة عن العرب انه في حالة الحرب وشرب أسيرك الماء فقد حرم عليك قتله وقد أقر الإسلام هذه العادة النبيلة ولم تخالف إلا في مرتين في عهد الخليفة العباسي أبوالعباس السفاح عندما غدر بأمراء بني أمية إثر سماعه لشعر سديف الشاعر ومرة آخري في عهد صلاح الدين الأيوبي عندما شرب أرناط الذي كان صلاح الدين ينوي قتله لأفعاله الشنعاء ضد حجاج بيت الله الحرام فعرض عليه صلاح الدين الإسلام فأبي و سب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فضرب صلاح الدين عنقه ردا علي سبابه للنبي .
طريقة البناء : كان السبيل يبني من طابقين أو ثلاثة علي حسب البناء وكانت تختلف سعته والزخارف التي تتم زخرفتها عليه علي حسب القدرة المالية لبانيه . الطابق الأرضي : ويكون تحت الأرض ويكون فيه الصهريج أو خزان المياه لتخزين المياه ويتم بناء جدران من الرخام للحفاظ علي برودة الماء كما يتم توصيل ماسورة بمصدرالمياه سواء كانت مياه جوفية أو نهرجاري مثل النيل في مصرودجلة والفرات في العراق والعاصي بلبنان . الطابق الأول : يكون أعلي سطح الأرض وله أحواض من الرخام للمحافظة علي برودة المياه ومزودة بصنابير من النحاس وشبابيك من النحاس أبدع الفنانون المسلمون في زخرفتها وكان في بعض الأحيان يتم تزويد الواجهة بآية قرآنية أو حديث نبوي او أبيات من الشعر العربي تحث علي سقي الماء إبتغاء للثواب . الطابق الثاني : كان يتم بناء كتاب لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال الصغار.
عهد إزدهارها : بدأ ظهور الأسبلة بشكل موسع في عهد الأيوبيين لكنها إزدهرت في عهد المماليك الذين كانوا يهتمون ببنائها هم وأبنائهم وزوجاتهم تكفيرا عن الذنوب وسعيا للمغفرة والثواب وزاد الإهتمام بشكل أكثر في عهد الدولة العثمانية . أشهر الأسبلة (التوصيف بجوارالصور): سبيل قايتباي في ساحة المسجد الأقصي وسبيل محمد علي و سبيل أم عباس (أم الخديوي عباس ) سبيل نفيسة البيضا (زوجة مراد بك ) .