ذلك اليوم قررت ان اهبط الى ذلك العالم لارقب وجوه الناس ، آلات مسيرة لا تحمل في ملامحها الا الوجوم ، عابسون كأن اليوم بدأ الى اللانهاية .
ترى شاب في العشرين طمس عينيه بنظارة سوداء تشبه احلامه الفائتة ، يحمل الصمت في حقيبة ظهره ،و سماعة اذنه البيضاء الصغيرة تتلو عليه موسيقاه المفضلة ، لا يلتفت لأحد كأنما صنعت نظارته وسماعاته حوله سياجا منيعا يحجبه عن عيون الناس ، يتمسك بشبق بعالمه الخاص هائماً في كون موازي يحمل بين طياته احلاماً كان قد نسيها .
ذلك الستيني العجوز يحتضن صبره في كفين مجعدتين اشقتهما سنيّ العمل الطويل ، ترى في وجهه سخط الدنيا وكأنما اراد ان يلعن العالم اجمع لولا المشيب ، وقار ممزوج بآلام المفاصل التي امعنت السنين في نحت اوجاعها فيه.
وترى صاحبة تينك العينين الحائرتين تبحث عن جدار تحتمي به كأنها ظبية يحفها المفترسون من كل جهة، تمسك حقيبتها بحرص شديد وتشد ثوبها لاسفل كل فينة كأنها تداري سوئتها تجول بعينيها في وجوه الواقفين متنبهة لكل حركة يقوم بها الرجال من حولها ، تتحين كل فرصة للقفز من الزحام الى بر تخاله اماناً .
وجوه كثيرة يجمعها الانتظار ويفرقها صوت ذلك الجرس معلنا وصول فوج جديد من الحائرين ، يتدفقون كالسيل الهادر متفجرين من كل صوب.
كل صباح اراهم واتعجب كيف لمكان مثل هذا ان يصبح كوكبا مستقلا بذاته يحمل في طياته عجاج السنين وشقاء المطحونين …. محطة الشهداء ، ذلك العالم الفريد المحمل بالأعاجيب والمزدحم بقطارات تنقل معها اعباء الزمن في كل محطة.#مترو