in

أنيس عبيد – صنايعية مصر

صنايعية مصر- أنيس عبيد
• اسم صناعته : ترجمة الأفلام الأجنبية

قبل عام 1994م كان طالب هندسة يذوب عشقاً في مشاهدة السينما الأجنبية ، كان ينتقل من دار عرض إلى أخرى يتابع كل ما هو حديث على الشاشة ،لكنه لم يكن أسعد الحال والسبب هو مآساة ترجمة هذه الأفلام .

يقول هذا الطالب :” لا يمكن لشخص لم يعاصر الأفلام الأجنبية في مصر مع بداية الأربعينات أن يتخيل المأساة التي كنا نعيشها ، كانت تظهر ترجمة ركيكة مقتضبة على شاشة صغيرة ضعيفة الإضاءة ،لأنها كانت تكتب على شريط مستقل يعرض بواسطة فانوس سحري ،ويتولى أحد موظفي السينما تحريك الشريط يدوياً حسب سير حوادث الفيلم الذي يمر أمامه ، ولا يمكن لشخص مهماً بلغت ثقافته وسرعة بديهته أن يقوم بهذه العملية ،فما بالك بموظف يجهل اللغتين العربية والأنجليزية؟! كان المتفرج يصاب بدوار وصداع لأنه يضطر إلى تحريك رأسه ذات الأيمن وذات اليسار مرة مشاهدة لقطة خاطفة من الفيلم ومرة لقراءة مايسمى مجازاَ بالترجمة ،وهي في الغالب شئ لا علاقة له بما يدور على الشاشة فهي إما سابقة له أو لاحقة.”

أنه أنيس عبيد ، ولد سنة 1909 في أسرة مصرية راقية ، تخرج من كلية هندسة لم تكن الترجمة حرفته، حتي سافر إلي باريس للحصول علي ماجستير الهندسة ،وفي مقر الجامعة قرأ إعلانا بالصدفة عن دورات تدريبية لكيفية دمج الترجمة المكتوبة علي شريط السينما.
كانت دورة تدريبية الهدف منها دعم الأفلام العلمية حيث هناك حاجة ملحة طول الوقت لكتابة المصطلحات علي الشاشة لكنه وجد في الأمر مدخلا لعمل جديد يجمع بين هوايته السينمائية و بين نوع من البيزنس غير موجود في مصر.

كل يوم تأخير كان يعني تدهورا ما في صناعة السينما المصرية وهو ما وضع انيس عبيد له حدا ، فتفتحت مدارك عموم الجماهير و الصناع, حيث أصبح عبيد همزة الوصل بيننا و بين تغيير طريقة تفكيرنا في الأمر كله, صار تقييم الأفلام المصرية لا يتم بمعزل عما وصل إليه الخواجات علي مستوي الحرفة و المتعة والمعني ، أصبح عبيد بتجربته دليلا لنا في عوالم الفن بعيدا عن المدار الثابت الذي كنا ندور فيه.
كان عبيد خير ساعي بريد لنقل الرسائل الضمنية في أفلام الخواجات لنا ببساطة غير مخلة و بقوانينه الخاصة التي كانت موضع سخرية لفترة إلي أن تفهمنا وجهة نظر بعد رحيله و ظهور آخرين في المضمار نفسه.

خاض عبيد معركة مع صناع السينما في مصر لإقناعهم بالفكرة، ربما كان الخوف من التكلفة التي ربما لا تبق نجاحا لدي جمهور غير مهتم بأفلام الغرب.
طاف عبيد بالصحف لتساعده في توصيل صيحته ،وقادت جريدة الأهرام حملة صحفية هدفها احترام البلاد ووضعها في المكان اللائق ..فكان الضغط عنيفاً تفرغ له عبيد تماماً،حتى نجح وصدر قرار بطبع الترجمة العربية على الأفلام بداية عام 1939م ولكن قيام الحرب العالمية منح الموزعين حجة لتنفيذ التأجيل فتم أتخاذ القرار بتأجيل التنفيذ… طبق عبيد مشروعه علي أكثر من فيلم قصير و قدمها في عروض خاصة مجانية حت تأكد الصناع من احتمالات نجاحها ،بحثوا عن فيلم ناجح ليبدأوا في تطبيق التجربة عليه، فاختاروا فيلم روميو و جوليت ليشهد عام1946م عرض أول فيلم مترجم محققا ايرادات غير مسبوقة.

تعامل عالم السينما مع أنيس عبيد ليس بصفته مترجماً فقط ، ولكن كمخترع أيضاً .فقد فاجأ العالم عام 1950 بأول أختراع من نوعه بأن قام بطباعة الترجمة على أفلام ال16 مللي وهي أفلام صغير من الصعب أن يتبين المرء صورها فما بال الكتابة الصغيرة التي تطبع عليها، وقامت معامل أنيس عبيد بالقاهرة بترجمة جميع أفلام هوليود بدايةً من فيلم لص بغداد والطيب والشرس والقبيح وأصبحت معامل أنيس عبيد هي الأشهر والأوسع انتشارا في مصر والعالم العربي في مجال ترجمة الأفلام.

يلومه البعض علي أنه مؤسس نظرية ترجمة الشتائم الأجنبية بشتائم من عصر ما قبل ظهور الإسلام, قد يعتبره المتحذلقون مترجما خائنا و لكن ضع نفسك مكانه, علي الأقل اجتهد الرجل ووضع مكان ترجمة الشتائم كلاما له معني, فماذا فعل جيلنا الجيل الذي يليه؟.. اخترع الترجمة بـتيييت.
يقول عبيد :” على المترجم أن يأخذ حذره دائماً ، وأن يتجنب الألفاظ الشائكة أدبياً وسياسياً ،وأن يكون رقيباً ثانياً على بعض الأفلام .وأذكر أن شركات التوزيع في بداية الأمر كانت هي التي تقدم لنا نص الترجمة العربية ،وكنا نقوم بطبعها على الأفلام كما هي ركيكة مهلهلة مليئة بالأخطاء اللغوية لأن الذين كانوا يقومون بها كانوا من موظفي هذه الشركات ومعظم خواجات متمصرون، وكانت هذه الترجمات منسوبة لي كذباً ،لذلك قررت أن أتولى أنا هذه العملية ، وأنشأت قسماً خاصاً بالترجمة يتولى الإشراف عليه كبار المترجمين المعروفين .”

وعلي مدي أربعين عاما انفرد عبيد بالمهنة حتي صارت اليوم مبتذلة يستطيع أي شخص ان يقوم بها بتحميل الترجمة من علي الأنترتنت و لصقها ببرنامجVirtualDub مع تحيات أمير الصحراء أو برنس الأردن، يرتاح الواحد كثيرا لفكرة أن عبيد رحل قبل أن يحضر هذا العبث الذي يتجلي بان تحتوي الترجمة علي تنبيهات أثناء المشاهدة( انتبه هناك مشهد ساخن قادم).

في العام الذي رحل فيه أنيس عبيد(1988)، كان قد اتم مهمته بنجاح في تعريفنا علي العالم, في المقابل وعلي هامش وفاته كان العالم يتعرف علينا من جديد، فبعد نشرخبر رحيل عبيد في الصفحة الأخيرة من الاهرام بفترة، ظهر في الصفحة الأولي صورة لـ نجيب محفوظ يرتدي البيجاما و يمسك بزهرية كبيرة و مكتوب نجيب محفوظ يتسلم جائزة نوبل من السفير السويدي.
وإلى لقاء آخر مع حلقة جديدة وصنايعي جديد ..طابا صباحكم..

بقلم Ahmed Alkady

Report

اخبرنا برأيك ؟

200 نقاط
Upvote

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *