“هل اخبرت احدا عن قدومك الى هنا “.
“كلا سيدة جنجولي لقد فعلت كما طلبت مني بالحرف”.
“حسنا فعلت” قالت السيدة جنجولي بصوت ينم عن الرضا والارتياح وهي تفسح المجال لضيفتها الجميلة حتي تدخل الى منزلها في تلك الساعة المبكرة من الصباح ولم تنس ان تلقي نظرة خاطفة وحذرة على الشارع المهجور ونوافذ الجيران المسدلة قبل ان تغلق الباب دونهما.
السيدة جنجولي كانت امراة في منتصف الاربعينات ذات رداء بسيط وقامة قصيرة وجسد ممتلئ بعض الشيء، ملامحها الدقيقة ووجناتها النافرة كانت تعطي للاخرين انطباعا بالطيبة والمرح ، اما ضيفتها الانيقة فكان اسمها الانسة فوستينا سيتي في عقدها السادس ، ملابسها توحي بانها سيدة متعلمة ذات شأن لكن هذا الايحاء سرعان ما يتبخر بمجرد النظر الى وجهها الذي لا ينم سوى عن امرين البلاهة والقبح ، لا عجب اذن في كونها عانس لم تتزوج بعد ولا عجب ايضا في انها تتوق الى الزواج اكثر من اي شيء اخر.
“اه كم انت طيبة يا سيدة جنجولي لا اعرف كيف ارد جميلك معي” قالت فوستينا بتذلل وهي تشبك يدها على صدرها بعد ان استقر بها المقام فوق اريكة حقيرة في باحة منزل السيدة جنجولي ثم استطردت بحماس “كم انا متشوقة لرؤية العريس المنشود هل هو وسيم حقا كما اخبرتني “.
“وسيم وغني يا عزيزتي وهو اكثر تشوقا منك لرؤيتك” اجابت السيدة جنجولي وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة عريضة ثم استطردت بنبرة يشوبها شيء من الحرص والقلق “لكن هل انت متاكدة بانك لم تخبري احدا فنحن لا نريد ان يصيبك الحساد بسهامهم قبل ان تصلي الى مرامك”.
“كلا يا سيدة جنجولي لقد حرصت اشد الحرص على ان لا يعلم احد ولم احمل معي سوى مدخراتي والقليل من الملابس في تلك الحقيبة” ردت فوستينا وهي تومئ الى حقيبة جلدية صغيرة تركتها عند مدخل الدار ثم اضافت بنبرة متوسلة “هل امضي الان لملاقاته “.
“مهلا يا عزيزتي لا تتعجلي اصبري قليلا حتى انتهي من تحضير الوصفة السحرية الاخيرة فهي مهمة جدا لضمان تحقيق المراد” ردت السيدة جنجولي بلطف ثم قالت وهي تناول ضيفتها كاسا مترعة بالشراب “اشربي هذا يا عزيزتي ريثما انتهي من تحضير الوصفة بسرعة” وانصرفت عن ضيفتها تقلب صفحات مخطوطة قديمة وتحسب مقادير بعض المواد والسوائل الغريبة وتسكب كل ذلك في قدر كبير يغلي على النار اما فوستينا فقد احتست شرابها بسرعة ثم طفقت تضرب الارض براحة قدمها تعبيرا عن استعجالها وتحرقها للمغادرة ومن حين لاخر كانت تلتفت للسيدة جنجولي لتسالها بنفاذ صبر “هل انتهيت “.
ومرت نصف ساعة ثقيلة قبل ان تعلن السيدة جنجولي انتهاءها لكن فوستينا لم تقابل هذا الاعلان بالحماسة المتوقعة ثمة امر مريب طراء عليها بعد احتساءها الشراب لقد خف راسها وثقلت جفونها وردت بعد حين بتلعثم وهي تضع يدها على جبهتها “ماذا ما الذي انتهى ماذا يحدث لي لماذا كل شيء يدور من حولي “.
فابتسمت السيدة جنجولي ابتسامة خبيثة وقالت “لا باس عليك يا عزيزتي لا تهتمي ساقوم انا بكل شيء عنك تعالي معي” واخذت عيناها تبرقان كعيني وحش كاسر يتاهب للانقضاض على فريسته تلاشت ملامحها الطيبة كانها كانت تضع قناعا نزعته عنها لتبدي وجها كالحا يفيض شرا وقسوة ثم تقدمت نحو فوستينا الدائخة والعاجزة تماما امسكت بياقة ثوبها ثم جرتها وراءها غير ابهة بترنحها وسقوطها ارضا.
سحلتها سحلا نحو ممر مظلم يقود الى حمام صغير حيث نزعت عنها ملابسها وسلبتها المال الذي كانت قد خبأته بعناية بين طيات الثياب ثم اجلستها وسط طست نحاسي كبير كل ذلك والانسة فوستينا غير مدركة لما يجري حولها ولا واعية لما يدبر لها استكانت في جلستها فيما وقفت السيدة جنجولي فوق راسها تتمتم بكلمات غير مفهومة وترسم رموزا غريبة على الجدار قبل ان تمتد يدها لتستل فأسا ماضية كانت قد خباتها وراء باب الحمام وفي الحال ومن دون اي تردد او انتظار رفعت فأسها عاليا ثم هوت بنصله الحاد على راس الانسة فوستينا فانتفضت المسكينة من قوة الضربة وراحت تتقلب في الطست كالطير المذبوح والدم يتدفق من راسها كالرشاش.
استمر ذلك للحظات قبل ان يخبو جسدها ويتوقف تماما عن الحركة والارتعاش بيد ان السيدة جنجولي لم تتوقف اذ مضت تضرب ضحيتها بالفأس بلا هوادة فصلت الراس عن الجسد ووضعته عند الباب ، ثم انتزعت اليدين والرجلين ونحتهما جانبا، ثم فتحت البطن بواسطة سكين كبيرة وافرغت الاحشاء واخيرا قامت بتقطيع البدن الى اربعة اقسام.
فعلت كل ذلك بحرفية الجزار الخبير ثم لملمت كل تلك الاشلاء والاوصال ورمتها معا في قدر كبيرة تغلي على النار وسكبت فوقها سبعة كيلوجرامات من الصودا، اما الدم المتجمع في قعر الطست فقد تركته ليجف اسفل الفرن ثم مزجته لاحقا بمسحوق الشكولاته واضافت اليه الدقيق والسمن والسكر لتصنع منه كعكة لذيذة استمتعت بالتهامها برفقة ابنائها وضيوفها!.
وكان ذلك اخر عهد سكان بلدة كوريجيو الايطالية بالانسة فوستينا لم يرها احد بعد ذلك ولا علموا شيئا عن مصيرها، لكن بعد مضي عدة ايام على اختفائها ظهرت السيدة جنجولي تسعى في الزقاق المحاذي لمنزلها وهي تحمل كيسا كبيرا مليئا بصابون ذو رائحة كريهة ولون داكن غريب وزعته بسخاء على جيرانها الذين تلقفوه منها بامتنان كبير ولسان حالهم يقول “اووه ما اطيب السيدة جنجولي وما اشد كرمها!!”
من تكون ليوناردا جنجولي صانعة الصابون
لا يعرف الكثير عن طفولة السيدة جنجولي فاغلب المعلومات المتوافرة عنها مستقاة من كتاب مذكرات منسوب اليها يقال بانها كتبته في السجن لكن هناك شكوك حقيقية تحوم حول ذلك ، فالسيدة جنجولي كانت ذات تعليم بسيط لا يتجاوز المرحلة الابتدائية وعليه فان تأليفها لكتاب من عدة مئات من الصفحات يبدو امرا مستبعدا ، وقد يكون محاميها هو الذي الف الكتاب ونشره بغرض التربح من شهرة موكلته ، وبغض النظر عن هوية المؤلف فان الكتاب يشير الى ان ليوناردا جنجولي Leonarda Cianciulli ابصرت النور عام ١٨٩٤ في بلدة صغيرة تدعى مونتيلا بالقرب من مدينة نابولي الايطالية.
كانت ولادتها ثمرة تعرض امها للاغتصاب على يد احد رعاة الماشية اثناء عودتها للمنزل من دير قريب وكان عمرها انذاك اربعة عشر ربيعا وقد اجبرها اهلها على الزواج من مغتصبها اي والد السيدة جنجولي بعد ظهور بوادر الحمل عليها درءا للفضيحة ولهذا فان مشاعر الام تجاه ابنتها كان يشوبها الكثير من الفتور والنفور ، فابنتها لم تكن تعني لها سوى ذكرى بغيضة واليمة سلبتها براءتها وشبابها ، وتأزمت العلاقة اكثر بين الام وابنتها بعد موت والد السيدة جنجولي وزواج الام برجل اخر فاصبحت ليوناردا وحيدة منبوذة حتى من قبل اشقائها وشقيقاتها وانعكس ذلك كله على صحتها ونفسيتها فكانت ضعيفة البنية تداهمها نوبات صرع من حين لاخر ، وقد زعمت السيدة جنجولي في المذكرات بانها حاولت الانتحار شنقا مرتين خلال تلك الفترة البائسة من حياتها ، في المرة الاولى استطاعوا انقاذها في اللحظة الاخيرة وفي المرة الثانية انقطع الحبل وفي كلا المرتين نظرت امها اليها باحتقار وقالت لها “انا اسفة حقا لانك ما زلت على قيد الحياة””.
في فترة المراهقة ذاع صيت ليوناردا بسبب جرأتها وسوء سمعتها يقال بانها عاشرت العديد من شباب بلدتها ربما لتعطشها للحب المفقود في علاقتها مع امها وعائلتها ، وفي عام ١٩١٧ تزوجت من موظف حكومي يدعى رافائيل بانزاردي تزوجته بالرغم من معارضة اهلها الذين كانوا يخططون لتزويجها من احد اقاربهم الموسرين ، لكنها اصرت على مخالفة رغبتهم وخلال زفافها اقتحمت امها الغاضبة الحفل والقت عليها لعنة امام جميع المدعوين حيث صرخت بها قائلة “ارجو ان يموت جميع اطفالك” وقد تركت تلك اللعنة اثرا بليغا في نفس السيدة جنجولي وكانت دافعا رئيسيا لما ارتكبته من جرائم لاحقا.
الزواج لم يحسن من سلوك ليوناردا كثيرا بل ربما زادها شراسة ومشاكسة فسجنت مرتين الاولى عام ١٩١٨ بتهمة الاحتيال والثانية عام ١٩١٩ لتهديدها احد الاشخاص بالسكين ، وفي عام ١٩٢١ انتقلت الى بلدة زوجها وهي بلدة صغيرة تدعى لوريا ، لكن سمعتها السيئة سرعان ما لحقت بها الى هناك فاشتهرت بين السكان بانها امراة سهلة المنال مشاكسة عدوانية محتالة لا تتورع عن القيام باي شيء من اجل المال ، وفي عام ١٩٢٧ سجنت لمدة عشرة اشهر بتهمة النصب والاحتيال ، وبعد خروجها من السجن انتقلت لتعيش في منزل صغير عند اطراف بلدة لاتدونيا لكن ذلك المنزل تهدم على اثر زلزال مدمر عام ١٩٣٠ ، وبواسطة مال التعويضات الذي حصلت عليه من الحكومة الايطالية اشترت منزلا جديدا في بلدة كوريجيو بشمال ايطاليا وهناك تبدلت احوالها كثيرا ، افتتحت دكانا صغيرا لبيع الملابس والخردوات واكتسبت شعبية كبيرة لدى السكان الذين لم يكونوا يعلمون شيئا عن ماضيها .
كل ما عرفوه عنها هو انها سيدة طيبة ومثابرة وزوجة وام محترمة وربة بيت مدبرة تصنع الصابون في المنزل وتعد كعكا لذيذا ولها دراية بقراءة الكف والطالع والوصفات السحرية ، لا عجب بعد ذلك ان يصبح منزلها موئلا للعديد من الضيوف خصوصا السيدات والعوانس الباحثات عن الثرثرة والقيل والقال.
لسنوات طويلة كان هناك هاجس مخيف يطارد السيدة جنجولي ويعكر صفو حياتها ، كانت امها قد انزلت عليها لعنة غاضبة في ليلة زفافها كما قدمنا انفا ، وقبل ذلك باعوام قليلة نظرت احدى الغجريات الى يدها برعب واخبرتها بانها ستنجب العديد من الاطفال لكنهم سيموتون واحدا بعد الاخر ليس هذا فحسب ، فتلك الغجرية حدقت الى كف ليوناردا برعب وقالت لها بالحرف الواحد “في يدك اليمنى ارى سجن وفي يدك اليسرى ارى مصحة عقلية”.
طبعا ما كانت السيدة جنجولي لتعير لعنة امها ونبوءة الغجرية اي اهتمام لولا انها بدات تتحقق على ارض الواقع ، فخلال سنوات زواجها حملت السيدة جنجولي سبعة عشر مرة انتهت ثلاث منها الى الاجهاض فيما مات عشرة من اطفالها في سن مبكرة ، ومع كل حمل ومع كل طفل تفقده كانت السيدة جنجولي تصبح اكثر يقينا وايمانا بانها ملعونة فعلا ، وتصبح اكثر توقا للتخلص من تلك اللعنة باي ثمن وفي نهاية المطاف بعد ان يئست تماما من مساعدة الطب والاطباء لجئت الى السحر والسحرة علها تجد عندهم ما عجز الطب عن علاجه ويقال بان احدى الساحرات اخبرتها بان الطريقة الوحيدة لرفع اللعنة عنها تتطلب تقديم اضحية بشرية لابد من اراقة دم بشري لفك النحس فلكل شيء ثمن.
لا يعلم احد كيف نفذت السيدة جنجولي وصية الساحرة لكن المؤكد هو ان اربعة من اطفالها ثلاثة اولاد وبنت نجوا من الموت وعاشوا طويلا، ليس هذا فحسب فمن كثرة ترددها على السحرة اصبحت هي نفسها ساحرة محترفة ، وعن ذلك كتبت في مذكراتها تقول “لم استطع تحمل خسارة طفل اخر في كل ليلة تقريبا ، كنت احلم بتابوت صغير ابيض ينزل الى الارض اخذا معه طفلا اخر من اطفالي ، ارعبني ذلك واقض مضجعي فقررت تعلم السحر وقراءة الكف وعلم التنجيم واللعنات والطلاسم والعلوم الروحية ، اردت تعلم كل شيء عن تلك الامور لكي استطيع مواجهتها والتخلص منها”.
من المعروف بان الام التي تفقد طفلا من اطفالها تصبح حريصة جدا على الباقين ، ولهذا السبب بالذات عرف عن السيدة جنجولي شدة حبها لابنائها وحرصها الكبير عليهم ، لم يكن اي شخص في البلدة من الكبار والصغار يجرؤ على المساس بأي منهم لان امهم كانت ستفقد رشدها تماما اذا ما تعرض اي منهم للاذى ، كانت مستعدة للمضي الى ابعد الحدود من اجل الدفاع عنهم وحمايتهم ولهذا فان دخول ايطاليا للحرب العالمية الثانية صار بمثابة الكابوس بالنسبة لها .
اصبحت مرعوبة من ان يتم استدعاء ابنها الاكبر جوزيف للخدمة في الجيش وكان جوزيف الاحب الى قلبها من بين ابناءها وكان يروم اكمال دراسته في جامعة ميلان ، لكن اشاعات انتشرت في طول البلاد وعرضها عن نية موسوليني استدعاء جميع الشباب للخدمة العسكرية الاجبارية ، وكان ذلك بمثابة ناقوس الخطر للسيدة جنجولي التي قررت بان الوقت قد حان لتقديم اضحية بشرية جديدة من اجل انقاذ ولدها المحبوب ، وقد حرصت على اختيار ضحاياها بعناية كبيرة من بين النسوة المترددات عليها اختارت من تصح عليهم مقولة “اذا حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد”.
نسوة وحيدات يائسات لن يسال عنهن احد في حال اختفائهن وكانت الانسة فوستينا سيتي هي خيارها الاول وقد قرانا انفا كيف قامت بقتلها وتقطيعها اربا اما ضحيتها الثانية فكانت ارملة تدعى فرانشيسكا سوافي اغرتها السيدة جنجولي بتدبير وظيفة لها كمعلمة في مدرسة للبنات في بياتشنزا بشمال ايطاليا ، اخبرتها كذبا بانها تعرف الكثير من المسئولين النافذين وبانها تستطيع توظيفها ، وطلبت منها ان تاتي الى منزلها فجر اليوم الذي ستغادر فيه البلدة لكي تستلم امر التعيين وان لا تحمل معها سوى القليل من الملابس وان تاتي بجميع مدخراتها المالية وطبعا كان ذلك اخر مشوار في حياة السيدة سوافي اذ لم يرها احد بعد ذلك انتهى بها المطاف الى قدر الصابون.
الضحية الثالثة كانت تدعى فيرجينيا كاجوبو وعلى العكس من الضحيتين السابقتين فان الانسة كاجوبو كانت تتمتع بقدر من الشهرة والجمال اذ عملت لفترة من حياتها كمغنية سوبرانو وغنت في بعض المسارح الايطالية المرموقة ، لكن جمالها وشهرتها كانا في طور الذبول والنسيان بحكم تقدمها في السن ، ولهذا لجات الى السيدة جنجولي لتساعدها في العودة الى ايام مجدها ولم تبخل عليها السيدة جنجولي بالمساعدة فزعمت بانها عثرت لها على وظيفة مناسبة كسكرتيرة لرجل نبيل من كبار مدراء المسارح ودور الاوبرا في مدينة البندقية ، واقنعتها بان عملها مع هذا الرجل سيتيح لها فرصة العودة الى دائرة الضوء من جديد وكالعادة حثتها على ان لا تخبر احدا عن الوظيفة الجديدة ونية السفر ثم طلبت منها ان تزورها فجر يوم الرحيل لكي تعطيها عنوان الرجل النبيل المزعوم مع رسالة توصية وهكذا تحدد المصير المشئوم للانسة فريجينيا كاجوبو فانتهى بها المطاف الى قدر الصابون.
بعد عدة اسابيع على مقتل الانسة كوجوبو توجهت زوجة شقيقها الى الشرطة للابلاغ عن اختفاءها المفاجئ اخبرتهم بانها رحلت في ساعة مبكرة من الصباح من دون ان تتفوه بكلمة واحدة عن وجهتها وبانها اخذت معها حقيبة ملابس صغيرة وجميع مدخراتها وبانها شوهدت اخر مرة وهي تدخل منزل السيدة جنجولي التي كانت تكثر من زيارتها في الايام التي سبقت اختفاءها وكان ذلك اخر العهد بها اذ لم يرها احد بعد ذلك.
ذهبت الشرطة الى منزل السيدة جنجولي من اجل الاستفسار عن مصير الانسة كاجوبو فاخبرتهم عن قصة الوظيفة الجديدة وعن رحيل الانسة كاجوبو الى البندقية لكن تحقيقات الشرطة كشفت كذب السيدة جنجولي فالرجل النبيل الذي زعمت بان الانسة كاجوبو ذهبت للعمل لديه لم يكن له وجود.
وهكذا بدأت الشرطة ترتاب في السيدة جنجولي وبمواجهتها بكذبها وبتهديدها بتوجية تهمة الاختطاف الى ابنها جوزيف انهارت السيدة جنجولي سريعا واعترفت بكل شيء فهي كما ذكرنا انفا كانت مستعدة لفعل اي شيء من اجل حماية ابناءها ، وقد استغل المحققون ذلك افضل استغلال ، فطفقت تحدثهم عن جرائمها بالتفصيل وعن ما فعلته بجثث الضحايا كيف اذابتها في الماء المغلي وكيف صنعت منها الصابون بعد اضافة الصودا وكيف القت ما تبقى من العظام والشعر في البالوعة وكيف استعملت الدم في صنع الكعك .
وهو حديث وجد محققو الشرطة صعوبة بالغة في تصديقه فكيف لامراة بهذا العمر والحجم ان تقطع جثة بشرية بسرعة كبيرة الى درجة ان ابناءها الساكنين معها في ذات المنزل لا يشعرون بذلك السيدة جنجولي اخبرتهم بان العملية كلها اي القتل والتقطيع وتنظيف الدم ورمي العظام لا تاخذ منها سوى ١٢ دقيقة! وللتاكد من ذلك يقال بان المحققين اخذوها الى مشرحة المدينة واعطوها فاسا وسكينا ثم طلبوا منها ان تقطع احدى الجثث خلال ١٢ دقيقة فقط!.
محاكمة السيدة جنجولي شغلت الراي العام الايطالي بأسره وطغت اخبارها لفترة على اخبار المعارك المحتدمة في جبهات القتال السيدة جنجولي دافعت عن نفسها امام المحكمة بانها فعلت ما فعلت فداء لاطفالها من الموت ، واسهبت في الحديث عن شبح امها التي كانت تظهر دوما في كوابيسها وتهددها باخذ المزيد من اطفالها ما لم تحصل على دماء جديدة ، لكن المحكمة لم تقتنع بهذه الحجج وراى المدعي العام بان الدافع الحقيقي للجرائم هو سلب مدخرات الضحايا ، وشكك في ان تكون السيدة جنجولي قد ارتكبت جرائمها لوحدها متهما ابنها الاكبر بمساعدتها لكن المحكمة لم تجد اي دليل يدينه فبرات ساحته واطلقت سراحه ، اما السيدة جنجولي فقد نالت حكما بالسجن لمدة ٣٣ عام ثلاث اعوام منها تقضيها في مصحة للامراض العقلية وثلاثين عاما اخرى في السجن اي تماما كما اخبرتها الغجرية قبل سنوات طويلة.
السيدة جنجولي ماتت وحيدة في المصحة العقلية عام ١٩٧٠ ودفنت في مقبرة الفقراء والمشردين في بوزولي لا احد طالب بجثتها ولم يحضر دفنها احد.