in

عبقرية المصرى القديم اللغوية

عبقرية المصرى القديم اللغوية

كان للمصرى القديم نظرة دينية تقريبا فى كل شيء يتعلق بحياته، وكانت اللغة من أهم المقومات التى أسس عليها المصرى القديم حضارته، الإسم القديم للغة المصريين هو “نتر مدو” كلام الإله أو “را ان كمت” لسان ارض كمت ( كمت هو احد اسماء مصر قديما)، أما المتداول حاليا من الفاظ ( اللغة الهيروغليفية , الهيراطيقية , الديموطيقية , القبطية) فهذه ليست لغات وإنما خطوط كتابة للغة واحدة منطوقها واحد مثل اللغة العربية وخطوطها المختلفة الآن فليس من المعقول أن نقول لغة النسخ أو لغة الرقعة أو لغة الكوفى وهكذا.

منذ القدم والمصرى فصيح اللسان يجيد التعبير عن ما يجيش به صدره ولذلك تميز اللسان المصرى القديم بالمعانى المطلقة، كلمات لا يمكن ترجمتها إلا فى سياق نص او جملة، فعلى سبيل المثال كلمة “ماعت”، ماعت فى الفكر الدینى المصرى ھى أحد التجلیات الالھیة والتى رمز لها المصرى القديم على هيئة إمراة وعلى رأسها ريشة. وكان أقدم ذكر لها فى متون الأهرام المصرية فى عصر الدولة القديمة. ربط المصرى القديم بينها وبين “جحوتى” رب الحكمة والقلم فعند خلق الكون خلق القلم ومعادلة “ماعت” النظام الكونى، صور الفنان المصرى القدیم ماعت فى ھیئة امرأة بجناحین تحمل فوق رأسھا ریشة نعام، و فى یوم الحساب یوزن قلب الانسان فى مقابل ھذه الریشة، و ھو الوزن الذى یحدد مدى طھارة قلب الانسان و خلوه من أى آثام أو ذنوب تثقله و تجعله غیر جدیر بالحیاة الأبدیة .

ھى أیضا مبدأ كونى و مفھوم فلسفى یحمل العدید من الدلالات مثل “الحق / الحقیقة / الصدق / العدل / الاستقامة / الضمیر / الأصول / النظام الكونى” . لا یوجد كلمة واحدة فى لغاتنا الحدیثة یمكنھا أن تعبر عن كل ھذه المفاھیم مجتمعة ، و لذلك نجد أن ترجمة كلمة ماعت تختلف حسب سیاق النص الذى وردت فیه . الماعت ھى النظام الالھى الذى یحكم الكون و الذى یضمن حمایته من السقوط فى ھاویة الفوضى، و ھى المعیار الذى یمكن للانسان من خلاله تمییز الأفعال التى تتناغم مع النظام الكونى من الأفعال التى تخرجھ من ذلك النظام و تلقیه فى عالم الفوضى . حرص المصرى القدیم أشد الحرص على أن یفعل الماعت (الخیر) و أن یقول الماعت (الصدق) و كلما كانت أفعال الانسان و أقواله متناغمة مع الماعت (الضمیر/النظام الكونى)، كلما كان قریبا من الكيان الالھى / المقدس، و بذلك یسمو الانسان فوق العالم المادى لیحیا فى الماعت، أى یحیا فى العالم الحقیقى/الالھى . و الماعت ھى الھواء الذى تتنفسه الأرواح فى العالم الآخر و ھى خبزھم الذى یقتاتون به.

بناء على ذلك فكلمة “ماعت” يمكن أن ترد فى أكثر من نص بأكثر من ترجمة، فعلى سبيل المثال كان أحد القاب “رمسيس الثانى” هو “وسر ماعت رع” والتى يمكن أن تترجم القوى فى الحق هو رع، او قوية هى ماعت رع، او القوى بماعت رع. وبالثالى كلمة “إسفت” كما ذكرنا فيمكن التعبير عنها أنها أى كلمة تفيد بعكس “ماعت”

كلمة أخرى تظهر فى اللغة المصرية القديمة وهى كلمة “عنخ”، عنخ فى المطلق تعنى حياة ولكن كعادة اللغة المصرية القديمة فإن معانيها مطلقة،  جدير بالذكر أن كلمة عنخ تم إختزالها فى علامة عنخ المصرية والتى اسموها “مفتاح الحياة” وظن الناس أها رمز لمفتاح لبوابة ما او شيء من هذا القبيل. علي حين أن عنخ كانت علامة تظهر دوما يعطيها الإله للملك أو للبشر أى ان الإله هو معطى الحياة بينما يظهر فى مناظر أخرى ملوك عظماء يمسكون بعلامة العنخ أ أنهم أعطوا لبلادهم الحياة، كذلك تتجلى عظمة كلمة “عنخ” فى غرفة ملحقة بالمعابد المصرية كانت تسمى “بر عنخ” او بيت الحياة، مدرسة بيت الحياة المصرية وهى ارشيف ومكتبة ومدرسة المعابد المصرية التى كانت تحوى جميع انواع وثائق العلوم والدين التى وصل إليها المصرى القديم وتراكمت فى مدارس بيوت الحياة بالمعابد على مر العصور، أى ان المصرى القديم إعتبر أن العلم حياة، لذلك أطلق على موضع العلم بالمعبد “بيت العنخ”، يوم أن كان العلم حياة كانت مصرنا أقوى دولة فى العالم، كذلك كانت كلمة “عنخ” تستخدم للقسم أو (الحلفان) وهو ما لا نزال نفعله حتى الآن بالقسم بصيغة وحياة كذا، وحياة فلان، وحياة ربنا.

كل ما سبق يمكن تطبيقه على صيغات لغوية متعددة فى اللغة المصرية القديمة مثل كلمة حتب والتى تعنى فى المطق سلام او رضا، كلمة حم والتى تعنى رفيق او خادم، والتى أختم بها هذا الجزء من المقال حيث أن المصريون كانوا يتحدثون عن ملكهم فى النصوص فى مواضع كثيرة بوصفه “حم إف” وتعنى جلالته، ولكن تدقيقا للمعنى فإن المصريون إعتبروا الملك رفيقهم أو خادمهم وكذلك المهندس العبقرى مدير مشروع تشييد الهرم الأكبر للمك “خوفو” والذى كان اسمه “حم أون” ويعنى خادم او صاحب مدينة أون وهى عين شمس حاليا.

كل ما سبق مكن تلخيصه فى أن حضارة مصر قامت بال “عنخ” وعلى إقامة “ماعت” مع نبذ “إسفت” و تحقيق “حتب” والمسؤلوين كانوا “حم” للشعب بما فيهم الملك. هذه النظرة الفلسفية حتى للدين أصبحت تختزل فى عصرنا الحديث فى مفهوم يعتبرها مجرد تماثيل وحجارة وكفار عبدة أوثان بينما العنخ هى مجرد ديكور يسمونه مفتاح الحياة !!

أختم حديثى بأفضل إبتهال لإبن النيل الشيخ النقشبندى رحمه الله “مصر الكنانة” وبالمناسبة هذا الإبتهال مطابق تماما لنظرة المصرى القديم لبلاده مصر الحبيبة ويشبه تماما الإبتهالات الدينية فى مصر القديمة ..
مصر الكنانة ما هانت على أحد .. الله يحرسها عطفا ويرعاها
ندعوك يارب أن تحمى مرابعها .. فالشمس عين لها والليل نجواها
والسنبلات تصلى فى مزارعها .. والعطر تسبيحها والقلب مرعاها

لم تسمى مصر الكنانة من فراغ فحتى هذا المسمى كان المصريون يطلقونه على بلادهم ففى النصوص القديمة كلمة “مصر” مشتقة من الكلمة المصرية القديمة “مجر / مشر” وتعنى المكنونة او المحصنة .. أى أنها الكنانة منذ أيام الأجداد فأين كان الأجداد وإين الاحفاد الآن؟

وللحديث بقية ..
محمد محى
28-5-2017

Report

اخبرنا برأيك ؟

200 نقاط
Upvote

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    One Comment

    1. اللغة عند القدماء المصريين تطورت جدا وظهرت منها بقية انواع الخطوط .. يعني الهيراطيقية واليموطيقية تطور الهيروغليفية وتقريبا تطورت في عصر تحتمس الثالث ( اعظم ملوك مصر واول امبراطور في الناريخ) بسبب المملكة وضخامتها ومساحتها الكبيرة كان لازم نوع من الخطوط يسهل في المسائل الكتابية … القلطي دا بقى لما جم البطالمة مصر اضافوا للغه ستة حروف عشان نتفاهم احنا الاتنين مع بعض ومنها جه القبطي